«القدس بين قوة الحقيقة ووهم الأسطورة»… محاضرة في مكتبة الأسد

دمشق ـ لورا محمود

لأنّ دمشق لن تتخلّى عن عروبتها المغتصبة وقدسها المسلوبة، قاومت وما زالت صامدة ومتمسّكة بالهوية القومية والقضية المركزية المتمثلة بفلسطين. فهي تعتبر أنّ فلسطين قدرها وأرضها التي لا تساوم عليها بأيّ حال من الأحوال، فكيف تساوم على حبّة تراب فلسطينية ممزوجة بدماء سوريين. هذا فكرها ونهجها، وهذه ثقافتها. لذلك، كان لا بدّ أن تحْيي دمشق هذا الفكر من جديد، لتفهمه الأجيال القادمة. ففلسطين لا يمكن اختزالها في قطعة جغرافية يساوم عليها الأعراب الذين يقاتلون اليوم على أبواب دمشق، وقاتلوا سابقاً على أبواب بيت المقدس، وهذا كلّه يصبّ في خدمة العدو الصهيوني.

لذلك، أطلقت «مؤسّسة القدس الدولية» ـ فرع سورية، فعالية «يوم القدس الثقافي» في قاعة المحاضرات في مكتبة الأسد الوطنية، والتي ستقام بشكل دوري في الأربعاء الأخير من كلّ شهر.

تخلّلت الفعالية محاضرة حملت عنوان «القدس بين قوة الحقيقة ووهم الأسطورة»، ألقاها الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة طلال ناجي، وتحدّث فيها عن تاريخ مدينة القدس ونشأتها والعصور التي مرّت بها والحضارات التي تعاقبت عليها.

وأضاف ناجي أن الصهيونية حاولت عبر سنوات طويلة من خلال تزوير التاريخ والآثار، أن تجد دليلاً على أيّ أثر يهوديّ ملموس في القدس، إنما من دون جدوى. مؤكداً أن كلّ الحفريات التي أشرف عليها كبار قادة الاحتلال الصهيوني من موشيه دايان وحاييم هيرتزوغ وغيرهما تحت بناء المسجد الأقصى، لم تعثر على إشارة توحي بوجود هيكل سليمان المزعوم، وكانت اللقى الأثرية التي وجدتها بعثات التنقيب الصهيونية تعود إلى العصور الرومانية والإسلامية.

واعتبر ناجي أن الأسماء التي حملتها القدس منذ آلاف السنين تؤكد مجدّداً غياب أيّ وجود يهوديّ فاعل فيها عبر التاريخ. إذ إن اسم أورشليم كنعاني أطلق على المدينة منذ القرن التاسع عشر قبل الميلاد. كما أن اسم يبوس نسبة إلى اليبوسيين وهم من القبائل الكنعانية. أما إيلياء وهو اسمها الأخير الذي عرفت به قبل الفتح العربي الإسلامي، فهو مشتق من عبارة إيليا كابيتولينا التي أطلقها على المدينة الإمبراطور الروماني هدريان.

وأشار ناجي إلى المحاولات الصهيونية لتغيير التركيبة السكانية في القدس التي شرعت بها الصهيونية وداعموها في الغرب الأوروبي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مبيّناً أن عدد اليهود في القدس عام 1806 لم يكن يتعدّى ألفي شخص، ليتزايد عددهم بصورة مطّردة نتيجة الهجرة اليهودية المنظمة وتشجيع سلطات الاستعمار البريطاني.

وتطرّق ناجي إلى المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، خصوصاً في قرية دير ياسين القريبة من القدس، لإرهاب الفلسطينيين ودفعهم إلى النزوح عن وطنهم.

وأشار ناجي إلى واقع القدس الديمغرافي بعد نكبة 1948 عندما قُسّمت لجزء غربيّ تحت الاحتلال الصهيوني وشكّل ما نسبته 84 في المئة من مساحتها الإجمالية، وجزء شرقي تحت السيطرة الأردنية وبلغت نسبته 11 في المئة، إضافة إلى قسم صغير تحت إشراف دوليّ. مستعرضاً الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال لتثبيت القدس كعاصمة لها عبر نقل الوزارات و«الكنيست» إليها.

وقال ناجي إنّ تهويد القدس أخذ طابعاً أوسع بعد احتلال قسمها العربي أعقاب نكسة 1967، عبر هدم الأحياء والقرى المحيطة به، لا سيما حي المغاربة. وإقامة مستوطنات للاحتلال على أنقاضها وصولاً إلى إقامة جدار الفصل العنصري.

وحذّر ناجي من أن ضعف الدعم العربي للقدس ولصمود أهلها، سيسهّل سعي الصهيونية المحموم للقضاء على طابعها العربي. مشيراً إلى أن «مؤسسة القدس الدولية» اتخذت جملة توصيات لدعم أبناء القدس في وجه محاولات تهويدها، تشمل الدعوة إلى احتضان انتفاضة القدس ودعوة السلطة الفلسطينية إلى وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، وحث الفصائل الفلسطينية على تشكيل لجان لدعم أسَر القدس ودعم عائلات الشهداء والأسرى.

شعبان

بدورها، قالت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية ورئيسة مجلس أمناء «مؤسسة القدس الدولية» ـ فرع سورية الدكتورة بثينة شعبان في تصريح صحافي، إن هذه المحاضرة تأتي ضمن «أربعاء القدس الثقافي» الذي أقره مجلس أمناء «مؤسسة القدس الدولية» كنشاط شهري ذي طابع ثقافي وفكري يدعم قضية القدس ويلفت الأنظار إلى ضرورة الوقوف مع القدس في وجه محاولات التهويد لهذه المدينة العظيمة. آملة أن يواصل المفكّرون والباحثون جهودهم في وضع دراسات تظهر الحق للأجيال الشابة وتتصدى للأساطير الصهيونية التي انتهكت حقوق الشعب الفلسطيني وأخذت أرضه.

ولفتت شعبان إلى أن اهتمام «مؤسسة القدس الدولية» بهذا النشاط الثقافي يعتبر جزءاً من مقاومة المشروع الصهيوني الذي يستهدف كل أجزاء العالم العربي من العراق إلى سورية واليمن للقضاء على الحضارة والتاريخ. معتبرة أن وعي هذه الحقيقة ضرورة لمقاومة هذا المخطط الصهيوني.

الخالدي

أما سفير فلسطين في سورية محمود الخالدي فقال في حديث إلى «البناء»: رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو عمل ويعمل على إشغال الفلسطينيين ببعضهم في الداخل، وإشغالهم عن كل ما تفعله «إسرائيل» من محاولة طيّ القضية الفلسطينية، وهذا له نسقان متوازيان. الاول: تهويد القدس بما تعنيه لنا جميعاً، فهي ليست مجرد قطعة أرض بل هي تاريخ عربي إسلامي ومسيحي. أما النسق الثاني فهو عملية الاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد كامل الضفة.

وأضاف الخالدي: للأسف، العالم العربي منشغل بنفسه، وما يجري من نزاعات داخل أراضيه، وهذا يعتبر فرصة تاريخية لـ«إسرائيل» إضافة إلى التصادم السياسي بين الفلسطينيين الذي نتمنّى أن يلقى حلّاً قريباً.

ولفت الخالدي إلى أن القدس تتأثر بكل ما يجري في العالم العربي من عدم استقرار. وهذا من العوامل التي تصبّ في مصلحة العدو الصهيوني. فالقدس اليوم مهدّدة، وإذا لم يتدارك العرب هذا الموضوع أعتقد أنهم سيفقدون أقدس مكان لهم في المشرق العربي.

ورأى الخالدي أن هذه الفعالية مهمة لتبقى القدس موجودة وحاضرة في العقل العربي، وتمنّى أن يصحو العرب لكون للقدس مكان على أجندتهم.

جدعان

أما نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية سورية باسل جدعان فقال إن فعالية كهذه مهمة جدّاً، خصوصاً أننا سنحاول في كل مرة أن نقدّم محاضرات أو أبحاث لأو أفلام وثائقية تخصّ القدس. فالمهم أن تبقى القدس حاضرة ولها الاولوية فهي القضية المركزية.

وأكد جدعان أنّ كل ما هو شرّ سببه وجود «إسرائيل» في المنطقة ومحاربتها أيّ محاولة للتقدم العربي أو الوحدة العربية. لذا، يجب أن توجه الامة بوصلتها الحقيقية للجهاد والنضال باتجاه القدس وباتجاه قضية فلسطين لأنه عند انتهاء قضية فلسطين وتحريرها وعودتها إلى أهلها، ستنتهي كل شرور المنطقة.

وأضاف جدعان: لا تجرؤ مدينة عربية أو عالمية أن تعقد مثل هذه الفعالية بشكل دوري وفي أهمّ صرح ثقافي ـ مكتبة الاسد ـ وأن تُنقل على الإعلام مباشرة إلا في سورية. وهذا مدعاة فخر لكلّ عربي وسوري ولكلّ إنسان متمسك بعروبته ومقاومته وبحقوق الشعب الفلسطيني وبالقدس. وهذا مؤشر إلى أن سورية لن تنسى قضيتها المركزية وستبقى هي بوصلتها وبوصلتنا الحقيقة للجهاد والنضال.

رجا

من ناحيته، تحدّث المسؤول الإعلامي المركزي في الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة أنور رجا إلى «البناء» قائلاً: إن القدس هي البعد الرمزي لفلسطين والبعد التاريخي لطبيعة الصراع بأبعاده الدينية والتاريخية والسياسية والجغرافية. فالقدس بقوة الواقع والتاريخ والحقيقة هي فلسطين. وعندما نتحدث عن القدس نعني كل القدس بقدسيتها وموقعها الديني. فكل ذرّة في فلسطين مقدّسة وكل ذرّة في بلاد الشام مقدّسة. لذا فإنه في البعد الثقافي والسياسي، القدس يجب أن تبقى حاضرة في الذاكرة وحاضرة في ثقافتنا اليومية كفعل لا مجرد تراث أو فولكلور. فأن تكون القدس حاضرة في الذاكرة هذا يعني أن تبقى دائماً وكل يوم ضمن منهج عملنا، وأن تكون فهماً متجذّراً في أنفسنا ولدى أجيالنا.

تحرير فلسطين سيكون تحريراً للارادة العربية والمنطق العربي. فكل استقلال للدول العربية، والحرية التي يتحدث عنها البعض، استقلال نسبي وحرية نسبية في ظل الحرية المطلقة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بزوال الكيان الصهيوني. وبالتالي الحرب التي تشنّ على العالم العربي اليوم ليست سوى محاولة للتقسيم، كدليل على فشلهم في إعادة «سايكس بيكو» وتقسيم الجغرافيا وفشلهم في استمرار «وعد بلفور»، والدليل على ذلك الانتفاضات المتعاقبة والمقاومة التي فعلاً تثبت أن العين قادرة على مقاومة المخرز، في ظل حالة الانهيار والتواطؤ على المستوى الرسمي العربي. اذاً، هي ليست دعوة للاحتفال أو إيقاظ العقل، بقدر ما هي دعوة إلى مواكبة العقل والسلوك والممارسة على الارض بشكل ممنهج واستراتيجي.

فاكوش

أما عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الدكتورة شهيناز فاكوش، فقالت: يحاولون محو الذاكرة القدسية من أدمغة الاجيال. لكننا في يومنا الثقافي هذا نجيب هذه الذاكرة بأننا لن نقبل إلا أن تبقى القدس حيّة.

لا بدّ أن نذكر أن مدينة القدس حظيت بمكانة عظيمة في التاريخ الإنساني، وتميزت بخصوصية الزمان والمكان. فهي ملتقى الاتصال والتواصل بين قارات العالم القديم وتعاقبت عليها حضارات كثيرة. تعرضت للنكبات والحروب التي أدّت إلى هدم المدينة وإعادة بنائها 18 مرة عبر التاريخ. فمنذ أن قامت القدس الأولى الكنعانية قبل نحو 6000 سنة، وهي محط أنظار البشرية. وفي عام 1981 تم إضافة البلدة القديمة إلى قائمة مواقع التراث العالمي المهدّدة بالخطر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى