العام الحالي سيشهد انتهاء معظم المعارك العسكرية وحصر المسلحين في مناطق حدودية
حسن سلامه
ما حصل في مدينة حمص السورية من إجبار للمسلّحين على الخروج من الأحياء القديمة التي كانوا يتحصّنون فيها، يشكّل دفعاً قوياً لإعادة سيادة الدولة على مناطق سورية واسعة، وانتصاراً حقيقياً لصلابة الموقف الذي اتخذته القيادة السورية في مواجهة المجموعات المسلحة ومن يدعمهم ويقدم إليهم المال والسلاح من الخارج.
في المعطيات التي تملكها مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع أن لما حصل في حمص أبعاداً كثيرة لناحية الوضع داخل حمص وعلى امتداد الساحة السورية، انطلاقاً من الآتي:
ـ ما حصل في حمص يندرج في إطار عمليات المصالحة التي تزيد على خمسين، مع انسحاب المسلحين من مناطق مختلفة. لكنها الأكبر لناحية شمولها ولناحية أعداد المسلحين وامتدادها إلى مناطق أخرى.
ـ لم تقتصر العملية على سحب المسلّحين الذين ينتمون إلى جبهات مختلفة الارتباط خارجياً، بل تعدى الأمر ذلك إلى إطلاق سراح مدنيين مخطوفين بينهم ضباط وعسكريون في ريف اللاذقية وشمال سورية، مقابل خروج المسلحين إلى الدار الواسعة في ريف حمص وإدخال معونات إلى مدينتي نبل والزهراء.
ـ يحاول بعض أصحاب النوايا السيئة اعتبار ما حصل نتيجة ضعف من جانب الدولة السورية، لكن الحقيقة أن عملية إخراج المسلّحين حصلت بحكم الواقع الذي فرضه الجيش السوري على المسلّحين هناك، فهم كانوا أمام خيارين، مواجهة الموت الأكيد نتيجة الحصار الذي فرض عليهم من قِبل القوات السورية أو الانسحاب.
لذلك، فالسؤال الآخر، إلامَ يؤشر ما حصل في حمص، وما دلالات هذا الاتفاق الذي نتجت منه عودة الدولة إلى مدينة حمص بكاملها؟
وفق مصادر دبلوماسية، لهذا الإنجاز دلالات كثيرة يمكن التوقف عند أبرز تجلياتها كالآتي:
ـ إن ما حصل ما كان ليتم لو لم يكن هناك قبول من الدول الداعمة للمسلحين، ما يعني أن الغرب وحلفاءه في الخليج باتوا يسعون إلى «حفظ ماء الوجه» بعد الهزيمة التي تعرّضوا لها في حربهم الكونية ضد سورية.
ـ إن القيادة السورية حريصة إلى أقصى حد على تفادي إراقة المزيد من الدماء، وعلى إحداث الدمار في مزيد من المناطق، فهي تشجع دوماً المصالحات بعد محاصرة المسلّحين في مناطق محددة، وتضعهم أمام خيار الاستسلام أو القبول بالمصالحة، وهذا ما حصل قبلاً في عدد من المناطق في ريف دمشق.
ـ ما حصل يشير إلى أن نموذجاً غير مباشر للحل الحقيقي للأزمة السورية بالتوازي مع الحوارات السياسية التي تقوم بها الحكومة السورية مع أطياف سياسية مختلفة داخل سورية.
ـ ما حصل في حمص، وقبل ذلك في مناطق متعددة، سينسحب على عدد آخر من المناطق، وفي فترة قريبة ستحصل انسحابات للمسلّحين في اتجاه ريف إدلب، وهذه السياسة المتدحرجة ستبقى مستمرة حتى إخراج جميع المسلّحين إلى المناطق المحاذية للحدود مع تركيا والأردن، في ريف دمشق الشرقي بعد تطهير الجزء الأكبر من الريف الغربي والريف الجنوبي وفي حلب حيث حوصر المسلحون في الأحياء الشرقية وقطعت 90 في المئة من الإمدادات عنهم.
في المعطيات لدى مصادر عليمة أيضاً أن العديد من المجموعات المسلحة التي تحمل الهوية السورية تدفع نحو مصالحة في بعض المناطق، بعدما تيّقنت هذه المجموعات من أن ما يسمّى بـ»الثورة السورية» ليس سوى مؤامرة غربية ضد بلدهم، أو مقراً لجماعات إرهابية تنتمي إلى «القاعدة» ولا رؤية لها سوى القتل والذبح. وتشير هذه المصادر إلى أن أعداداً كبيرة من المسلّحين الذين يحملون الهوية السورية، وبينهم أعداد كبيرة من الذين كانوا في الجيش السوري، تركوا الجماعات المسلحة وأعلنوا «التوبة»، ففي دير الزور وحدها ترك الجماعات المسلحة ما يزيد على ثلاثة آلاف شخص في الأسابيع الماضية.
توضح المصادر أن المجموعات المسلحة الأجنبية ومعظمها ينتمي إلى «داعش» وجبهة «النصرة» هي التي تعرقل إجراء المصالحات في أكثر من منطقة، وحصل ذلك في بعض قرى ريف دمشق.
في أي حال، تؤكد المصادر أن الترجيحات كلها تشير إلى أن نهاية العام الحالي ستشهد انتهاء معظم أعمال القتال في المناطق البعيدة عن الحدود التركية والأردنية. والقيادة العسكرية في سورية وضعت استراتيجية متكاملة لإنجاز هذه الخطة قبل نهاية العام، وقد يبقى فحسب بعض الأطراف القريبة من تركيا والأردن. وبالتالي يؤكد ذلك أن سورية انتصرت في معركتها، ويبقى إعلان توقيت هذا الانتصار الذي يحتاج إلى بعض الوقت، فالغرب لم يقر حتى الآن بهزيمته التامّة.