محرقة المكتبة

إلى الشاعر الأديب طلال مرتضى الذي سرقني منّي لمرّتين: الأولى عندما تعرّفت إلى قلمه المترع حتى الجمام بمعتّقات الإبداع. والثانية عندما أمسيت من روّاد خيمته الأدبية في دمشق. إليه أسوق هذا الشوق الموجّع في مهجره .

1

بإصبع الريح

خطَّ الشاعر

على رمل الشاطئ

الكلمة الأخيرة

من البيت الأخير

من قصيدته الأخيرة

لم تصلها نار البغضاء

المندلعة من أعين ذئاب الله

في مكتبته… خيمته

ومن تحت الركام

حفرت القصيدة برمشها

كوّة للنجاة

فرّت تضرب

تهيم على وجهها

تبحث عن شاعرها

التقتهُ… بكيا… وبكيا!

2

الوقت مساء

كانت الصدور كلّها

تتنفّس بِرئة الملح

وكان الجرح

لم يكن الشاعر

على موعدٍ

مع صغرى بنات

ديوانه الأخير

فضجيج الموج العابث

على رصيف الميناء

المترنّح تحت ضربات

«الصنّاجات» الجنائزية

صبَّ بمسامع المكان

ملحه الصخريّ.

3

كتب الشاعر

نظرة إلى السماء

ألقت الزرقاء ناياً فراتية

استعار من طفولته

نَفَساً وعزف

ثم فيما بعدُ من الأيام

أخبرت القصيدة أترابها

أنه حين عزف نزف

وأردفت تذيع:

نغمة نهاوندية

أخرجت من

حقيبة المقامات ضماداً

يشبه ترتيلاً فيروزياً

في صبيحة يوم

الجمعة الحزينة

4

تابعتِ القصيدة بحرقةٍ

وحشرجت تُصلّي

أيتها السماء النقية

كقلب يسوع

التقيّة كابْنِ عبد الله الشفوع

كوجه عليّ

كضمير أبي ذرٍّ

كصبر أيّوب وآل ياسرٍ

وأنهار ما ذرفت

ثكالى من دموع

أعينيني أنا ـ النهاوند ـ

ابنة الألحان الحزينة

صديقة العشّاق

والقصائد المناهضة للطغاة

امنحيني سحابة بيضاء

تنقلني إلى حيث يسيل

دم مكتبة

لشاعرٍ أهدى الإنسانية قلبه

لألقي عليها النظرة الأخيرة

لأسكب دموع ألحاني

على أغلفة دواوينها المذبوحة

ثوانٍ… مرّ سربٌ

من العصافير

يحمل على متون الأجنحة

أسمالاً من «قشيشات»

5

يركب قاطرة ريحٍ

تضرب في كلّ اتجاه

الماخرة البحرية

فغرت الشدقين

تساقطت الأجساد

في مغائر المجهول

ويبحر الشاعر

الأسمر الوطن

الفارع الوادع

بزورقٍ من ورق

وبالحوزة قلمُ

«كالشويء» الناحل

سوى من بضع نقاط

من لعابٍ أزرق

تبلّ ريق القصيدة

إذا ما سرت

بهشيم الروح

صورة ألسنة الجحيم

تسحق أضراسها

أكباد الورق

6

أبحر نسّاج الشغاف

الشاعر الأسمر يهاجر

وفي خزانة الذاكرة

رَسْمُ وطنٍ يحترق

وصيحات استغاثات

لموّعين في الأرض

تدرُّ لبناً وعسلاً

هاجر المنبر الحرُّ

تاركاً أشلاء ألف كتاب

ورماد خيمة عكاظية

دمشقية

هاجرت القصيدة «الطلالية»

وعلى المنكبين

وشاح النجمتين الخضراوين

لعلم الوطن

وفي النمسا الشقراء

ترسم البشرة السورية السمراء

في كلّ صباح

شمساً من القصيد الموجع

مشهور خيزران ـ سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى