انكسارعاصفة الإشاعات المجنونة ضدّ سورية

د. تركي صقر

اتخذت أطراف العدوان على سورية من وصول مجموعات إرهابية دفعتها حكومة أردوغان إلى إدلب وجسر الشغور منصة لإطلاق عاصفة هستيرية من الإشاعات المفبركة والمسبقة الصنع لزعزعة ثقة السوريين بكلّ ما تمّ إنجازه خلال السنوات الأربع الماضية. ولعلّ أخبث ما قذفته هذه العاصفة المجنونة، أنّ حلفاء سورية وشركاءها والمقصود إيران وحزب الله من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، قد تخلوا عنها وصار ظهرها مكشوفاً. ولولا ذلك لما كانت خسارتها فادحة أمام المجموعات المسلحة جنوباً في بصرى الشام ومعبر نصيب الحدودي وشمالاً في إدلب وجسر الشغور وصولاً إلى محيط قمة جبل النبي يونس أعلى القمم في الجبال الساحلية .

من سوء حظ من روّج لهذه الإشاعة، أنها لم تعمّر طويلاً فسرعان ما دحضتها زيارة وزير الدفاع السوري إلى طهران وما نتج منها من توثيق التحالف الاستراتيجي بين البلدين وتواصل الدعم العسكري واللوجستي لسورية وبكلّ الإمكانات للقضاء على العصابات الإرهابية، وأعلن إبان الزيارة بدء إيران بتنفيذ خط ائتمان بحري بمليار دولار لسورية لتعزيز صمودها الاقتصادي وأعاد كبار القادة الإيرانيين على مسامع الجميع أنها لن تتخلى عن سورية تحت أي ظرف من الظروف وأن سورية بالنسبة لها أهمّ من الملف النووي.

وفي عز انطلاق الإشاعات حول تبدّل المواقف الروسية من النظام السوري وأنّ هناك صفقات مع السعودية لتغيير سياسة الكرملين تجاه الأزمة السورية، كان وزير الداخلية السوري في زيارة عمل لموسكو تمّ بنتيجتها التوقيع على اتفاقات أمنية مهمة، في وقت شدّد المسؤولون الروس على دعمهم القيادة السورية، وزادت تصريحاتهم بخصوص التزام موسكو تنفيذ برامج تسليح الجيش العربي السوري من دون توقف، وزادت حركة المدمّرات الروسية نحو القاعدة البحرية في طرطوس، وعلى خلاف الإشاعات المغرضة كانت هناك مراجعة إيرانية روسية لوضع الخطط لمجابهة الفصل الجديد من العدوان على سورية المتمثل بتنسيق سعودي تركي قطري «إسرائيلي» وتوجيه أميركي مباشر بهدف تغيير موازيين القوى على الأرض لمصلحة التنظيمات الإرهابية، وكان من نتيجته العدوان التركي للسيطرة على إدلب وجسر الشغور وإمطار أحياء حلب بالقذائف لتفريغها من سكانها تمهيداً لاجتياحها.

وعلى رغم ذلك تواصلت زوابع الحرب النفسية ضدّ سورية وأخذت مناحي غير مسبوقة، فضُخّت أخبار كاذبة على مدار الساعة، مثل انقلاب عسكري وسط دمشق وتفجيرات تقضي على عشرات الضباط السوريين، وأسر ضباط إيرانيين في جسر الشغور.

ثم تحوّلوا بإشاعاتهم نحو الشخصيات فزعموا أنّ الرئيس بشار الأسد ترك مقرّ عمله في العاصمة وانتقل إلى الساحل، وأن اللواء علي مملوك أصيب بمرض خطير، ونقل إلى المستشفى، وتتوالى فبركة الروايات حول وفاة اللواء رستم غزالة، وأنّ التصفيات مستمرة داخل النظام حتى أنّ سعد الحريري دخل على خط الفبركات وادّعى من واشنطن أنّ اللواء غزالة اتصل بشخص مقرّب منه قبل وفاته بأيام قليلة يطلب الظهور على تلفزيون «المستقبل» لإعلان معلومات تعلن لأول مرة، وكذبة الحريري مكشوفة جداً لأنّ غزالة كان في حالة سبات تامّ في المستشفى لأكثر من ثلاثة أسابيع ولا يستطيع الكلام مما يعرّي الواقعة ويجعلها في سياق الكذب على لسان الميت سهل وليس له حدود.

وفي السياق ذاته روّجوا لاستعراض زهران علوش العسكري الذي قيل إنه «على أبواب دمشق»، وهي كذبة كبرى أخرى تمّ تسويقها وفق خطة مدروسة لزعزعة صمود الدمشقيين، في حين إنه فيلم مفبرك صوّر بعيداً من العاصمة وعلى الطرف الآخر من الغوطة الشرقية، والأهمّ أنه صوّر قبل أشهر في فصل الشتاء وهو ما دلت عليه الألبسة التي ارتداها علوش وسواه من الذين كانوا يجلسون إلى جانبه، وعرضوه هذه الأيام بالتزامن مع زيارة علوش إلى تركيا تحديداً ليقبض عليه المبلغ المرقوم.

لقد ظهر تماماً أنّ هذه الحرب النفسية الغشوم تهدف إلى إنعاش الروح المعنوية المنهارة لشراذم المعارضة بعد الهزائم الكبيرة والإفلاس على كلّ الأصعدة، ولذلك ركز صانعو هذه الحرب على التحضير لصراع طائفي عملوا من أجله منذ ما قبل وقوع الأحداث في سورية، يبدأ بالتشكيك في قدرات الجيش العربي السوري وتأجيج الفتنة الطائفية وتضخيم مجريات المعركة في إدلب وجسر الشغور، وإظهار تفوّق وتقدّم المجموعات الإرهابية، ليشعر الجيش والشعب السوري بشكل عام بالهزيمة وتنهار معنوياته، وهذا أمر سبق أن اشتغلوا عليه نهاية 2011 ومطلع 2012 وفشلوا، وها هي عاصفة الإشاعات والأكاذيب الجديدة تنكسر وتتحطم على صخرة وعي السوريين الذين مرّوا بعواصف شديدة سابقة وباتوا محصّنين ويعرفون أنّ حربهم النفسية عاجزة عن تغيير واقع الأمر على الأرض على رغم قيادتها من قبل خبراء في الإعلام وقنوات فضائية ودول عديدة تموّل بمليارات الدولارات، فالجيش السوري ليس منهكاً كما يصوّرون، بل بات أكثر تمرّساً في حرب العصابات وأكثر قدرة على خنق الإرهابيين وهو على طريق تحقيق انتصارات استثنائية في مواجهة أشرس إرهابيّي العالم من السعوديين والتونسيين والأتراك والشيشان، والنصر مكتوب له في نهاية المطاف لا محالة.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى