تساؤلات تتعلق بالمشهد الفلسطيني؟

عباس الجمعة

ثمة جملة من التساؤلات والملاحظات التي تتعلق بالمشهد السياسي الفلسطيني، وهي تساؤلات حاضرة منذ عقود، ومحورها الرئيسي: لماذا لم تتوقف القيادة الفلسطينية أمام تقييم المرحلة ومراجعة تلك الحقبات ونتائجها السياسية من خلال عقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني، باعتباره يشكل مفصلاً في قضية الشعب الفلسطيني، علماً أنّ كافة القوى والفصائل والأحزاب الفلسطينية لا تزال في مرحلة النضال الوطني، وهي لا تزال تقاوم الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه، ولا يزال الشعب الفلسطيني يواصل نضاله من خلال انتفاضته الباسلة التي يقودها شباب وشابات فلسطين الذين يرسمون بدماء شهدائهم خارطة الوطن الفلسطيني، حيث استطاعت هذه الانتفاضة وضع القضية على جدول الاهتمام العالمي، ولكن قد تطرأ علينا مبادرة فرنسية وهنا نتوقف لنسأل لكلّ المُرحِّبين بهذه المبادرة: هل هناك أمل عندكم من مؤتمر فرنسا الدولي؟ وما جدوى التركيز على مواقف وطروحات ومبادرات لإيجاد حلول لقضية الصراع ؟

إنّ الواقع يستدعي العمل على دعم الانتفاضة الفلسطينية والتمسُّك بخيار المقاومة مع العمل على تدويل القضية الفلسطينية من خلال عقد مؤتمر دولي في الأمم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، أي حقّ العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، خاصة بعد فشل ما يسمّى المفاوضات على مدار 23 عاماً من دون أي نتيجة تُذكر سوى زيادة العدوان والاستيطان.

إنّ ما تحمله المبادرة الفرنسية يضع مستقبل القضية الفلسطينية أمام المجهول، والهدف من لقاء باريس الدولي هو العودة إلى مفاوضات مباشرة مع «إسرائيل»، وهذه لعبة ضارة حتى في حدودها التكتيكية، ففلسطين لم تعد تحتمل مبادرات بعد 68 عاماً من النكبة، الانتفاضة اليوم هي إحدى الأدوات النضالية للشعب الفلسطيني، والهدف الفلسطيني اليوم هو الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى ديارهم وفق القرار الأممي 194. ومن هذا المنطلق نرى أنّ الانتفاضة هي أهم الأدوات لتحقيق هذه الأهداف، وبالمعنى العام فإنّ الانتفاضة أعادت الاعتبار والمكانة إلى القضية الوطنية الفلسطينية بعد أن تعرضت للتراجع في ظلّ الأحداث والتطورات في المنطقة، وعلى المستوى الدولي، هذا فضلاً عن كونها أداة أساسية في عرقلة هجمة الاستيطان في ظلّ النجاحات التي سجلتها في ردع المستوطنين واعتداءاتهم وإلحاق الخسائر بهم، وهذا يقودنا إلى إدراك ضرورة الاستهداف المباشر للمستوطنين باعتبارهم أحد أدوات الاحتلال لسلب الأرض الفلسطينية، ارتباطاً بالتوصيف الذي نراه للمشروع الصهيوني كمشروع استيطاني احتلالي يهدف إلى تفريغ الأرض من أصحابها الفلسطينيين وإحلال المستوطنيين مكانهم بقوة السلاح والقهر والقتل الذي يمارسه العدو يومياً.

ومن موقعنا نرى ضرورة استنهاض الطاقات من خلال دعم صمود الشعب الفلسطيني. ألا يكفي الأسيرة الطفلة البطلة ديما الواوي التي شكلت بصمودها حيوية ونهضة وتجدد جيل أطفال الحجارة، وحتمية انتصار شعبنا على كافة المحاولات لتسكينه وإجباره على القبول بالاستسلام؟

إنّ جبهة التحرير الفلسطينية التي تناضل في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية، قد تميزت مواقفها بالصراحة والالتزام الدائم بالمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا وبما تراه صائباً وصحيحاً من دون أن تجعل من رأيها وموقفها معياراً وحيداً للحقيقة أو شرطاً عليها، فهي حريصة ووفية لوحدة شعبها وحريته واستقلاله قبل أي شيء آخر، لأنّ مسيرتها الكفاحية الطويلة وصلابتها وجهدها لتطوير هويتها النضالية والنظرية والسياسية، خاصة في هذه اللحظات الحاسمة التي مرت بها الثورة الفلسطينية في تقريب الآراء وتوحيد الصف وتحديد الوجهة إلى موقف يمثل ضرورة وطنية وحاجة سياسية فلسطينية أولاً وقبل كلّ شيء، والتعهد بالوفاء لمتابعة المسيرة حتى تحقيق غايتها المنشودة.

أمام هذه الظروف نشدّد على ضرورة مشاركة مختلف القوى والشخصيات والفعاليات في تعزيز وحدة الصف الفلسطيني، لأنّ هذا النهج الوحدوي الوطني العميق والراسخ في فكره وممارسته سيشكل استنهاضاً لطاقات الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، إضافة إلى أنه سيمثل العلاقة الجدلية بين الوطن الفلسطيني والقومي العربي، وهذه العلاقة التي كان يركز عليها الشهيد القائد الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية أبو العباس، باعتبارها تشكل النهج بتكامله وعلاقة عناصره الجدلية. لهذا يجب التركيز على ذلك لقناعتي الراسخة بأنّ إبراز هذه العناصر في رؤية تشكل رسالة لواقعنا الراهن والمستقبل وتحديد معسكر الأعداء، ونحن ندرك أنّ المسعى الأميركي ومسعى القوى الإمبريالية اليوم هو إجهاض الانتفاضة، وإبقاء شعبنا تحت ربقة الاحتلال الذي يرفض إعطاء أي أفق لقيام الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين، ورؤيتنا لمواجهة هذه التحديات هي توحيد البيت الفلسطيني من خلال إنهاء الانقسام وفق وتطبيق اتفاقات المصالحة ا ورسم استراتيجية وطنية ترتكز على التوصيف الدقيق لطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني، وعلى طرح برنامج وطني جامع يضمن استفادة الشعب الفلسطيني من كافة الوسائل في كفاحه ضدّ الاحتلال، إضافة إلى الحشد الدولى والعربي المؤيد للانتفاضة والذي من شأنه تشكيل صمام أمان إضافي وعنصر دعم حقيقي لشعبنا المنتفض.

لهذا أرى، حتى يكون كلامي واضحاً والنصيحة كما يقال بجمل، أعود بالذاكرة لأقول إنّ القرارات الصائبة الذي اتخذها المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة، يمكن أن تسهم في رسم استراتيجية وطنية وفي حماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني وفي تعزيز المقاومة والانتفاضة والحراك الديبلوماسي .

ختاماً، لا بدّ من القول، على الجميع مواصلة الجهد مع كلّ القوى العربية الحية في مواجهة المشروع الإمبريالي في المنطقة، والذي يستخدم اليوم الأدوات الإرهابية والتكفيرية في سعيه المستمر إلى تفتيت شعوب المنطقة لضمان سيطرته عليها وإخضاع شعوبها، بهدف واضح وهو وقف الاحتراب وحمام الدم الطائفي وإعادة تصويب البوصلة نحو فلسطين ونحو المعركة الأساسية وهي التصدي للاستعمار ومنظومة الهيمنة الإمبريالية، وهذا يتطلب العمل على قيام جبهة شعبية عربية تضم كلّ القوى والأحزاب التقدمية واليسارية والقومية العربية، وتجميع القوى كلها في اسستعادة البوصلة باتجاه فلسطين، لاستكمال المسيرة الكفاحية والنضالية حتى انتزاع حقوق شعبنا وهزيمة المشروع الصهيوني والاستعماري، من خلال القيام بأوسع حملة دعم وتضامن لنضال الشعب الفلسطيني وانتفاضته من أجل حرية واستقلال فلسطين ووطننا العربي.

كاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى