تقرير

كتب عزيز أوستال في صحيفة «ستار» التركية: يعدّ الإرهاب عملاً مكلفاً جداً، إلا أن التنظيمات الإرهابية المنتشرة حالياً في جميع أنحاء العالم، بإمكانها تنفيذ عملياتها بإسراف ضدّ البشرية خدمة لأفكارها وعناصرها. ولكن كيف باستطاعة هذه التنظيمات الحصول على احتياجاتها الأساسية بدءاً من التعليم والأسلحة التي تستخدمها والمأوى والطعام بالكامل؟ من أين تأتي هذه النفقات؟ من الدول العظمى بلا شك.

ولماذا يستخدم مصطلح التنظيمات الإسلامية غالباً؟ ولماذا يذكر الإرهاب مع الإسلام دين المحبة والسلام؟ من الذي رفع لافتة إرهاب المسلمين للمرة الأولى؟ إنه جورج دبليو بوش، المتعصب، والرئيس الأميركي السابق الذي أصرّ على موضوع انبعاث المسيح، والرئيس السابق لممثلية منظمة الجمجمة والعظام التابعة للمتنورين في جامعة ييل، وكذلك القائل إنه عضو في «أويس داي» الخلية الأساسية للمتنورين أيضاً!

أي أن الإرهاب ليس عمل شخص غاضب يبحث عن بضعة حقوق! بل على العكس تماماً هو ذنب تنظيم متهم بالإسلام من أجل خدمة مصالح الدول الغربية! كما أن «داعش» ليس تنظيماً جهادياً، بل طابوراً خامساً للإمبريالية! وهل «بي كي كي» كذلك؟ ولكن بإمكانها أن تكون مجرّد تسلية على مائدة الشراب الكبيرة هذه!

يا ألمان! إن الحديث في موضوع الصهيونية يكاد يكون ممنوعاً اليوم لدى الغرب بشكل خاص. لأنه بمجرد انتقادكم لها سيتم وصمكم كنازيين أو عنصريين. ولا تعد هذه مشكلة اعتقاد. أي لا علاقة له بافتراء أو اتهام موجه نحو اليهود. بل إن الصهاينة الذين ارتكبوا جرائم وحشية في غزة الواجب عليهم انتقادها وإدانتها. لأنهم قتلوا النساء وكبار السن الأبرياء من دون أن يرفّ لهم جفن على الإطلاق. وبالنسبة إلى الأمم المتحدة فإن ارتكاب ذلك يعد جريمة حرب دولية. فقد تمت محاكمة النازيين في نورنبرغ وإعدام غالبيتهم لارتكابهم مثل هذه الجرائم. غير أنه لا يوجد أي دولة في العالم لم تخترق حقوق الدول بقدر ما فعلته «إسرائيل».

ولكن لماذا لم تستمع ألمانيا إلى صيحات القتلى في غزة؟ أليست ميركل مذنبة في دينكم عندما تحول سياسة دولة للدفاع معصوبة العينين عن كل موضوع يتعلق بـ«إسرائيل»؟

إن بيع الغواصات المجهزة بالأسلحة الألمانية وبخاصة الأسلحة النووية إلى «إسرائيل» يعدّ جريمة. وإن كان دعمكم الإبادات الجماعية التي نفّذتها «إسرائيل» من خلال الضرائب المحصلة من جيوب المواطنين الألمان أقلها خزياً. وفي حال أردتم تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وتأملون في إيقاف موجة الهجرة بالفعل، عليكم الاعتراف بدولة فلسطين! الأمر بهذه البساطة!

يعدّ داعش وحشاً خلقه الإمبرياليون الغربيون، ونسخة جديدة عن «القاعدة» التي أسستها الولايات المتحدة الأميركية في الثمانينات. كما أنها نفاق صريح وذريعة لكافة المبررات الإنسانية التي ساقتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. أليس هدفها البعيد إنقاذ الناس وإحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ ولكن لماذا لم يحرّك الغرب المدافع عن حقوق الإنسان ساكناً عندما قتل «داعش» عشرات الآلاف من الأشخاص في سورية، وقطع الرؤوس تحت مسمّى تطهير مدينة مثل الموصل من المسيحيين؟

بالتأكيد سنناقش هذه المواضيع بتفاصيل أكثر قريباً.

«داعش» و«طالبان»

كتبت كاترينا سيكورسكي في صحيفة «نيوزويك» الأميركية:

من حيث طريقة العمل والتجنيد، كيف يختلف تنظيم «داعش» عن حركة «طالبان»؟ في ما يلي، سوف أورد بعض التفاصيل عن «طالبان»، وأسلّط الضوء على بعض الفروقات التي تميّزها عن «داعش».

قبل كل شيء، وعلى العكس من «داعش»، لا طموحت لجماعة «طالبان» إلى إقامة حكم إسلامي عالمي.

من إحدى الزوايا، يمكن النظر إلى «طالبان» على أنها حركة تحرّر عرقية/ وطنية متمايزة للغاية في داخل أفغانستان. غالبية أعضاء الحركة هم من عرق البشتون من خلفيات قبَلية مختلفة وهناك البعض بينهم ممن يتحدثون اللغة الدارية أيضاً. وبما أن هناك أقليات من الطاجيك والأوزبكيين والآخرين في أفغانستان، فإن هناك البعض منهم يتواجدون في صفوف «طالبان» أيضاً. وفي ذورة حرب «طالبان» ضدّ حلف الناتو والولايات المتحدة، انضمّ إليهم بعض الأجانب، خصوصاً من الدول المتحدثة بالعربية. ولم تكن هناك حاجة إلى التجنيد الإجباري. ومع ذلك، لم يكن الأفغان يعتبرون هؤلاء المقاتلين شجعاناً ورجوليين بما يكفي، وبذلك يكونون عديمي الفائدة في المعركة.

ومن جهة أخرى، أعطى هؤلاء الأجانب نوعاً من المصداقية في الدوائر الإسلامية لإمارة أفغانستان الإسلامية المعلنة ذاتياً. وكانوا أزواجاً مرحباً بهم للزيجات القسرية لدى الأفغان. من أجل تعزيز الأخوّة والروابط بين المقاتلين، وعلى أمل أن ذريتهم سوف تتعلم العربية بشكل جيد من الآباء. وفيما ينطوي على مأساة بالنسبة إلى الزوجات والأبناء، لم يتحقق حتى هذا الأمل فقد غادر المقاتلون تاركين زوجاتهم خلفهم لا كأرامل بحيث يستطعن الزواج مرة أخرى ويتمتعن بمكانة اجتماعية أفضل، وبالتالي المزيد من الأمن الاجتماعي ، كما أن أبناءهن يبدون من مظهرهم غير محليين، بحيث يكونون بذلك هدفاً لإساءة المعاملة من جانب عددٍ من الأطراف، حتى من الشرطة التي تبقى عيونها مفتوحة على العائلات المحطّمة، لأنها كانت مرتبطة بـ«طالبان» بكل وضوح.

لا عملية تجنيد في «طالبان»، إنما ينضم إليها الأفغان بالنظر إلى الافتقار الكامل لآفاق العمل في أفغانستان وانتشار الفقر وخلفية المحارب الموجودة عند الكثير من الأفغان، حيث يكون للشجاعة في ميدان المعركة تقدير اجتماعي عالٍ جدّاً والمشاركة في قتل الأعداء والخونة المتصورين في داخل البلد والأمل بإصلاح المجتمع «بحسب قواعدنا الخاصة» وهو ما يعني مزيجاً من التأويل الغريب للإسلام والمعتقدات القبلية . إضافة إلى أن هناك حرباً كانت وما تزال تجري في أفغانستان منذ عقود طويلة. وعندما يكون الجد محارباً، والوالد محارباً، لن يصبح الابن فجأة مواطناً منصاعاً للقانون، أو خياط ملابس على سبيل المثال. وهناك مسألة أخرى أيضاً، أن «طالبان» الأفغانية مكتفية ذاتياً من الناحية المالية، حيث تشكل زراعة خشخاش الأفيون عملاً مربحاً جداً، كما أن خطف الرهائن من أجل الفدية هو جزء معتاد من عملهم أيضاً.

والآن، هناك الجزء الباكستاني. لطالما شكلت باكستان أرضاً خلفية يمكن الانسحاب إليها بالنسبة إلى «طالبان» الأفغانية على مدى سنوات كثيرة. كما وفّرت مكاناً لإجراء نقاشاتهم السياسية الداخلية، وتنظيم شبكاتهم، ومؤسستهم المالية، وتخطيطهم العملياتي، ولمعالجة المقاتلين الجرحى.

كما أن هناك أيضاً «تحريك طالبان الباكستانية» أو «حركة طالبان الباكستانية» التي تعمل في باكستان والمنتسبة بطريقة فضفاضة جداً إلى الجماعات الأفغانية. وهناك أعداد كبيرة جداً من جماعات المعارضة المحلية المسلحة والمتطرفة في باكستان، مع حدود فضفاضة للغاية وفرص لعقد التحالفات. ويجب ألا يكون أعضاء «طالبان الباكستانية» من البشتون بالضرورة، فهناك بنجابيون أيضاً، والذين عادة ما يكونون العقل المدبّر. بينما يكون البشتون هم التنفيذيون. وهناك بعض المزاعم بأنه تم حل مجموعة أو فرع يدعى «طالبان البنجاب»، لكن أعضاءه لم يتبخروا ويختفوا في الأثير، إنما أعادوا تجميع أنفسهم فحسب.

ثمة وجود رئيس للبشتون الأفغان والباثان البشتون الباكستانيين في ثلاث أو أربع محافظات في باكستان: بلوشستان، حيث يفوق عددهم عدد البلوشيين والسنديين المحليين وفي مدينة كراتشي وفي خيبر باختونخوا، بطبيعة الحال. وبعضهم أعضاء في طالبان. كما أنهم كانوا مدللين من الحكومة الباكستانية إلى حدّ ما.

شكّل الوضع الغامض والمعقد جدّاً في باكستان أرضاً خصبة لـ«طالبان». وكانت الحكومة الباكستانية والجيش يستخدمان «طالبان» لتكون الإوزة التي تبيض ذهباً الدولارات الأميركية .

كما كانت هناك فكرة انتهازية أخرى لدى الحكومة، التي كانت تشير إلى الباثان الذين يشكلون مجموعة عرقية، وليس مجرد طالبان فقط على أنهم مصدر الشر المطلق، صارفة بذلك انتباه الجمهور بفعالية عن طرح الأسئلة حول تصاعد الفساد في الحكومة وصفوف الجيش كما كان ذلك أيضاً عذراً مناسباً لعدم إنفاق المال على المرافق والخدمات العامة.

لم تكن هناك أي مصلحة جدّية لدى الحكومة والجيش الباكستانيين في القضاء على «طالبان» والمجموعات المتطرّفة الأخرى، لأن ذلك سيعني وضع نهاية لتدفق المليارات والمليارات من الدولارات التي تُعطيها الولايات المتحدة لباكستان من أجل القتال ضدّ الإرهاب.

استغرق الأمر سنوات كثيرة حتى فهمت الولايات المتحدة الأميركية أخيراً قواعد اللعبة. وجاءت جهود الحكومة الباكستانية الحقيقية للقضاء على الجماعات الإرهابية في باكستان فقط بعد وقف المساعدات المالية من الولايات المتحدة.

مع ذلك، يتم تمويل الجماعات المتطرّفة في باكستان من الخارج مرة أخرى يُجذَب الناس للانضمام لأسباب مشابهة لتلك التي في أفغانستان . وتأتي الأموال من حلفاء رئيسيين لباكستان في العالم العربي. ولا تستطيع باكستان محاربة المتطرّفين بفعالية من دون التوقف عن هذه الاتجاهات. ومع ذلك، سوف يقود أيّ شيء من هذا القبيل إلى تدهور العلاقات مع أولئك الحلفاء، وهو شيء لا تستطيع باكستان تحمل كفلته، نظراً إلى أن «أصدقاء باكستان» يقدّمون الأعطيات المالية الكبيرة جداً للبلد.

لستُ على دراية كاملة بالديناميات الداخلية لتنظيم «داعش». ومع ذلك، أستطيع أن أرى عدّة نقاط تختلف فيها مجموعتا «طالبان» و«داعش» عن بعضهما:

ـ أنّ «طالبان» حركة من دون طموحات عالمية، بينما يزعم «داعش» أنه يريد استعادة «دولة الخلافة العالمية».

ـ تستمدّ «طالبان» أفرادها بشكل رئيس من مجموعاتها العرقية الخاصة، التي تتواجد في بلدين في حين يقوم «داعش» بالتجنيد على مستوى عالمي، مع استخدام واسع للإنترنت وهناك دفق كبير للمجندين القادمين من أوروبا إلى سورية والعراق وعودتهم إلى أوروبا، لسوء الحظ .

ـ تعدّ «طالبان» مكتفية ذاتياً إلى حدّ ما من الناحية المالية، وهي تأخذ المال من المانحين ولا أعرف ما هو الوضع المالي الدقيق لتنظيم «داعش»، إنّما يقال إنهم يكسبون المال عن طريق بيع النفط والآثار. ومع ذلك، فإنهم يستخدمون اختطاف الرهائن ليجلب لهم اهتماماً إعلامياً عالمياً، لا لكسب الأموال.

ـ على مستوى العمليات، يشكّل «داعش» تهديداً للاستقرار الإقليمي أكبر بكثير ممّا تشكّله «طالبان». حسناً، المقصود هو الحفاظ على ما تبقى من الاستقرار الإقليمي، مع الأمل في استعادته بعض الشيء في وقت لاحق .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى