واشنطن وباريس: متى يتحوّل التنافس إلى صراع؟
حميدي العبدالله
على امتداد أكثر من سبعة عقود حكمت العلاقات الأميركية الفرنسية، سياسة قائمة على التنافس الذي يقترب من الصراع، والتعاون على خلفية المصالح المشتركة مع هيمنة أميركية واضحة نظراً إلى حجم الاقتصاد الأميركي ودور الولايات المتحدة على المستوى الدولي.
شهدت أفريقيا والشرق الأوسط على امتداد العقود السبعة تنافساً حاداً بلغ حدّ الصراع بالوكالة، ولا سيما في بعض الدول الأفريقية، كما برز هذا الصراع بوضوح مرتين، الأولى في عهد الرئيس شارل ديغول في عقد الستينات، والثانية في عهد جاك شيراك عشية الغزو الأميركي للعراق، وتعرّض المصالح الفرنسية للخطر هناك.
لكن القانون العام الذي حكم هذه الصراعات هو إذعان السلطات الفرنسية لمتطلبات الهيمنة الأميركية والتراجع عن مواقفها في منافسة النفوذ والمصالح الأميركية، ربما باستثناء عهد الرئيس شارل ديغول الذي صادف التورّط الأميركي في الحرب الفيتنامية وحالة الاستنزاف التي عانى منها الأميركيون هناك.
يلاحظ اليوم أنه ثمة عودة جديدة للتنافس، جرى التعبير عنها مؤخراً في ثلاثة مؤشرات، المؤشر الأول موقف فرنسا المزايد على الموقف الأميركي من الملف النووي الإيراني، وتتحدّث تقارير عديدة عن أنّ المزايدة الفرنسية على إدارة أوباما لعبت دوراً كبيراً في تأخير التوصل إلى اتفاق نهائي ينهي القطيعة القائمة بين الولايات المتحدة وإيران منذ عام 1979.
المؤشر الثاني، الانتقادات العلنية والنادرة التي وجهها وزير خارجية فرنسا إلى إدارة الرئيس أوباما على موقفها من الأزمة السورية، حيث سعت فرنسا إلى توريط الولايات المتحدة بتدخل عسكري مباشر على غرار تورّطها في الحرب على ليبيا، ولكن إدارة أوباما رفضت ذلك.
المؤشر الثالث، سعي الرئيس الفرنسي إلى استغلال السياسة الأميركية الحالية والانتقادات الموجهة لها من بعض حلفاء الولايات المتحدة لتعزيز نفوذ فرنسا ومصالحها على حساب علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين، ويندرج في هذا الإطار مشاركة الرئيس الفرنسي في جانب من القمة الخليجية، وتوقيع عقود لتزويد قطر بطائرات حربية فرنسية، وزيارة الرئيس الفرنسي إلى كوبا، والمزايدة على موقف إدارة أوباما في انفتاحها الجديد على بلد فيدل كاسترو.
قد تكون السياسة الفرنسية إزاء الملف النووي الإيراني والموقف من سورية محمية من قبل الكيان الصهيوني الذي تتطابق مواقفه من هذه القضايا مع المواقف الفرنسية أكثر من مواقف إدارة أوباما، ومحمية أيضاً من جماعات النفوذ المؤيدة للكيان الصهيوني داخل الولايات المتحدة، لكن لا يمكن للنخب الحاكمة الأميركية، سواء الديمقراطيين أو الجمهوريين، أن يغضّوا النظر عن تمدّد النفوذ الفرنسي على حسابهم، حتى وإنْ تقاطعت رؤاهم السياسية حول بعض القضايا مع رؤية الحكومة الفرنسية. وفي ضوء هذا الواقع فإنّ صمت واشنطن على سياسة باريس، واستغلالها المصاعب التي عانت وتعاني منها الولايات المتحدة بعد تعثّر احتلالها للعراق وأفغانستان لن يطول، وسيكون هناك رد رادع، سواء في الشرق الأوسط أو في أنحاء معينة في أفريقيا، لا سيما في مناطق النفوذ التقليدية للاستعمار الفرنسي. فأين سيكون هذا الردّ؟