عضوم: المحكمة العسكرية تقوم بدور جيد واستهدافها لتخفيف أحكام الموقوفين الإسلاميين سلامة: سماحة ارتكب الجريمة المستحيلة وريفي ارتكب خطأين ومحاكمته أمر معقّد

تحقيق: محمد حمية

تساؤلات عدّة تطرح حول موقف «المستقبل» وحلفائه من حكم المحكمة العسكرية في قضية الوزير السابق ميشال سماحة، والطريقة التي تعاطوا بها مع القضية، فيما لم يبدوا أي اهتمام إزاء قرارت مماثلة اتخذتها المحكمة العسكرية نفسها سابقاً. أما اللافت، فتمثل في إطلاق النار والقصف سياسياً على المحكمة العسكرية، ما تحوّل إلى تأنيب وترهيب للقضاء اللبناني، عبر إحالة أحد القضاة إلى التحقيق بسبب توقيعه الحكم على سماحة.

مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر قدّم أمس تمييزاً للحكم الصادر بحق سماحة، مطالباً بإعادة المحاكمة. ما يعني أن ملف سماحة فُتح على مصراعيه على المستويين القضائي والسياسي، فيما القرار القضائي بحق سماحة سيشكل فرصة ثمينة لفريق المستقبل للانقضاض على المحكمة العسكرية وإرهاب القضاء وتأديبه.

مهارات سماحة وعلاقاته الكبيرة بسورية وفرنسا كانت من الأسباب التي دفعت جهات معروفة إلى تدبير مكيدة له للتخلص منه وتوريط القيادة السورية. هكذا قال النائب السابق لرئيس حزب الكتائب المحامي رشاد سلامة، الذي اعتبر أن لدى المحكمة العسكرية السلطة المطلقة بتخفيف الأحكام، إذ أكد أن قبول تقديم طلب النقض من مفوض الحكومة أو من جهة الدفاع، لا يعني إعادة المحاكمة، إنما المحكمة هي التي تقرّر. أما قبول طلب الطعن فيعني إعادة المحاكمة.

وأشار سلامة إلى أن سماحة ارتكب الجريمة المستحيلة لأنّ السلاح الذي سلّمه إلى المخبر ميلاد كفوري لم تكن وجهته مكان الهدف المتفق عليه. كما أوضح أنّ وزير العدل أشرف ريفي ارتكب خطأين في هذا الملف، تصل حدودهما إلى المسّ بالقضاء، لكنه يرفض محاكمته التي هي أمر معقد.

أما المدعي العام التمييزي وزير العدل السابق عدنان عضوم، فلفت إلى أن لوزير العدل الحق في أن يطلب من التحقيق القضائي التحقيق مع شخص، لكن هذا لا يعني انزال العقوبة به. «القاضية ليلى رعيدي لم ترتكب جريمة، فهذا خارج نطاق الغاية من التفتيش ويبقى ضمن السرية ولا يكون علنياً، لأن ذلك يؤدّي إلى تهديم القاضي ويقضي على مستقبله».

الحكم وتداعياته

صباح التاسع من آب 2012، أوقفت شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي الوزير السابق ميشال سماحة، خلال دهم منزله في الخنشارة، بتهمة التخطيط لتفجيرات خلال إفطارات رمضانية في شمال لبنان، واغتيال شخصيات شمالية.

بعد مرور سنتين وتسعة أشهر على توقيف سماحة، وبعد الفصل قضائياً بين ملف سماحة وملف رئيس الأمن الوطني في سورية اللواء علي المملوك، أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت برئاسة العميد الركن إبراهيم خليل ابراهيم في 13 أيار الجاري، حكمها بحقّ سماحة، بإنزال عقوبة الاشغال الشاقة به لمدة أربع سنوات ونصف السنة، وتجريده من حقوقه المدنية. ما يعني أن مدة العقوبة المتبقية لسماحة هي 11 شهراً بعد اعتبار السنة السجنية 9 أشهر.

فور صدور هذا القرار، ثارت ثائرة تيار المستقبل وحلفائه، وشنّوا الحملات الإعلامية والسياسية على المحكمة العسكرية. فوصف وزير العدل أشرف ريفي الحكم بأنه «فضيحة». لافتاً إلى أنّ القرار الاتهامي كان قد طلب لسماحة الاعدام. وأعطى ريفي تعليمات فورية لتمييز الحكم.

النائب سعد الحريري فور سماعه الخبر، سارع إلى الاتصال هاتفياً بوزيرَي الداخلية والعدل نهاد المشنوق وأشرف ريفي، وبحث معهما سبل مواجهة هذا القرار. وتلقائياً أحال ريفي المستشارة المدنية في المحكمة العسكرية القاضية ليلى رعيدي إلى التفتيش القضائي بسبب موقفها من القرار، وما لبث أن طلب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر من المحكمة العسكرية الدائمة إيداعه الحكم الصادر عنها بحق سماحة والملف لدراسته تمهيداً للطعن به.

ردّ فعل فريق «المستقبل» على القرار لم يبق في إطار الطعن القضائي أو الاعتراض السياسي، بل أشعل الشارع «المستقبلي» في الشمال والبقاع، فقطع مناصرو «المستقبل» طريق سعدنايل كما نفّذوا اعتصاماً أمام «مسجد التقوى» في طرابلس وسط هتافات تطالب بإلغاء المحكمة العسكرية وتندّد بحكمها.

فكيف ينظر القانون إلى القرار وطلب الطعن به وردود الفعل عليه؟ وإلى أين يتجه الملف؟

المواقف المتناقضة

في 22 من تشرين الثاني عام 2000، أخلى القضاء العسكري سبل خمسة من كبار الضباط السابقين في ميليشيا «جيش لحد» استناداً إلى اعتبارات «إنسانية»، تلى ذلك إصدارها أحكاماً مخففة عن العملاء بعد التحرير عام 2000، إذ لم يتجاوز بعضها بضعة أشهر.

19 تموز 2005، أقر مجلس النواب بالإجماع العفو عن رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، وبالأكثرية عن موقوفي الضنية ومجدل عنجر الإرهابيين.

12 كانون الاول 2012 قرّرت رئيسة محكمة التمييز العسكرية القاضية آليس شبطيني وزيرة المهجّرين حالياً إخلاء سبيل «العميل ألفا» الشهير شربل القزي، رئيس قسم الصيانة في شركة الاتصالات «ألفا» والذي اعترف بتعامله مع الاستخبارات «الإسرائيلية» منذ عام 1996.

ليس العميل قزّي وحده من أخلي سبيله في تلك السنة، فقد أخلت الشبطيني سبل كثيرين من المتهمين بالعمالة، ومنهم طوني بطرس، وبطرس سليمان، وحنا عيسى وغيرهم. وقبل إخلاء سبيل شربل القزي بأسبوع، أخلت سبيل علي ملاح وهو كان محكوماً بالسجن لعشر سنوات، وأخلت سبيل جان زنقول الذي حكم عليه لمدة خمس سنوات.

حينذاك، لم يصدر عن جمهور المقاومة ونوّابها ما يسيئ إلى القضاء، أقسى المواقف حينذاك طالبت بتشديد الأحكام على عملاء «اسرائيل»، ولامست حدود انتقاد قرارات شبطيني. في المقابل، انتفض فريق «14 آذار» وملأ الفضاء الاعلامي بالتصريحات المنادية بحرّية القضاء وضرورة عدم المساس به، حتى أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان نفسه استقبل شبطيني منوّهاً بإنجازاتها ومطالباً بعدم الضغط على القضاء.

بتاريخ 12 ايار 2012، أوقف الأمن العام شادي المولوي بشبهة الانتماء إلى تنظيم «القاعدة»، وادّعى عليه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح، وارتكاب الجنايات على الناس والاموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها. ثم أفرجت عنه المحكمة العسكرية بقرار من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، تحت ضغط إسلاميّي طرابلس بغطاء من «تيار المستقبل»، وعاد إلى طرابلس بسيارة ميقاتي على وقع الاحتفالات.

حال المولوي كحال رفيقه أسامة منصور قبل مقتله، إذ أوقف مع آخرين وضُبطت في حوزتهم كمية من الأسلحة والمتفجرات، إلا أنّه تُرك بموجب كفالة مالية قدرها 300 ألف ليرة، على إثر وساطة خفية من شخصيات سياسية رفيعة المستوى. ولا يختلف الأمر مع عميد حمود المسؤول العسكري لـ«تيار المستقبل» في الشمال وهو عرّاب المسلحين في طرابلس وصاحب اليد الطولى التي موّلت المجموعات المسلّحة في باب التبانة وخارجها بحسب اعترافات الموقوفيَن سعد المصري وزياد علوكي في التحقيقات أمام المحكمة العسكرية. أما اللافت، فحذف اسم حمود عن لائحة أسماء قادة المحاور.

الثالث من أيلول 2012، أفرِج عن العميد المتقاعد فايز كرم الذي أدين بالعمالة للعدو «الاسرائيلي» بعدما أنهى مدة الحكم الصادر بحقه، مستفيداً من القانون الأخير الصادر عن المجلس النيابي والمتعلق بتخفيض السنة السجنية إلى تسعة أشهر.

لم يعترض فريق «المستقبل» على القرارات التي اتخذتها المحكمة العسكرية سابقاً كما يعترض الآن على قرارها بحق سماحة. كما وقف موقف المتفرج أمام التحريض الطائفي والمذهبي والتطاول والتهجم على الجيش وقتل جنوده وضباطه الذي مارسه أعضاء من كتلة «المستقبل» النيابية لا سيما النائبان خالد الضاهر ومعين المرعبي. فقد ناشد الضاهر في خطابٍ له «خادم الحرمين الشريفين» بألّا يدفع أيّ مبلغ من المليارات الأربعة للبنان، «لأن هذه المليارات ستصرف على جيش قراره ليس في يد الدولة والحكومة اللبنانية، بل يستخدم ضد العروبة وضد أهل السنّة».

«المستقبل» والمواجهة مع القانون؟

يبدو أن فريق «المستقبل» صمّم على الذهاب بعيداً في قضية سماحة قضائياً وسياسياً وربما في الشارع. فأكد ريفي «أننا بدأنا إجراءاتنا كوزارة عدل وطلبنا التمييز، والحكم بـ4 سنوات ونصف السنة غير مقبول». لافتاً إلى أن مشروعه تعديل قانون المحكمة العسكرية أصبح في لمساته الأخيرة.

على رغم بيان مجلس القضاء الأعلى الذي ردّ على ريفي من دون أن يسمّيه، والذي أكد فيه أن النظام القضائي في لبنان يلحظ طرقاً للمراجعة ضدّ أيّ قرار يُشتكى منه، وأن نسبة أيّ مأخذ على قاض لها آلية مكرّسة في القانون، إلا أنّ ريفي استكمل حملته على المحكمة العسكرية وقضاتها.

فماذا يقول القانون عن قرار المحكمة بحقّ سماحة؟

مدّعي عام التمييز ووزير العدل السابق عدنان عضوم في حديث خاص لـ«البناء» لفت إلى أن «قبول التمييز أو رفضه أمران يعودان إلى محكمة التمييز العسكرية. ولكي نعرف إلى أين سيذهب هذا الملف يجب أن نعرف مضمون الادّعاء في النيابة العامة العسكرية الذي أحيل بموجبه الملف إلى المحكمة».

وقال: «لا يمكنني تحديد ذلك إلا إذا كان الملف بين يدي، فهل هو فقط نقل أسلحة أو شروع بالقتل؟ لكن كما فهمنا من القرار أن سماحة نقل الأسلحة والمتفجرات وهذه جريمة، لكن هل ترافقت مع محاولة القتل؟ لا نعرف ماذا ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية على سماحة».

النائب السابق لرئيس حزب الكتائب المحامي رشاد سلامة شرح في حديث لـ«البناء» حيثيات إصدار المحكمة العسكرية قرارها في قضية سماحة وظروفه، مؤكداً أنّ المادة 200 موجودة في قانون العقوبات التي تتحدث عن تخفيض العقوبة. وقال: «المحكمة ليست ملزمة بأن تحكم وفقاً للقرار الاتهامي، إنما لها صلاحية مطلقة في أن تغيّر الوصف الجرمي أو تمنع المحاكمة عن الشخص بجرم معيّن. والصلاحية الكاملة خاضعة للقناعة الوجدانية التي تتكون عند المحكمة، وقضاء الحكم يختلف عن قضاء الظنّ أو الملاحقة، القرار الظني هو على الشبهة، لكن المحكمة تحكم باليقين. وإذا كان هناك أيّ شك بالجرم والوقائع المسندة إلى الشخص المتهم، واجب المحكمة أن تعمل على تبرّئته. المحاكمة هي مرحلة متقدمة من مراحل التحقيق لأنها تعيد التحقيق وسماع الشهود وتصل إلى حكم نتيجة ما تكوّن للمحكمة من اقتناع. وتمارس سلطتها الاستنسابية وتمنح أسباباً تخفيفية لأيّ متهم من دون أن تعلّل الأسباب التخفيفية التي منحتها. سلطة التقدير تعود إلى المحكمة ولا أحد يستطيع سؤالها عن منحها الأسباب التخفيفية. لها الحق بتخفيض عقوبة أيّ جرم».

وأشار سلامة إلى أنه «في حالة سماحة، المحكمة منحته الاسباب التخفيفية على الجرائم التي اعتبرتها ثابتة عليه. والتي حكمت بمقتضاها. ولها الحق أن تخفف الحكم إلى ما دون ثلاث سنوات في حالة الجناية، من دون أن تعلّل الآراء. أما إذا حكمت مدّة أقل من سنة ونصف السنة، فيجب أن تعلل الاسباب التخفيفية. الحكم من صلاحية المحكمة التي اطّلعت على ظروف القضية، وتوفّر لها قناعة وجدانية عملاً بسلطة التقدير التي تتمتع بها المحكمة وفقاً للقانون، ولا يحق لأحد الاعتراض على أحكام محاكم لبنانية سواء القضاء العسكري أو العدلي».

أين أخطأ ريفي؟

وتوسّع المحامي سلامة في شرح الأخطاء التي ارتكبها وزير العدل التي تصل إلى حدّ المس بالقضاء اللبناني، وقال: «أخطأ وزير العدل في حالتين: أولاً أنه تكلم علناًً عن إحالة القاضية ليلى رعيدي إلى التفتيش القضائي وهذا عمل يتخذه القضاء بالشكل السرّي ولا يعرف به إلا القاضي المعنيّ بهذا التدبير. ووزير العدل ليس لديه صلاحية بأحكام المحاكم بل تنحصر صلاحياته بنقطة واحدة فقط وهي أنه يستطيع توجيه رسالة إلى النيابات العامة عبر مدّعي عام التمييز إذا حصلت جريمة لها ارتدادات على المستوى الشعبي. حينذاك يطلب من مدّعي عام التمييز مباشرة التحقيق، ولا سلطة له على أيّ من الاحكام التي تصدر، سواء العدلية أو العسكرية. تتقاطع السلطة التنفيذية مع السلطة الدستورية أي القضائية على مستوى علاقة وزير العدل مع مدّعي عام التمييز».

أما الخطأ الثاني بحسب سلامة، فهو «أن ريفي طلب من مدّعي عام التمييز تمييز الحكم، وكان يمكن أن يقدّم طلب النقض مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الذي يتبع بدورة لمحكمة التمييز. كما يجوز لمحامي الدفاع ذلك. نقض الحكم يتوقف على شروط معينة، ومن حق محكمة التمييز قبول طلب التمييز أو رفضه، وبدوره يتوقف إذا كانت الأسباب المدلى فيها الطعن مستمدة من حالتين، أولاً إذا لم تراع المحكمة أصول المحاكمة، مثلاً إذا حلف الشاهد بلا إدلاء اليمين القانونية، السبب الآخر إذا اخطأت المحكمة في تطبيق القانون، تقديم طلب النقض لا يعني أن يؤدي إلى إعادة المحاكة من جديد. وزير العدل له حق تقديم طلب النقض لكن المحكمة تقرّر قبول طلب النقد أو رفضه، سواء كان مقدّماً من مفوض الحكومة أو من جهة الدفاع. القاضي صقر لا يستطيع تجاهل طلب وزير العدل من جهة، ومن جهة ثانية يملك الصلاحية بتقديم طلب نقض».

وأشار سلامة إلى أنّ «ريفي ارتكب خطأً فظيعاً يمسّ بالقضاء عندما اعتبر أنّ الحكم جائر ويجب الطعن به. لا علاقة له بالعقوبة فهذا عمل المحاكم، وأيضاً من يحق له الإحالة على التأديب هو مجلس القضاء الاعلى والتفتيش القضائي، فوزير العدل لا يحق له تحويل أيّ من القضاة إلى التفتيش ولا إعلان ذلك، بل هو تدبير سرّي وفقاً للمادة 95 من قانون القضاء العدلي».

وفي هذا السياق، أشار عضوم إلى أن «وزير العدل له الحق أن يطلب من التحقيق القضائي التحقيق مع شخص، ولكن هذا لا يعني إنزال العقوبة به. القاضية ليلى رعيدي لم ترتكب جريمة، وإذا أخطأت خطأ مسلكياً فيمكن تحويلها إلى التفتيش القضائي للتحقيق، ولكن لا لأنها وقّعت على حكم للمحكمة. فهذا خارج نطاق الغاية من التفتيش ويبقى ضمن السرية ولا يكون علنياً، لأن ذلك يؤدي إلى تهديم القاضي ويقضي على مستقبله».

لماذا إرهاب القضاء؟

ولفت سلامة إلى أنه مقابل الحالة الانفعالية والمتوترة من ضغائن وأحقاد سياسية لدى وزير العدل، الردّ الأفضل كان من وزير الداخلية نهاد الشمنوق عندما قال إن قرار المحكمة شأن قضائي صرف، لأنه لا يجوز أن نتعاطى مع العدالة بحكم الميل والهوى السياسيين.

ولم يبدِ سلامة خوفاً من أن يتحول ما قام به ريفي إلى سابقة لأنه برأيه لا يمكن أن يأتي وزير للعدل لا يعرف في القانون كأشرف ريفي.

ولكن إذا كان ما ارتبكه ريفي يصل حدّ المس بالقضاء، فهل في القانون إجراءات لمحاكمته؟

يجيب سلامة على ذلك بالقول: «محاكمة أي وزير تخضع لأصول معقدة كثيراً فضلاً عن الحصانة التي يتمتع بها أي وزير. ومحاكمته طموحات غير مسموح بها».

إذاً ما الذي يمكن أن يقوم به فريق «المستقبل»؟ قال سلامة: «النضال الذي يتحدث عنه ريفي لا معنى له الا بالموقف السياسي، والضغوط التي يمارسها على القضاء بحدّ ذاتها أمر مدان، والقضاء حرّ ومستقل ويعبّر عن العدالة والنزاهة».

لماذا القضاء العسكري؟

الحملة على المحكمة العسكرية ليست جديدة، إنما تعود إلى ما قبل إصدارها الحكم في قضية سماحة. في 15 تشرين الثاني 2014 شدّد ريفي من باب التبانة على «ضرورة إلغاء المحكمة العسكرية والمجلس العدلي أو تعديل قانونهما»، مشدّداً على أن كلّ الدول التي تحترم نفسها ألغت المحاكم الاستثنائية والمحاكمات على درجة واحدة».

على رغم أن عدداً من دول العالم ألغت المحاكم العسكرية من أنظمتها القضائية، إلا أن دول متطورة ما زالت تعتمدها، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا، وتصدر أحكاماً بالاعدام.

إغلاق المحكمة العسكرية هرطقة

وهنا يعلق الوزير عضوم على ذلك بالقول: «بالنسبة إلى إلغاء المحكمة، هذا جدل قديم منذ أن كنت وزيراً للعدل، وبدأنا حينها بإعداد مشروع للمحكمة العسكرية كنا سنناقشه قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان أحد المواضيع تعديلات لبعض القوانين وصلاحيات المحكمة».

وأكد سلامة أن إغلاق المحكمة العسكرية هرطقة، أما الاحالة إلى المجلس العدلي فيتم بقرار يأخذه مجلس الوزراء مجتمعاً. موضحاً أن القضاء العسكري جزء من تركيبة النظام القضائي في لبنان وهيكيليته، الذي يتألف من القضاء العدلي والعسكري والاداري. وإلغاء القضاء العسكري يحتاج إلى تعديل في مجلس الوزراء وتعديل للتشريع في مجلس النواب، ولا يحق لأي وزير بذلك.

وشدّد سلامة على ضرورة وجود القضاء العسكري في لبنان للتعامل مع كل الجرائم التي لها علاقة بالتعامل مع العدو الصهيوني والعمليات الإرهابية التي تشكل خطراً على أمن الدولة. ولكن الامر غير الطبيعي، إذا حصل خلاف بين مدنيّ وعسكري، فتصبح القضية في المحكمة العسكرية. تعديل هذا الشق من اختصاصات القضاء العسكري وهو أمر مقبول وممكن، لكن إلغاء المحكمة العسكرية هرطقة واعتداء على هيبة القضاء وصلاحياته والوظيفة المنوطة بالمحكمة العسكرية.

تحدّثت مصادر عن أن هناك عدداً من المحامين لا يحضرون جلسات موكيلهم في قضايا الموقوفين الاسلاميين، أهمها المتعلقة بالمجموعة التي أطلقت صواريخ من بلونة باتجاه الكحالة، والثانية بالارهابي نعيم عباس، والجلسات التي تتعلق بموقوفي عبرا والتي هي من كبريات الدعاوى في المحكمة، بحيث أن عدد المتهمين فيها 73 متهماً بينهم 51 موقوفاً. لكن جرى تغيب أحد الموقوفين ما أدّى إلى تأجيل الجلسة لأنه لا يمكن محاكمته غيابياً بحسب نظام المحكمة.

وربطت مصادر بين هذا الامر والصفقة المرتقبة بين الدولة اللبنانية وتنظيم «النصرة» على العسكريين المخطوفين، ولذلك يتعمد الموقوفون الاسلاميون تأخير المحاكمات، وبالتالي الأحكام لإنجاز الصفقة التي ستشمل فقط غير الصادرة بحقهم أحكام.

يؤكد عضوم أن ما يحصل من تهجّم على القضاء هو للضغط عليه لتخفيف أحكام الموقوفين الاسلاميين، وتأخير المحاكمات يخفي عرقلة ما. ويعود عضوم بالذاكرة إلى الماضي ويقول: «عندما كنا في المجلس العدلي نحاكم موقوفي الضنية الأصوليين، كانوا يراوغون في حضور المحاكمات، ويرفضون توكيل محامين لهم ويتحججون، وبقي الوضع على ما هو عليه إلى أن صدر العفو عن جعجع فشملهم، لذلك هم يتكلمون في أمر، وينفذون أمراً آخر، وينتظرون أمراً ما».

وأكد عضوم أن المحكمة العسكرية تقوم بدور جيد، والقاضي الذي توجَّه له التهم، القاضي ابراهيم خليل، أصدر أحكاماً عظيمة ومهمة. مستغرباً الهجوم على المحكمة العسكرية الدائمة بوجود محكمة التمييز التي بإمكانهم العودة اليها إذا لم يعجبهم الحكم لتمييزه، والتي يرأسها قاضٍ مدني. مشيراً إلى أن الموضوع مسيّس من ألفه إلى يائه.

بعد ردود الفعل القانونية والقضائية على كلام ريفي وتزايد المطالبات الشعبية باستقالته، أعلن ريفي أنه لا يطالب بإلغاء المحكمة العسكرية بل بتعديل قانونها.

وفي هذا السياق، حذّر سلامة من أن ما يحصل عملية ترهيب تمارَس مسبقاً على المحكمة العسكرية، مجدّداً ثقته كمحامٍ بالعدل في لبنان والمحاكم اللبنانية بما في ذلك المحكمة العسكرية، مؤكداً ان محكمة التمييز لا تتأثر بضغوطات سياسية ولا عمليات ترهيب والتي يمكن ان تتكرر إذا بدأت جلسات محاكمة الموقوفين الاسلاميين، لأنها تمارس العدالة وفقاً للقانون وقناعاتها الوجدانية. مشيراً إلى أن قبول محكمة التمييز طلب النقد من جهة الدفاع أو من مفوض الحكومة يعني إعادة المحاكمة.

سماحة والجريمة المستحيلة

وأشار سلامة إلى نقطتين في قضية الوزير سماحة، الأولى: «أصبح واضحاً في التحقيق أن ميلاد كفوري بتكليف من جهاز أمنيّ برئاسة اللواء وسام الحسن وريفي عندما كان مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي، قام بإقناع سماحة بأنه مناضل ويقوم بعمليات بحكم التضامن الطبيعي سياسياً بين سماحة والقيادة السورية وذلك لاستدراجه لقاء أجرٍ. وخطأ سماحة أن كفوري استطاع إقناعه بجلب السلاح والمال، لكن كل جرم يكون نتيجة استدراج يقوم به مخبر لدى جهاز لقاء أجر يمنح المتهم البراءة، وفي حالات معينة يعاقَب المخبر الذي قام بعملية الاستدراج بحكم القانون الجزائي، أو مسلكياً في الجهاز الذي ينتمي إليه».

وأضاف سلامة: «بثبوت حالة الاستدراج في حالة سماحة، فإن ذلك يؤدّي إلى براءة المتهم. لأن الجرم هو نتيجة الدور الذي لعبه المخبر بالاستدراج الذي مارسه. وهناك احكام صادرة في هذا الشأن. أما المسؤولية القانونية على الحسن وريفي نتيجة الطلب من كفوري ذلك، فهي مسؤلية معنوية لأنهما خالفا القانون. لكن المؤسف أن مهارات سماحة وعلاقاته الكبيرة بسورية وفرنسا كانت من الأسباب التي دفعت إلى تدبير مكيدة له للتخلص منه وتوريط القيادة السورية».

وأضاف سلامة: «الشق الآخر، في القانون هناك نظرية الجريمة المستحيلة، أي أن السلاح الذي جلبه سماحة استلمه كفوري وسلّمه للجهاز الذي كلّفه، أي فرع المعلومات. ولم يذهب إلى أيّ مكان ليقتل أو يفجر، ولهذا السبب لم تأخذ المحكمة بمقتضى المادة من مواد الاتهام بأن هناك جرائم قتل تمّت بموجب هذا السلاح، لأن من طلبها استلمها وهو الحسن، ومستحيل أن يعود ويسلّمها إلى جماعة لترتكب الجرائم».

أما عضوم فيعلق على ذلك قائلاً: «في ما يخص استدراج شخص لارتكاب جريمة ما، فإنّ القانون يلاحق الشخص الذي استَدرَج أيضاً، سماحة قام بفعل جرميّ، لكن الشخص المستدرِج يجب أن يكون معه في الادّعاء».

الشريط والغموض المتعمّد

في حمأة التهجمات والحملات والإعلامية السياسية على سماحة وعلى المحكمة العسكرية والقضاء والقضاة، نشر إعلام «المستقبل» شريط فيديو لسماحة خلال جلسة له مع المخبر ميلاد كفوري، كشف فيه أن الرئيس السوري بشار الاسد واللواء علي المملوك وحدهما يعرفان بالمخطط الذي كان يريد تنفيذه. ويظهر الفيديو سماحة خلال تسليمه الاسلحة إلى كفوري.

فهل يحسم هذا الشريط الشك باليقين في جرم سماحة وعلاقة القيادة السورية بالقضية؟

يعلّق سلامة على هذا الشريط، معتبراً أن المخبر كفوري ألحّ على سماحة لفظ بعض الاسماء من خلال تكرار سؤاله له عمّن يعرف بالعملية التي اتُّفق عليها، فلفظ سماحة الإسمين لطمأنة كفوري. إذاً لفظ الإسمين جاء نتيجة للالحاح الشديد الذي مارسه كفوري على سماحة، إذا كان الشريط حقيقياً وغير متلاعب به لأن كل الاشرطة والأعمال التقنية ممكن التدخل بها وتعديلها، وثمة محاكم قليلة في العالم تعتبر كل إثبات تقنيّ دليلاً مادياً إذا كان خاضعاً للزيادة، لا بل بمثابة قرينة، لا دليلاً مادياً.

وقال: «من جهة ثانية، الاعمال والاسماء المقترحة للاغتيال مقترحة من ميلاد كفوري لا من سماحة الذي نطق بها. سماحة ليس هو من حدد وجهة السلاح، لذلك جرى استغلال سياسي لهذا الموضوع بالكامل وترجم بالمواقف التي صدرت بعد صدور الحكم نابعة من حقد وضغينة».

وأضاف: «استدراج سماحة ليتكلم عن اسمين ألحّ كفوري لانتزاعهما، لهو استهداف سياسي لتوجيه الاتهام إلى أبعد من شخص سماحة، إلى جهات لها مكانتها العالية كالرئيس الاسد واللواء المملوك، وكأن من كلّفوا كفوري يحاولون أن يطالوا موقعين في سورية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى