«داعش» خطأ تاريخي بأصول وهابية… فهل تدرك أميركا؟

سناء أسعد

من الطبيعي وعند أيّ منعطف او تغيير نوعي في خضمّ الأحداث التي تشهدها المنطقة بالكامل… تدور الأسئلة للاستفسار عن المصير الذي سيرسم في المستقبل القريب او البعيد، لا سيما اذا كان التحوّل بنقاط مفصلية وجوهرية؟

أم انّ العادة السياسية صارت مبرمجة ومألوفة لدى الجميع.. مراقبين ومحللين؟ فالموضوع لا يأخذ صدى أبعد من تاريخ حدوثه بكثير… فيصير مادة إعلامية جديدة بمتناول الطرف المستفيد لإثارة الحدث بما يخدم مصالحه أكثر مما يكون محطة لا بدّ من التوقف عندها لإعادة النظر أو ترتيب الحسابات من جديد… كما أنّ الحوادث تشهد ولادة جديدة في كلّ يوم.. تتفرّع وتسير باتجاهات مختلفة…

عندما يخطط المجرم لجريمته.. يتجاهل كلّ ما يمكن ان يحدث من تبعيات لإجرامه ويضع نصب عينيه الهدف الذي يطمح لتحقيقه من وراء جريمته. ويغضّ نظره اذا كان هو سيدفع قسما من أعباء التكلفة في مكان ما من حيث لا يدري…

وأميركا لم تدرك يوماً ولم تضع في حسبانها انّ ما خططت له منذ سنين طويلة من صنع وتغذية وتمويل ودعم ونشر للإرهاب والتطرف خدمة لمصالحها أنه سيلتهم أنحاءها وسيطال جغرافيتها وحدودها وينهش بأرواح مواطنيها…

الفكر الإرهابي تغذى وتلقن دروسا حدّ الإشباع من المدارس الوهابية السعودية.. باشراف وتوجيه أميركي صهيوني لتحقيق مآرب استعمارية تؤول لتقسيم الشرق الأوسط بالدرجة الاولى لنيل المكاسب المرجوة على الأصعدة كافة…

فأمر ربط الفكر الوهابي السعودي بالفكر الإرهابي لداعش وأخواتها هو الأمر الملامس للحقيقة والتي تراه العين المجردة بكلّ وضوح دون لبوس او أدنى شك من جميع الزوايا والجوانب والمعطيات، ولا سيما عند الإلمام بظروف وإحداثيات ونتائج أيّ عمل اجرامي صغير أو كبير، إفرادي أو جماعي، ديني أو سياسي، .شخصي او دولي…

فهما توأمان مولودان من رحم واحد… بصلة دم تجمعهما وترتوي من دماء الأخر… بصلة بقاء تستمدّ وجودها من إلغاء الآخر والتكفير بوجوده… بعقيدة التوحش والإجرام والكفر بالدين والله والانسانية والتاريخ والحضارة… لإحياء الروح القبلية وقتل روح الدولة الموحدة القائمة على أسس مدنية تتعايش عبر مؤسساتها وأركانها المختلفة…

السعودية رغم دورها الفعّال في الأزمة السورية ومساهمتها الاساسية بكلّ مفصل يدعم انهيار الدولة السورية لشرذمة وحدتها وتفتيتها للنيل منها. ولكن حتى اللحظة ومقارنة مع اليمن فإنّ دورها في سورية يعتبر من الوجهة الإعلامية ثانوياً وبشكل غير مباشر رغم مفاعيل نتائجه على أرض الواقع بسلسلة إجرامية وهابية لا تعدّ ولا تحصى…

ولذلك تبقى الإدانات والاتهامات خجولة لا تأخذ طابع الجدية والمطالبة بالمساءلة العلنية بإثارة الموضوع دولياً أمام مجلس الأمن في ما يخص سورية، لكن الأمر ليس سيان في اليمن، حيث انّ السعودية تدخلت في الأخير وبحرب مباشرة ومعلنة… منتهكة حق السيادة لتلك الدولة والحقوق الإنسانية بأفظع وأبشع الجرائم… وسط فجور الصمت الدولي أمام هذا العدوان السافر والذي تعود أسبابه بالدرجة الاولى، وكما ترتأي مملكة الرمال، إلى منع الحوثيين من السيطرة على اليمن… وبالتالي إبعاد الخطر الإيراني عن حدودها الجنوبية.. باعتبارها أنّ الحوثيين ميليشات تابعة لإيران تأتمر بأمرها وتنفذ مخططاتها..

السعودية متهمة ومدانة في سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء… ولكن المفتاح الأقرب لوضعها على مدخل المساءلة والمحاسبة هو انتهاكها السافر وعدوانها على بلد آمن مثل اليمن…

ولكن في الحقيقة نجد أننا أمام تنامي وتصعيدات عديدة وفي غاية الخطورة أهمّها…

أولاً: المدّ المتفاقم للتنظيمات الإرهابية وللأعمال الإجرامية على الرغم من احتشاد الجيوش من الدول كافة لمحاربتها والقضاء عليها… في سورية والعراق باعتبار انهما المركز الأساسي لهذا المدّ… حسب الادّعاءات والوقائع.

ثانياً: التطبيع الاسرائيلي الذي بدأ يأخد طابعه «القانوني» بأول خطوة له في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتصويت عربي له، ليتسلّم مندوب دولة الاحتلال لدى الأمم المتحدة داني دانون رئاسة اللجنة القانونية فيها… والتي تشمل ملف مكافحة الإرهاب وتتناول أكثر القضايا حساسية في مجال القانون منها البرتوكولات الإضاقية لاتفاقيات جنيف اضافة الى ملف الارهاب العالمي وإنهاء الاستعمار..

داني دانون المعروف بكرهه الشديد للفلسطينيين وبتأييده لاقتحامات المسجد الأقصى… اضافة الى انّ وجود الكيان الاسرائيلي قائم على احتلال الاراضي واستعمارها.. بخرق واضح وانتهاك دائم لجميع المبادئ القانوتية للجمعية العامة..

ثالثاً: لعبة بان كي مون في إدراج السعودية على القائمة السوداء لإجرامها وفظائعها الإنسانية ضدّ شعب اليمن وقتلها لما يقارب 700 طفل يمني ثم شطبها لاحقاً بأعذار من العار ان تكون أعذاراً مبرّرة أمام هول وفظاعة ما يجري، وأمام عظمة الأهداف الانسانية التي تدّعي الامم المتحدة انها تسعى لتحقيقها وحمايتها وتطبيقها…

امام هذا التنامي تتنامى الشكوك التي تدور بقوة حول كلّ ما يصدر عن الولايات المتحدة من قرارات وأحكام وتصريحات…

أولاً: لأنها تفتقد الى أسس صحيحة تستند عليها وبالتالي فهي تفتقد الى الصدق والمصداقية…

ثانياً: النطق بأيّ قرار او التراجع عنه يكون لمصلحة أميركية صهيونية بحتة، ولا سيما في ما يتعلق بقضيتين هما المحرك الأساس لمجريات الأحداث في المنطقة بأكملها ولا يمكن فصلهما عن بعضهما…

الأولى مكافحة الإرهاب، والثانية: إرهاب نظام آل سعود…

يضاف الى انّ هناك صورة واضحة ترسم معالم جديدة والتي كوّنتها الأحداث الأخيرة ويمكن عنونتها… الاشتغال ببعض على حساب البعض، وأهمّها…

1 ـ التفجير الذي وقع في مدينة بيروت قرب «بنك لبنان والمهجر» دون ضحايا.

2 ـ الهجوم الإرهابي في ملهى للمثليين في فلوريدا… راح ضحيته 49 قتيلاً وعشرات الجرحى.

الامر يبدو هنا أنّ التفحيرات تأخذ طابعاً مختلفاً… وهو طابع الاشتغال ببعض على حساب البعض، فصرنا نسأل دائماً: لمصلحة من يصبّ هذا التفجير وذلك الاغتيال؟ وما هي أبعاده السياسية والجغرافية والعسكرية؟ وصار البعد الإنساني هو آخر ما يتمّ إدراجه على باب التساؤلات حتى انه على وشك الاتقراض والتلاشي اذا صحّ القول…

ارتضت بعض الفرق في لبنان المأزوم من كافة الجوانب أن يصير التفجير… لغاية في نفس يعقوب أقصى مدى له هو توجيه أصابع الاتهام لحزب الله… وتضييق الخناق عليه اكثر باعتبارهم انه «صار خطراً كبيراً يهدّد الأمن في لبنان»! وهذه الرؤية تبنى عليها المخاوف في حال ترجيح الفرضيتين…

فرضية الاتهام بشكل مباشر وإلصاقه الواهم بحزب الله. وفرضية احتمال اختلاق الحدث وبرمجته لاتهام حزب الله.

في كلتا الحالتين بات هناك خطر محدق يجب تداركه قبل تفلته وعدم القدرة على السيطرة عليه من جديد.. ولاسيما في ظلّ غياب رئيس الجمهورية…

يبدو أنّ الأمر تمّ التخطيط له كثيراً… لأنّ بعض الدول طلبت من مواطنيها مغادرة لبنان وعدم السفر اليه، وبعض السفارات طلبت من رعاياها عدم التجوال في شارع الحمرا تحديدا… وما ان كانت تكثر التحليلات والتفسيرات حول طلب عدم السفر الى لبنان من بعض الدول ومعظمها تمّ تأويلها وإسنادها الى قضايا الفساد الغذائي، حصل التفجير ليفسّر الغموض ويجيب على جميع الأسئلة ويدحض كافة الادّعاءات السابقة… ويؤكده توقيت التفجير حيث كانت الشوارع خالية.. فكيف لوحش داعش ان يشبعه دوي الصوت وزلزاله وهو لا يرتوي الا من أبحر الدماء.. كالتي تسيل في كلّ بقعة وزواية على الارض السورية…؟

اما حادثة فلوريدا فلها أبعاد كثيرة… وتثار الشكوك حولها… ولا سيما انّ اميركا تدّعي أنها أشدّ الدول حرصاً على أمن مواطنيها.. فلماذا لم تنشر تلك المعلومات التي نشرتها عن منفذ العملية سابقاً لأخذ الحيطة والحذر منه؟ او لماذا لم تلق القبض عليه اذا كان مشبوهاً بأمره واكتفت بوضعه تحت المراقبة… وهنا السؤال من المستفيد؟

في الحقيقة اننا لم نجد أيّ تأثير إنساني واضح يمكن استخلاصه من تعليقات المسؤولين الأميركان عقب بالعمل الارهابي سواء أكان من أوباما أو من المرشحين الجدد دونالد ترامب وهيلاري كلينتون…

حيث اكتفت الأخيرة بمطالبة الدول الراعية للإرهاب وفي مقدمتها السعودية بتوقيف دعم التطرف والإرهاب والكفّ عن تسليح مواطنيهم..

اما أوباما فاستغلّ الحادثة لإعلان بطولات تحالفه الخارقة ضدّ تنظيم داعش الذي يضمحلّ جغرافياً وبشرياً حسب إحصائياته مؤخرا… كما انه بدأ بالحديث عن القيم الديمقراطية والأخلاقية والتي تتمتع بها أميركا التي لم نرها ولم نلمسها بل هي الضرورة الشعرية للحاجة التي تطلبها الموقف للتذكير بها رغم غيابها في الحقيقة على أرض الواقع… اضافة الى الحجة العلمية لدحض تصريحات ترامب بمنع جميع المسلمين من دخول الولايات المتحدة كإجراء لمكافحة الإرهاب والذي يتقارب في استنتاجه الى استنتاج جورج دبليو بوش في تفسيره لهجمات 11 أيلول عندما قال عن الاسلاميين.. «إنهم يكرهون قيمنا ويعتبرونها خاطئة وكافرة».

حيث رفض أوباما وصف مقاتلي داعش بانهم إرهابيو الاسلام المتطرف خلافاً لترامب لعدم وجود ايّ جدوى او نتائج ايجابية في حال استخدام هذه الصفة.. فلا هو برأيه سيجلب المزيد من الحلفاء ولا هو يخدم استراتيجية عسكرية…

السؤال.. كيف يمكن لدولة مثل أميركا ان تثبت انها تحارب او تنوي محاربة الارهاب بجدية… اذا كانت ادارتها ومسؤوليها اكتفوا بتراشق التهم والتصريحات في حادثة فلوريدا… لبيان قوة وأهمية موقع كلّ منهما امام الشعب الاميركي دون اقتراحات لحلول بنتائج ملموسة… لا سيما انّ ما طلبته هيلاري كلينتون من السعودية لن يكون بمقصد واإما لاستبعاد ما تمّ التصريح به بلسان محمد بن سلمان حول تمويل السعودية لحملة كلينتون الانتخابية والمنافي للقانون الأميركي حيث لا يجوز لأيّ من المرشحين الحصول على دعم خارجي من أجل التاثير على نتيجة الانتخابات…. امر نشر هذا التصريح شأنه شأن قرار بان كي مون مؤخراً حيث تمّ حذفه بعد نشره في وكالة بترا الأردنية، وفقا لموقع ميدل ايست آي»، والعذر كان أقبح من ذنب… فكان انه تمّ اختراق الموقع الالكتروتي للوكالة وانّ الخبر مزيّف وعار عن الصحة جملة وتفصيلاً… لم يتوقف الأمر هنا، بل وجهت وسائل إعلام مموّلة من قبل السعودية أصابع الاتهام الى وقوف جهات إيرانية وراء هذا الهجوم الالكتروني…

يجب أن تدرك بعض الفرق اللبنانية أنّ استخدام ورقة حزب الله لتحقيق مآرب صهيونية وهابية لن تكون تداعياته بأقلّ من مواجهة عسكرية بين اسرائيل وحزب الله سيدفع ثمنها لبنان بأكمله.

ويجب ان تدرك اسرائيل ما أدركته وأنّ حزب الله أصبح جيشاً حقيقياً لا يُستهان بقدراته العسكرية وأنّ قوته الآن تضاهي قوته خلال عام 2006 ثلاثة أضعاف… سواء من جهة المقاتلين، او من جهة السلاح، ولا سيما امتلاكه لترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف تقدّر بأكثر من 100 ألف صاروخ، يبلغ مداها أكثر من 250كم.. ستكون المنشآت الصناعية ومحطات الطاقة الاسرائيلية ومفاعل ديمونا في مرمى أهدافها….

كما يجب ان تدرك أميركا.. انّ خطرالإرهاب لا يمكن حصره في رقعة جغرافية دون غيرها ويستحيل أن يكون هناك ضمانة تكفل ان لا تطال عواقبه الوخيمة أماكن وارواح دون غيرها… طبعا باستثناء السعودية كونها تمثل الحضن والمرتع والمنبع الاساسي للارهاب والتطرف في أنحاء العالم…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى