حرب الغاز… وقودُها الناس والحجارة!

محمد ح. الحاج

ليس غريباً وجود شرائح واسعة ضمن أيّ شعب من شعوب الأرض لا تدرك أبعاد اللعبة السياسية وأهدافها الحقيقية ضمن مكوناته وذلك اعتماداً على ماكينة الإعلام الميديا وهذه تكون مسخّرة لخدمة أغراض الاحتكارات الكبرى والدول التي تعمل لها.

شعبنا المشرقي واحد من الشعوب المستهدفة، ولا يختلف عن باقي الشعوب، فالمكوّنات متماثلة رغم عراقة الحضارة وارتفاع نسبة الثقافة، لكنها ليست الثقافة السياسية القادرة على استشراف غايات وأهداف الجماعات المسيطرة على اقتصاد العالم وثرواته، ويمكن القول إنّ بعض مكونات هذا المجتمع المشرقي ما زالت سهلة الانقياد العاطفي تحت تأثير الخطاب الموجه إلى الغرائز وليس العقول، وأعظم تأثير في الواقع الحالي هو للخطاب الديني المذهبي، من هنا نجد أنّ الغالبية تستجيب للتحريض الصادر عن مرجعيات يعتبرها العامة في مرتبة القداسة والفضيلة وهي ليست كذلك.

على هذه الأسس نجد أنّ شريحة واسعة من أبناء المجتمعات الشرقية يبلغ به الاعتقاد حدود اليقين أنّ الصراع القائم هو من أجل «خدمة الدين وإعلاء شأنه»، ولا يستطيع الفهم أنّ الخطاب الديني هو في خدمة السياسة والاقتصاد، بل هو الوسيلة الأكثر نجاحاً في العصر الراهن، أمام هجمة المصالح المادية للقوى الاقتصادية الدولية ممثلة بالاحتكارات متعدّدة الجنسية النفطية الصناعية العسكرية والأخيرة أخطرها على مصير العالم.

البيئة المأخوذة بالخطاب الديني غافلة تماماً عن خلفية الصورة، والسبب نقص وقصور التوعية التي يساهم فيها الفقر ونقص التعليم وانعدام المؤسسات القادرة على نشر الوعي والارتقاء بهذه البيئة إلى المستوى المطلوب، وإن وجدت، تتعرّض لحرب شعواء يدعمها المال المسيطر على الإعلام وطرق التنمية ولا يتمّ استبعاد حرب العقول والطاقات وصولاً إلى التصفية الممنهجة للأفراد من ذوي الفعالية أو الصوت المسموع الذي يلقى استجابة وإنْ ضمن حدود قد تشكل خطراً على المشاريع الكبرى الموضوعة للعالم والمنطقة وهذه تأخذ بالحسبان أن تكون خططها متكاملة وتمتدّ إلى قرن كامل وربما أكثر… ردود الفعل الآنية تبقى قاصرة لانعدام الخطط المستدامة في وجه مراكز بحوث ودراسات دولية كبرى.

هذا لا يعني أنّ شريحة واسعة من المثقفين على الضفتين تدرك الحقيقة وتعلم أهداف الحروب أو «الثورات» المعلنة أو المبطنة المدعومة من الغرب، ونظرة سريعة، بل وقراءة عاجلة للعناوين تعطي صورة لحقيقة الأهداف والمرامي لكلّ ما حصل ويحصل، ويستمرّ على ساحاتنا المشرقية وبعض أنحاء من العالم، ما يعنينا، البيئة التي بها نتأثر ونؤثر، الوطن السوري – أغلب كياناته، والقلب منه الشام.

«الثورجيون» المشرقيون يرتبطون بالمشاريع العالمية الكبرى، ويشكلون أداتها الفاعلة محلياً، ومن الغباء الاعتقاد بأنهم يجهلون أهداف وغايات تلك المشاريع، مع ذلك يستمرّون في الخطاب الكاذب المنافق، وهم غير معنيّين بما يطرحون من شعارات محاربة الديكتاتوريات تعميم الديمقراطية العدالة الاجتماعية التنمية المستدامة حقوق الأكثريات والأقليات – الى آخر المعزوفة، وكلها تندرج تحت عنوان الحقوق الانسانية … «الثورجيون» على اختلاف مسمّياتهم وتحالفاتهم المتنافرة يتشاركون في المنفعة المرحلية والتبعية المتعدّدة لجهات أبعد ما تكون عن الوطنية ومصالح دول وشعوب عالمنا الثالث التي يطلق عليها الغرب الدول المارقة ، أو «الإرهابية» أو الداعمة للإرهاب أو «محور الشرّ».

الدولة الفرنسية أواخر القرن الماضي كانت الأسبق في فرش السجادة الحمراء واستقبال الدكتور بشار الأسد بما يليق برئيس دولة ولم يكن حينها كذلك، فرنسا كانت لها مصالح تريد تحقيقها وعلى رأسها العودة إلى سورية من الباب الأوسع، الكواليس الفرنسية كانت تتوقع نهاية المرحوم الرئيس حافظ الأسد، ومع بداية عهد الدكتور الرئاسي دخلت فرنسا سوق الغاز مع بداية انطلاقته، لكن العروض الكرواتية كانت الأكثر تحقيقاً لمصالح الدولة السورية، وهكذا حصلت على المشروع وطار صواب فرنسا… وبدأت رحلة العداء للرئيس السوري.

في خضمّ الصراع الدولي على الطاقة ومشاريع الخطوط، ومحاولة الغرب الخروج على سيطرة ونفوذ الغاز الروسي على سياسة الغرب تمّ طرح مشاريع متعدّدة، بدءاً من مشروع نابوكو، فالخط العربي، الخط الإيراني، الخط القطري، وكانت رحلة شهر العسل القطري السوري التركي، وبما أنّ المشروع يشكل المنافس للخط الروسي، ومثيله الإيراني، فقد كان مدعوماً من الغرب خصوصاً أنّ شركة «ايكسون موبيل» هي صاحبة الحصة الأكبر، لكن سورية من منطلق سياستها التحرّرية والنظر إلى مصالحها المستقبلية ومنعاً للنفوذ الصهيوني لم توافق على المشروع، بل وبالتوافق مع الطرفين الروسي والإيراني وقّعت على اتفاقية الخط الإيراني الذي يشكل الأقلّ منافسة للروس، والذي يبعد السياسة السورية عن الوقوع تحت تأثير النفوذ الغربي، ومع أنّ الخط إياه يخدم المصالح الأوروبية ويوفر لها مصدر طاقة جديداً، إلا أنّ الشركات الغربية بدأت رحلة الدفع باتجاه الحرب على سورية… هكذا لم تنس فرنسا هزيمتها، ولم يعجب أمير قطر هزيمته على الساحة السورية، كذلك تركيا رغم أنها ستكون المستفيدة في كلّ الأحوال… ما هو دور «الإخوان المسلمين» كأداة ترتبط بالغرب وتتحالف مرحلياً مع قطر وتركيا… وفرنسا؟

طموح «الإخوان المسلمين» في الوصول إلى الحكم في أيّ من الكيانات العربية، خصوصاً في بلاد الشام ليس بجديد، على هذا الأساس ومن ضمن الالتزام بنقل سورية والعراق إلى التبعية للغرب كان الدعم التركي والقطري واجهة ظاهرة دعم الإسلام والخلفية هي دعم صهيوني لتقويض سورية بأيد بعضها سوري، وسيل من مرتزقة العالم… الدعم الصهيوني لم يكن خافياً.

سمة الثورات في العالم أنها لا تتجه إلى تخريب البنية التي تشكل مقوّمات الدولة، مؤسسات وجيش وثروات، بل انحصر الصراع في الوصول إلى السلطة من أقرب الطرق، ومعلوم أنّ أغلب الثورات حظيت بالدعم الشعبي والبيئة الحاضنة الأوسع، لكنها هنا كانت حرباً خارجية، ما يؤكد ذلك اتجاه العمليات إلى التخريب الذي طال بنية الدفاع الخارجية، والمؤسسات التي توفر مقومات العيش لعامة الشعب، وليس المجال للتعداد، باختصار… البنية الصناعية، مستودعات الحبوب، المشافي والمدارس والجامعات، السكك الحديدية والجسور، ومراكز القوى العسكرية المخصصة للدفاع الخارجي ومنها الدفاعات الجوية والمدارس والكليات… وهكذا برز وجهها الحقيقي واختلافها عن الثورات الشعبية المألوفة، الأبرز كان التدخل الخارجي والدعم المباشر، لوجستياً، واستخدام القوة العسكرية… تركيا، الكيان الصهيوني، القوات الأميركية، فرنسا وغيرها.

شعارات «إسقاط النظام»، و«عدم شرعية الرئيس الأسد»، الغاية منها تضليلية، الحقيقة هي معاقبة الشعب السوري وحرمانه من مقومات حياته وصموده لأنه هو من اختار الأسد وهو من انحاز إلى مصالحه كشعب يرفض التبعية، ويبقى أنّ فجور رموز ما يسمّى معارضات خارجية أصبح مكشوفاً ومفضوحاً، استنكار الموقف الروسي والإيراني لم يقابله على مدى سنوات استنكار للتدخل الدولي المتعدّد الجنسيات ومنه المدعوم تركياً، والذي شكل في بعض مراحله نوعاً من استعمار استيطاني يمكن التوسع في بحثه مطوّلاً، استيطان الشيشان والتركستان والايغور مع عائلاتهم وبعض من جنسيات عربية في عديد من المناطق بعد طرد السكان السوريين أصحاب الأرض والأملاك، ولأنّ معاقبة سورية سببها الرئيس الأخذ بالمصالح السورية وتفضيل المشروع الآخر، المناقض لمشروع نابوكو أو الخط القطري، وأصحاب المشروع الذي وافقت عليه سورية هم الروس والإيرانيون فقد كان لزاماً على الطرفين تحمّل المسئولية والمساهمة في الدفاع عن سورية ومنع سقوطها، هنا تسقط كلّ الشعارات، وتبدو واضحة حتى للبسطاء الأهداف الاقتصادية ودوافع الحرب على سورية، هي اليوم حرب الغاز التي وقودها الناس والحجارة من السوريين وغيرهم، إلا أنها على الأرض السورية والسوريون هم الأكثر تضرّراً، وللعلم فإنّ ما لحق من أضرار بالبنية السورية مادياً: يفوق عشرات أضعاف قيمة الغاز وعائداته ولسنوات طويلة، قطر ليست صاحبة الشأن أو القرار، هي واجهة، ومثلها تركيا والسعودية التي شاءت أن لا تنفرد قطر وتركيا بالمنطقة ولأنها تعتقد واهمة أنها صاحبة الكلمة العليا في الشأن الإسلامي…! الإخوان والوهابية حدث أن قام بينهما تماهٍ رغم تنافر جذري، لكن شهر العسل لم يدم ولن يطول، سوف تسقط كلّ الشعارات الدينية المخروقة من الداخل، ويبقى أنّ وجود بعض الرتوش والديكور من أصحاب شعار العلمانية والديمقراطية ضمن مجالس المعارضات الخارجية هو لزوم ما لا يلزم، ويدرك هؤلاء أنهم لوظيفة مؤقتة وما ان يستقرّ المقام والحكم لـ«الإخوان» حتى يتمّ الدفع بهم إلى الهامش بعد نيلهم ترضية ضماناً لصمتهم الذي قد يمتدّ أربعين سنة أخرى قبل أن يحين الوقت لرفع الصوت والقول إنّ ديكتاتورية الإخوان ليست مقبولة وأنهم يتطلعون إلى ديمقراطية من نوع حديث… وكلهم يدور في الفلك الصهيو ماسوني، لكن سورية باقية، شعبها باق وصامد بعلمانيته، بتعددية مذاهبه وطوائفه، بتسامحه، بالحفاظ على استقلالية قراره وسيادته على أرضه.

عندما تستمع لأحد أعضاء تجمّع الطبول تشعر بميل إلى التقيّؤ وهو يطالب بوقف «العدوان الروسي الإيراني» على الشعب السوري…! وتتأكد أنهم يرفعون السقف ليكون لهم موقع… لن يكون أبداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى