الثنائية المسيحية للزعامات والعائلات… الإلغاء أو الانضواء!

د. نسيب حطيط

تحاول الثنائية المسيحية التيار الوطني القوات إعلان نفسها كوليّ أمرٍ سياسيّ وتمثيليّ للمسيحيين في لبنان، وإلغاء منظومة الرؤوس المتعدّدة من عائلات سياسيّة أو زعامات مناطقيّة لتوحيد القرار المسيحي ومركزيّته وشموليّته على مستوى لبنان، لردّ الهجوم الذي يتعرّض له المسيحيّون على مستوى الشراكة في الحكم والإدارة وفق رأيها ، أو على المستوى الوجوديّ في المنطقة بعد سيطرة التيار التكفيريّ المتشدّد على المفاصل العقائديّة والسلوكيّة في البيئة السنّية والعربية .

لم يمضِ على عمر الثنائيّة المسيحية سوى عدّة أشهر، حيث يحاول الطرفان حمايتها بشتى الوسائل والتنازلات لتحقيق أهدافهما المستقلة تحت عناوين حماية المسيحيين واسترجاع قرارهم وتمثيلهم المستقل مع وجود مصلحة مشتركة بينهما بتدجين القوى السياسية المسيحية المستقلة عائلات أو زعامات… ، وتحجيم الأحزاب المسيحيّة الأخرى الكتائب المردة – الأحرار . وقد بدأت مرحلة الإبعاد السياسي لحزب الوطنيين الأحرار عبر هزيمة دوري شمعون في انتخابات بلدية دير القمر، ثمّ انتقلت إلى زحلة لتحجيم الكتلة الشعبية وآل سكاف وإبعادهم عن التمثيل البلدي الذي يُعتبر الساحة الرئيسية لهما. وحطّت الثنائية رحالها في جونية بشكل ضبابيّ، ونجحت في هزيمة العائلات السياسية من آل الخازن وغيرهم بحجّة ضرب رأس الجسر الذي يحاول الوزير سليمان فرنجية بناؤه في كسروان، وتحوّلت الانتخابات البلديّة إلى انتخابات رئاسيّة عند التيار العوني وبلديّة عند العائلات، وانتقلت الثنائية المسيحية لمهاجمة عرين الوزير بطرس حرب في تنورين، وإنْ لم تنجح المحاولة الأولى لإسقاطه فإنّها أسّست لمرحلة الإلغاء أو الانضواء بشروط الثنائية، وكذلك في القبيات مع حلفاء الأمس وخصوم اليوم مخايل الضاهر وهادي حبيش ، وتمّ إحداث الثغرات في قلعة القبيات، بانتظار الحملة الثانية في الانتخابات النيابية ووضع الخصوم أمام خيارين الإلغاء أو الانضواء!

استطاعت الثنائيّة المسيحيّة أن تحقّق في فترة وجيزة جزءاً كبيراً من عملية «التأميم» السياسي للمسيحيّين، وفرض شروطها باتّجاه الآخرين المسلمين الذين تتّهمهم بمصادرة تمثيل المسيحيين وسلب تمثيلها في الإدارة، ممّا ساعدها على رفع شعارات تدغدغ الوجدان المسيحي لحفظ الحقوق واسترداد الموقع المؤثّر في الشراكة والقرار السياسي اللبناني، وأسقطت منظومة بيضة القبان من أيدي حامليها وفق نظرتها وتقييمها.

تحاول الثنائية المسيحية تقليد الثنائيّة الشيعيّة والاستفادة من تجربتها السياسية وإدارة الخلاف والتحالف في ما بينها ونجاحها في تجاوز العقبات السياسية والأمنية حتى الآن، لكن ما يميّز الثنائية الشيعيّة هي التفاهم في أعلى القمّة والاحترام والحماية المتبادلة، وشعور الجمهور العام بالخطر الوجودي المتمثّل بالعدو «الإسرائيلي» ومضافاً إليه الخطر التكفيري.

يبدو أنّ التمثيل السياسي للطوائف والمذاهب يتّجه نحو الثنائيّات المذهبيّة والتعدّدية في الطائفة السنّية بعنوان المدن أو المناطق، وانقراض الأحاديّة التمثيليّة التي كانت سابقاً عند الطوائف، مع ظهور عامل جديد هو حالة الاعتراض لحدود الانتفاضة على التمثيل الحزبي نتيجة الممارسات الإلغائيّة وحصار الكفاءات، وعدم قبول الرأي الآخر الناصح والحريص، والتعامل بعدائيّة حتى التكفير السياسي في حال وجود اعتراض أو تعديل في الرأي، والذي إنْ تجاهلته الأحزاب جميعاً سيصيبها ما أصاب المستقبل في طرابلس وبيروت وعموم الشمال.

المشكلة أنّنا لسنا أمام تعدّدية سياسيّة ناضجة، بل أمام تفسّخ وتشتّت تلبية لطوحات شخصية أو صدى لتدخّلات خارجية لا تبعث على الطمأنينة والأمان بل تستوجب الحذر.

ندعو الجميع إلى قراءة ما حصل في الانتخابات البلدية، فهي ككرة الثلج التي ستكبر إنْ لم يدرسها المعنيّون، والتي يمكن أن تفتح نوافذنا أمام المشاريع المشبوهة حيث يختلط الصالح بالطالح وتضيع البوصلة الحقيقية، فإن لم يبادر المعنيّون إلى احترام جمهورهم والمبادرة إلى التغيير الطوعي ومحاسبة الفاسدين وإبعاد الانتهازيين، سيكون الوضع مأزوماً على الجميع… فهل يتّعظ من بيدهم الأمر؟

سياسي لبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى