تعديل أم استدارة أميركية في سورية… واشنطن تعدّ لإنقاذ جماعتها المسلحة
تلقت الإدارة الأميركية تأنيباً شديد اللهجة من قيادات الكونغرس، منتصف الأسبوع، ليس لفشل سياستها في سورية فحسب، بل لإحجامها عن تعزيز القوات البرية على الأراضي السورية. وخرج الرئيس أوباما عن طوره «المتردّد» المعهود، بإعلانه يوم الجمعة 30 تشرين الأول الزجّ بمزيد من وحدات القوات الخاصة الأميركية، لا تتعدّى 50 عنصراً، للإشراف على المعارك العسكرية في سورية الى جانب قوى «المعارضة» التي تدعمها.
سيستعرض قسم التحليل آفاق وانعكاسات انخراط مزيد من القوات العسكرية الأميركية، بينما تمضي واشنطن قدُماً في جولة جديدة من المفاوضات السياسية لوضع أسس إنهاء القتال هناك، وتوجيهها دعوة مباشرة لإيران للمشاركة في المفاوضات.
ايضاً، ينبغي النظر الى الانخراط الأميركي الإضافي في سياق ذروة التصعيد الروسي بالإغارة على مواقع ومراكز المجموعات المسلحة، وما سينجم عنه من تفاهمات جديدة بينهما يحدّدها الميدان.
تراجع النفوذ الأميركي
رصد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تنامي المشاعر السلبية لسياسات الولايات المتحدة عبر العالم «لأفعالها وتقاعسها في آن، ومشاعر الإحباط لتوقعات حلفائها»، حاثاً صنّاع القرار «الإصغاء بعناية لفحوى خطاب القوى المنتقدة لأميركا تروّجها في المحافل الدولية المتعدّدة والتي تتركز على مسألة الأمن». واضاف انّ المنابر العالمية المتعدّدة «تشهد على حضور روسي فاعل يهاجم السياسة الأميركية لزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم النامي، وتحميل الولايات المتحدة المسؤولية كمصدر أساسي لبروز ظاهرة الإرهاب». وذكر صنّاع القرار بأنّ روسيا «قد لا تصنّف كعدو، لكنها على الأقل منافس وتظهر بدأب عدم ضبط النفس لإثبات ذلك».
سورية
أصدر معهد الدراسات الحربية دراسة وبياناً توضيحياً يرقب تغيّرات ولاء قوى المعارضة السورية لإعانة صنّاع القرار والمراقبين على سبر أغوار كلّ فصيل لناحية «قوته النسبية، أماكن عملياته وانتشاره، مدى مشاركته في عمليات متعدّدة الأطراف، ومصدر تمويله الخارجي » بتركيز ملحوظ على «جبهة النصرة مميّزا بين أذرعها المرتبطة بتنظيم القاعدة والمجموعات التي تربطها علاقات عملية متداخلة». وأعرب عن اعتقاده بأن تؤدّي الغارات الجوية الروسية الى «تقارب بين تلك المجموعات، بينما هدف تقليص نفوذ القاعدة يتطلب شرذمتها وتفريقها». وحذر مرة أخرى من تمادي روسيا في قصفها الجوي نظراً «لنتائجه العكسية وما سيؤدّي اليه من ترسيخ تنظيم القاعدة في سورية».
مصر
تنامي ظاهرة التيارات الإسلامية المسلحة في مصر كان محطة اهتمام معهد كارنيغي، خاصة انّ « جزءاً من الأزمة مصدره يعود لخسارة الإخوان المسلمين زمام السيطرة… على الرغم من كونهم الفاعل الإسلامي المهيمن على النشاطات المعادية للحكومة… بل ايد بعض قادتهم ما أسموه اعمالاً إبداعية غير عنفية». واردف انّ المقصود هو «إيجاد أرضية تبرّر الأعمال العنفية التي لا تؤدّي إلى القتل، بيد انّ الاسلوب المذكور يشكل منزلقاً في أفضل الأحوال، وأسفر عن تصدّع ضار وجدّي بالبنية التنظيمية وتنافرها الاستراتيجي». ومضى بالقول «انّ تنظيم الإخوان وجد نفسه مهمّشاً أكثر فأكثر وفقد قادته السيطرة على الجيل الجديد الميّال إلى العنف والمعروف بـ«الإخوان الثوريين»، وينشئ علاقات تعاون مع أمثاله في التنظيمات الاسلامية الأخرى». واوضح المعهد انّ «الانشقاقات التنظيمية الداخلية، حفزت إجراء الإخوان تعديلات هيكلية والتأقلم مع حملة القمع الحكومية». من بين التدابير المتخذة «تطبيق التنظيم للامركزية سعياً لاستبدال القادة المعتقلين بعناصر قيادية أصغر سناً نالت شعبيتها وقوتها من التظاهرات الميدانية، وعبّرت عن استيائها من استراتيجيات القيادة التقليدية عديمة الفعالية».
السلطة الفلسطينية
عبّر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن اعتقاده بترابط التوصل لحلّ «الدولتين الذي تدعمه واشنطن» مع الغموض في مصير رئيس السلطة الفلسطينية المقبل، اذ انّ صيغة الحلّ «الذي يصبّ في خدمة المصالح الأميركية يتطلب توفر زعيم فلسطيني يشعر بالاستقرار في بيئته ويتمتع بالشرعية اللازمة للإقدام على عقد تنازلات صعبة وضرورية للنجاح». وأوضح انّ «الاستقرار الداخلي» يستدعي إجراء «انتخابات حرة نزيهة وديمقراطية كأفضل السبل لضمان الاستقرار والحصول على الشرعية». واستدرك بالقول انه على المدى الطويل «لا يمكن ضمان جدوى السلطة الفلسطينية، بيد انّ عملية كهذه مستبعدة في ظلّ تقرير وشيك لمنصب خلافة رئيس السلطة الفلسطينية».
تونس
معهد كارنيغي كان من بين المؤسسات الفكرية التي روّجت لزيارة رئيس «حركة النهضة» التونسية، راشد الغنوشي، إلى واشنطن بدعوة من المعهد الأميركي للسلام، الملحق بوزارة الخارجية الأميركية. واعتبر «كارنيغي» ان تونس بعد الإطاحة ببن علي أصبحت نموذجاً للحركات السياسية والاجتماعية في الشرق الاوسط «باعتماد صيغة التعدّدية في الحكم، الشرط الأساسي لتثبيت وضع سياسي مستدام وتجديد الأوضاع الاقتصادية في الشرق الاوسط». وأضاف انّ «شروط النضال لإحلال الديمقراطية في المنطقة تنطبق على الاسلاميين والعلمانيين على السواء… بتلازم ثنائية الحق العالمي للمشاركة السياسية سلمياً ومناهضة نزعات احتكار الحقيقة او السلطة». واردف انّ «تونس تشكل حالة استثنائية وبروز دورها حاملة منارة تلك التحديات».
إيران
دعا المجلس الأميركي للسياسة الخارجية إلى انتهاج سياسة متشدّدة «لاحتواء إيران»، محذراً من تداعيات الاتفاق النووي والإفراج عن الأموال المجمّدة التي «بدأت تعزز سلوك إيران المدمّر في عدد من المجالات، وحفزها على إجراء محادثات لمزيد من التسلح مع روسيا والصين، وأطلقت تجربة اختبار صاروخ باليستي منتهكة بذلك قرارات مجلس الأمن الدولي». وأضاف انّ «الأسابيع والأشهر المقبلة ستشهد مزيداً من التجليات بالتزامن مع تمتع إيران بفوائد الاتفاق النووي الاقتصادية». وناشد المجلس صناع القرار «المباشرة في تحديد نقاط الضعف الناتجة عن الاتفاق النووي على الأرجح، والخطوات التي ينبغي اتخاذها لتخفيف وطأتها».
كما اعتبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تجربة إيران لصاروخ باليستي «وزهوها بشبكة أنفاق سرية تحت الأرض» جاءت بهدف «طمأنة التيار المتشدّد في الداخل وفي نفس الوقت تحدّي المجتمع الدولي بأنها لا تزال ماضية لتحقيق الردع النشط وتطوير الصواريخ». واستطرد المعهد محذراً بأنه ينبغي على المراقب «قراءة الرمزية التاريخية للردع التي تجد صدىً عالياً في صفوف القيادات العسكرية والسياسية، وقد تؤشر على استغلالها الاتفاق النووي كأسلوب تفاوضي يؤجل الهدف الحقيقي عندما تبرز الفرصة المؤاتية لتحديها ضوابط الأمر الواقع».
تركيا
استقرأ صندوق مارشال الألماني نتائج الانتخابات التركية المقبلة، وبأنّ البلاد تقف على عتبة «إعادة تشكيل المشهد السياسي»، ستسفر عن نتائج مماثلة للجولة السابقة «والاحتمال المرجّح ان تؤدّي لانقسام في تركيبة البرلمان مما يجعل التوصل لصيغة حكم تحالفية أمراً ضرورياً». واضاف انّ فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية المقاعد البرلمانية «احتمال ضعيف، لكنه لن يكفي لمضيّه في تغيير الدستور… مما سيرسل رسالة واضحة لحزب العدالة والتنمية بديمومة النظام البرلماني وعليه التعاون مع الأحزاب الأخرى لحكم البلاد». واستدرك بالقول انّ «مدى تقبّل الرئيس اردوغان لدور سياسي مخفض ليس واضحاً».
تدخل في سياق استراتيجية الغزو
تزامناً مع الانفراج السياسي بعقد مؤتمر فيينا حول سورية، أعلن البيت الأبيض عن قرار أحادي الجانب بإرساله ثلة من القوات الأميركية الخاصة للأراضي السورية، بعد صمت طويل تلقى فيه إهانات قاسية من خصومه الجمهوريين وبعض أركان حزبه الديمقراطي واتهامات بقلة الحيلة والتقاعس وفشل سياسته للتدخل في سورية.
الإعلان في حدّ ذاته مثير للجدل، خاصة لناحية توقيته، على خلفية سلسلة لقاءات رسمية غير موفقة لشرح نوايا الإدارة في الكونغرس، آخرها وأبرزها كان مثول كلّ من وزير الدفاع، آشتون كارتر، ورئيس هيئة الأركان، جوزيف دنفورد، امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.
يُشار أيضاً الى اختتام دنفورد لجولة في المنطقة شملت العراق، مناشداً الحكومة العراقية عدم الاستجابة لطلب استدعاء القوات الروسية لشنّ غارات مماثلة على تنظيم «داعش» في العراق. تلتها تصريحات قطرية تهدّد بالتدخل العسكري المباشر في سورية، اعتبرها البعض بأنها جاءت بايعاز من الإدارة الأميركية استباقاً لمواجهة مع الكونغرس لشراء الوقت وإنضاج قرار التدخل، لا سيما لرصد الوسائل الإعلامية التباين في توجهات الرئيس أوباما من جهة، وقادته العسكريين من جهة أخرى.
يشار الى تكرار الرئيس أوباما لموقفه اينما حلّ وسنحت له الفرصة بأنه قطع عهداً للشعب الأميركي بعدم «تواجد قوات برية» في سورية. في المقابل، انتشرت روايات متعدّدة حول قيام القوات الأميركية بتنفيذ عدد من العمليات العسكرية مباشرة داخل سورية.
وزير الدفاع كارتر كان متحفظاً جداً في شهادته ولم يقل إلا القليل، بيد انّ اللافت للنظر تصريحه حول «إنشاء منطقة حظر الطيران» في سورية بأنها «غير واردة في المدى المنظور من قبل البنتاغون، ومع ذلك تبقى من ضمن الخيارات» المعدّة. وأضاف مؤكداً أنّ «الرئيس باراك أوباما لم يسحب او يخرج من التداول خيار إقامة منطقة حظر الطيران في سورية».
خلفية ضرورية
توثيق نيّة الإدارة الأميركية التدخل عسكرياً في سورية، وبشكل مباشر، ليس بالأمر اليسير او المتوفر. لكن ينبغي الاسترشاد بوثيقة صادرة عن «معهد ستراتفور» الاستخباري عام 2011، ونشرتها «ويكيليكس» توضح فيها «احتمال» تواجد قوات أميركية خاصة على الأرض في سورية منذ عام 2011.
قبل إعلان الإدارة بقليل نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، 28 تشرين الأول الماضي، نبأً نسبته الى «مصدر أميركي مسؤول رفيع المستوى يمهّد لاحتمال إقدام الإدارة الأميركية على نشر عدد محدود من القوات البرية الأميركية في سورية». والذي يأتي تصديقاً لتصريحات وزير الخارجية القطري، خالد العطية، بأنّ بلاده «قد تتدخل عسكرياً في سورية كردّ على التدخل الروسي هناك»!
لم ينقطع سيل التصريحات الأميركية والدول الحليفة بالإشارة الى «احتمال» قيام الرئيس أوباما إرسال قوة عسكرية مؤلفة من 3000 عنصر للقتال المباشر في سورية، خاصة عقب إعلان الإدارة عن فشل برنامجها لتدريب وتسليح عناصر معارضة جديدة بلغت كلفته 500 مليون دولار.
في هذه الأثناء «تسرّبت» أنباء مصدرها وزارة الدفاع الأميركية تفيد بأنّ «قوات أجنبية شاركت مباشرة في عمليات مشتركة مع المسلحين منذ بدء الأزمة السورية في شهر آذار 2011.
قبيل مثول الثنائي كارتر ودنفورد أمام لجنة في مجلس الشيوخ، هلّلت وسائل الإعلام الأميركية لشريط فيديو منسوب للبنتاغون بشنّ وحدة من «قوات دلتا» الخاصة عملية مباغتة على معتقل تديره «داعش» في العراق، أسفر عن «تحرير» 70 معتقلاً من الأكراد، وتكبّدت القوة الأميركية مقتل أحد عناصرها. وتمّ بث الشريط مراراً وتكراراً على كافة الوسائل المرئية والالكترونية.
تضاربت الرواية حول صحة ودقة ما جرى، وبثت شبكة ان بي سي للتلفزة ما اعتبرته توضيحاً للعملية، نسبته لمصادرها، أسهم في تنامي الشكوك مفاده بأنّ «العملية نفذت بناء على طلب من الحكومة العراقية وأولئك الذين أُنقذوا هم من المقاتلين الاكراد». في المقابل، اوردت وكالة «رويترز» خبراً على لسان «مسؤول أميركي رفيع» يؤكد انّ الرهائن وعددهم 69 كلهم من العرب، من ضمنهم 20 عنصر لقوات الأمن العراقية… وعناصر في تنظيم داعش اعتقلوا لشبهة التجسّس».
عند هذا المفصل، يرجح انّ الغرض من إشهار الفيديو، بصرف النظر عن دقة الرواية الرسمية، كان لخدمة شهادة وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المقرّرة سلفاً، وتأكيد آشتون كارتر بأنّ بلاده «على أتمّ الاستعداد للانخراط المباشر على الأرض في العراق وسورية». سبق نشر الفيديو اختتام جوزيف دنفورد زيارته العاجلة لبغداد لحثها على عدم التوجه شرقاً بطلب معونة عسكرية من روسيا.
الغرض الآخر لشريط الفيديو هو إرسال الإدارة رسالة قوية لحلفائها العرب مغزاها انّ «الولايات المتحدة لا تزال شريكاً يمكن الاعتماد عليه في الحرب ضدّ الإرهاب»، وتهيئة الرأي العام الأميركي لقيام قواتها المسلحة بالقتال المباشر أيضاً.
اتضحت معالم السياسة الأميركية كثمرة لجهود «المراجعة» التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية، ولم يعد خفياً انخراط قواتها العسكرية مباشرة في القتال في سورية تحديداً، وتكرار تجربتها العراقية بتخفيف الضغط الميداني على قوات «داعش»، تحت غطاء الدعم ورفد «مستشارين عسكريين».
لا احد من المعنيين لديه استعداد الإقرار بحقيقة إطلاق صفة «العدوان» على سورية، عند الأخذ بعين الاعتبار انّ قرار واشنطن أحادي الجانب يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي وفاقداً للشرعية كونه لم ينتج عن قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي، او نتيجة طلب من الحكومة السورية التي لا زالت شرعية معترف بها في الأمم المتحدة.
من أبرز ردود الفعل أميركياً كان تصريح المرشح الرئاسي السابق رون بول، والد المرشح الحالي راند بول، معلناً «لا استطيع الإدانة بما يكفي من الشدّة التصعيد العسكري الأميركي غير الحكيم في الشرق الاوسط. أيا يكن من استنتج استحسان فكرة إرسال قوات عسكرية أميركية الى منطقة تشهد غارات من قبل القوات العسكرية الروسية ينبغي ان يعفى من واجباته».
عضو الكونغرس السابق رون بول استمرّ في توجيه نقده اللاذع للسياسة الأميركية مضيفاً: «هذه الحرب لا تعنينا، نزعة التدخل الأميركية حصدت دماراً بما فيه الكفاية في العراق وسورية، ناهيك عن ليبيا. آن الاوان للعودة الى الوطن».
تعديل الاستراتيجية ام الخطاب؟
ثمة تطور مثير جرى قبل محادثات فيينا في سياق تصريح المسؤولين الروس عن ضرورة مشاركة جميع الأطراف في الحدث، لم يحظ بالاهتمام المطلوب. ألا وهو إعلان روسيا ابرام اتفاق مع الأردن لإنشاء غرفة عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب بينهما مقرّها عمّان. موسكو لم تغفل سياسة الأردن كحليف ثابت وقوي للثلاثي «أميركا وإسرائيل والسعودية». القراءة الأولية تشير الى استشعار السلطات الأردنية خطر تمدّد داعش، وهو المرابط على حدودها المشتركة مع العراق وسورية، مما حفزها على اتخاذ خطوة «براغماتية» لدرء الخطر الداهم.
في شهادة كارتر المذكورة أكد على انّ الادارة الأميركية «لن تدّخر جهداً لتوفير الدعم لشركاء باستطاعتهم شنّ هجمات ضدّ داعش، او القيام بتنفيذ تلك المهام مباشرة، سواء عبر الغارات الجوية او عمل مباشر على الارض». الهدف المرئي في خطاب وزير الدفاع انّ الأمر يخرج عن نطاق «محاربة» الإرهاب ويرمي لإنقاذ الجماعات المسلحة من هزيمة ماحقة.
في معرض توضيح البيت الابيض لقراره بإيجاز تدخل القوات الخاصة، والذي اتخذ بالتشاور مسبقاً مع قادة الكونغرس من الحزبين، قال الناطق الرسمي، جوش ايرنست، 30 تشرين الأول ، انّ التدخل في «سورية يختلف قانونياً عن التدخل الأميركي في العراق عندما أرسلت قوة عسكرية إضافية مؤلفة من 3000 عنصر. وأضاف: «تهديد الأمن القومي الأميركي انبثق من سورية… وعانى منه العراق». واستدرك بالقول «انطلاقاً من حرص الولايات المتحدة وحلفائها في التحالف الدولي على الأمن القومي للعراق أجيز العمل العسكري خاصة انّ ما يتوفر من قرائن تشير الى انّ الحكومة المركزية في سورية إما انها غير قادرة او غير راغبة القيام بمعالجة الأمر على عاتقها».
وفي سعيه لطمأنة هواجس الداخل الأميركي من الانخراط مباشرة في حرب طويلة، أوضح البيت الابيض انّ وحدة القوات الخاصة «المتجهة الى سورية ليس لديها تفويض بمهمة عسكرية… بل أفقها هو التدريب وتقديم الاستشارة والمساعدة» للقوى الحليفة. وزير الدفاع كارتر ايضاً ذكّر أعضاء الكونغرس بأنّ ادارة الرئيس أوباما «على استعداد لمواصلة توفير مزيد من القدرات ودعم القوة النارية لمساعدة نجاح شركائنا العراقيين».
ووجه البيت الأبيض رسالة اضافية للداخل الأميركي تنفي مسبقا «ايّ تغيير على الاستراتيجية الأميركية»، امام العهد الذي قطعه الرئيس أوباما لمواطنيه بأنه لن يرسل قوات برية تخوض القتال في سورية. «قلنا بوضوح شديد انه كانت فعلاً حالات شهدت انخراط قوات عسكرية أميركية على الأرض داخل سورية». لكن تبريره لم يكن موفقاً مما اضطره للقول «ما نقوم به في سورية هو مواصلة العمل المكثف بعناصر استراتيجيتنا الواعدة والتي حققت بعض التقدّم. ذلك بالطبع يعني تغييراً».
«التغيير والتصعيد» في الاستراتيجية الأميركية يشمل مناطق اوسع في سورية، بعيداً عن الحدود الشمالية مع تركيا، تتلخص في «ثلاثية: الغارات والرقة والرمادي» كما جاء في إقرار وزير الدفاع كارتر امام اعضاء مجلس الشيوخ. وقال انّ الاستراتيجية الأميركية تضع نصب عينيها «مدينة الرقة معقل داعش في الشمال السوري، وسنعزز جهود دعمنا للمجموعات التي تقاتل الجهاديين… التصعيد سيشمل الحملة الجوية، ومن ضمنها انخراط طائرات مقاتلة اضافية أميركية واخرى تابعة للحلفاء».
مما لا شك فيه انّ الغارات الجوية الروسية والإنجازات الميدانية التي حققها الجيش العربي السوري، في مدة زمنية قصيرة، شكلت عاملاً ضاغطاً بقوة على القرار السياسي الأميركي بالتصعيد العسكري، وفي الخلفية تمدّد الغارات الروسية الى الاراضي العراقية كما تطالب به بعض القيادات العراقية.
تجدر الاشارة الى البعد العملياتي للغارات الجوية الروسية النشطة باستخدام نحو 40 مقاتلة مختلفة، بمعدل 40-80 طلعة جوية مسلحة يومياً، تعادل نصف القدرات الأميركية على شنّ غارات جوية، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار حجم طائرات سلاح الجو المنخرطة وتقلص عدد الغارات الأميركية وانخفاض معدل أهدافها في سورية.
خيارات تصعيدية اخرى
السؤال الجوهري داخل أروقة صناع القرار الأميركي هو ما المطلوب توفيره وتطبيقه لتعديل سير العمليات الحربية، بعيداً عن ديبلوماسية وزير الخارجية جون كيري الذي يكشف عكس ما تضمره الإدارة بقوله في محادثات فيينا انّ القوات الأميركية في سورية «لا تستهدف الرئيس الاسد، بل محاربة داعش».
واشنطن في حيرة من أمرها على الصعيدين الإعلامي والشعبي، على الاقلّ، خاصة للإنجاز الروسي الكبير ببضع مقاتلات، لا يتجاوز عددها 40 طائرة، ومساواته بحجم العمل الأميركي في العراق عبر «الصدمة والترويع»، الذي سخّرت له بضعة آلاف من الطلعات الجوية المكثفة. ضمن آفاق تلك المعادلة البسيطة فإنّ موسكو ربحت الحرب الإعلامية واضفت مزايا تفوّق سلاحها الجوي على مثيله الأميركي، فضلاً عن البعد المعنوي بأنّ روسيا حليف حقيقي يمكن الاعتماد عليه مقابل تردّد وغموض رؤية في واشنطن.
تستحضر واشنطن خيار «انشاء مناطق آمنة» في سورية، استجابة لرغبة تركيا وضغوط داخلية لأبرز خصومها السيناتور جون ماكين وأقرانه المتشدّدين. وذهب ماكين أبعد من ذلك بمطالبته انخراط قوات عسكرية أميركية لإنجاز المهمة، ترافقها تغطية وحماية جوية. تعقيدات الساحة السورية لا تبشر خيراً لدعاة «المناطق الآمنة»، بل تستبعدها أكثر فأكثر مع بقاء نشاط القوات العسكرية الروسية في الأجواء السورية برمّتها.
الخيارات العملية المتبقية لواشنطن تتمحور حول محاكاة الغارات الروسية، وربما تكثيف الطلعات الجوية الأميركية دعماً للأكراد في الشمال السوري، الأمر الذي تجسّد مؤخراً في «تطهير» بلدة تل ابيض من «داعش» وسيطرة القوات الكردية عليها.
ينطوي على ذلك الإعداد لاحتمال التدخل عسكرياً لإنقاذ طواقم طيارين أميركيين أسقطت طائراتهم بفعل ما في أراضي سورية. البيت الأبيض أوضح مجدداً توفر خطة طوارئ بهذا الشأن اعدّتها وزارة الدفاع «للبحث عن وإنقاذ طيارين عسكريين أميركيين… في إطار خوض عمليات عسكرية ضدّ داعش» وما تستدعيه من توفير حماية جوية للقوات الأرضية.
اعتبر قادة عسكريون أميركيون سابقون، أبرزهم رئيس هيئة الأركان السابق مارتن ديمبسي، أنّ الانخراط الفعّال يستدعي تدخلاً مباشراً طويل الأجل في سورية والعراق «يمتدّ لعقود ثلاثة من الزمن » بعضهم طالب بقوة عسكرية يتراوح تعدادها ما بين 10.000 الى 30.000 عسكري. صانع القرار السياسي استند الى رؤية البنتاغون لإعداد الشعب الأميركي لمعركة طويلة «تتخذ انماطاً متعدّدة»، منها المشاركة المباشرة والفعلية بأعمال حربية. البعد الآخر في الحرب الأميركية الطويلة يتعلق بطمأنة حلفاء واشنطن الإقليميين التزامها باستراتيجية الحفاظ على عروشهم والحيلولة دون جهود الإطاحة بهم، وفي نفس الوقت عقد تحالفات تتطلبها المصالح الأميركية قد تتعارض مع مصالح الحلفاء.