«سراج الزيتون» للشاعر محمد الشعار… قصائد تذهب إلى الفكر والفلسفة

تقدّم مجموعة «سراج الزيتون» الشعرية لمحمد علي الشعار ملامح لصناعة الإبداع في القصيدة بما تتضمّنه من أسس لإثبات جمالية الصيغة الشعرية والمعرفية للنصّ الشعري، وفق ما اكتسبه الشاعر من خبرات وثقافات.

وعبر اثنتي عشرة قصيدة ضمّتها المجموعة، تظهر مقدرة الشاعر في عكس واقعه بما فيه من عناصر، كما في قصيدة «الأخضران» حيث قال:

الشام تعجن بالدماء رغيفها

والقدس تطحن بالرماد دقيقا

والنعجة البيضاء توّهها العمى

نطحت بخاصرة الوداد شقيقا

وسحابة سرق الأثيم خراجها

نذرت بسابعة السماء حريقا!

وأوضح في قصيدة «العصب الوركي» أنّ الشاعر يصوغ مشاعره الذاتية ويستجيب خلالها لمتطلبات الضمير الإنساني وما يعانيه من ألم نتيجة الصراع النفسيّ بين عالميه الداخلي والخارجي، والذي تفاعل معه المكوّن الأساس للشعر وسبب بوجود حركة شعرية تكتسب قيماً فنية وجمالية جديدة ظهرت فيها الرؤية التي أرادها الشاعر كما في قوله:

تأبط اليوم خوف الأمس منصرما

وصفد الماء في المرآة تمجيدا

والجرح ثؤلول روح شقّ نافذة

فانفخ على الروح بعد الفحص تمضيدا

حرثت ليلي أثلاماً منسّقة

نثرت أزرار أوهاني بها جودا

يخلخل العصب الوركي أعمدتي

وفي الرواق يطير الرأس قرميدا!

ولا يخفى على قارئ النصوص عند الشعار أنه يبحث في الرمزيتين النفسية واللفظية إلا أنه يصل إلى مدلول لكل منهما حتى يستنتج ما يذهب إليه من موضوع، من دون أن يهمل التشكيل الجمالي والبنيوي الذي يتكون حول الفكرة العامة في النصّ الشعري. فيقول في قصيدة «بسمة التفاح»:

أتعب البحر الأماني

واغترابي لا يجفّ

كلّما جمعت سرباً

طار من عيني ألف

وتواقيعي انتظار

في رمال الشطّ حذف.

ويأتي الغزل عند الشعار وفق مدلولات الصورة الواقعية التي يسعى لتكون مرسومة مع مكوّنات البناء الكلّي للنصّ الشعري، والذي ينسجم مع الحركة العاطفية المنقوصة أحياناً بسبب الاضطراب النفسي خلال كتابة القصيدة عندما يسعى الشاعر إلى تجميل مكوّن الصورة على حساب التدفّق النفسي للعاطفة الشعورية في القصيدة. وهذا قد يخفّف من العاطفة، إلا أنه لا يؤثر في التركيب الفني للبيت كقوله في قصيدة «غنج الورود»:

لعينيك ألوان الفتون وما لها

إذا عبرت روحي السماء خلالها

ورحت بأقواس الطيوف مظلّة

تشدّ على وقع النسيم حبالها

تضيق بأنفاس الضفاف صبابتي

وتطلق فضّات الخرير خيالها.

ويهتمّ الشعار في تجسيد الصورة البيانية المعتمدة على اللغة وعلى أركان البيان والتشبيه، لأن مثل هذه المدركات تكون معنى يرتكز على قوة حضور بلاغية وتشخيص للإحساس الذي تميّز بقوة مدركاته وشدة حضورها. وهذا أيضاً جنس فنّي أو شكل إبداعيّ يتألق على حساب العاطفة والنزعة الذاتية. فيقول في قصيدة «خيول النور»:

لحقائبي الليل الطويل سفار

رحل الدجى وامتد في نهار

ضربا بباب الصمّ يكسر قفله

صرخ الحطام وزغرد المسمار

الجمر ورد النار فتح خدّه

وله على شفة الدماء حوار.

المجموعة الشعرية «سراج الزيتون» صادرة عن الهيئة العامة السورية للكتّاب، وتقع في 184 صفحة من القطع الوسط، وتذهب إلى الجمع بين الأصالة والتراث وتغلب عليها السمة الفكرية والفلسفية في تحويل المدركات الحسّية إلى واقع شعريّ يقدّم صوراً فنية تقترب من العقل أكثر من اقترابها إلى العاطفة، وتحافظ على جمالها الفنّي والشكلي ما يؤدّي إلى أخذ المجموعة مساحة واسعة من الساحة الشعرية، التي شهدت في الآونة الأخيرة كمّاً هائلاً من الإصدارات المرهقة بالعلاقات والنتائج الباطلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى