الوضع السياسي الفلسطيني والانقسام

عباس الجمعة

الوضع السياسي الذي نعيشه الآن في ظلّ الحديث عن لقاء أو مؤتمر دولي كما تقول وسائل الإعلام والتي تحيكها فرنسا وتريد من الإدارة الأميركية ان تكون شريكة فيه، أو أن تنال رضاها عن ذلك ، لم يأتي وفق المؤتمر الدولي التي تسعى إليه كافة الفصائل والقوى الفلسطينية من أجل مطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بما في ذلك وأهمها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

من هنا نتوقف في هذه اللحظة السياسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، إلا إنّ انتفاضة فلسطين نقلّت أو جعلت شعار الدولة الفلسطينية ينتقل من حيّز الإمكانية التاريخية إلى حيّز الإمكانية الواقعية، حيث إعادت الإنتفاضة الحلقة المركزية بالنضال الوطني الفلسطيني، من خلال مواصلتها مسيرتها التي يخوضها شابات وشباب فلسطين، وأخذت الانتفاضة طابعها الشعبي الجماهيري الديمقراطي. حيث استنهضت الانتفاضة الشعوب العربية وأحزابها وقواها، انطلاقاً من التلازم الجدلي بين الوطني الفلسطيني والقومي العربي، مؤكدةً أنّ طبيعة المشروع الصهيوني الاستعماري التوسعي، الذي يستهدف عموم المنطقة والعالم العربي وليس فلسطين فقط، يستدعي إعادة البوصلة إلى فلسطين، وهذا ما شاهدناه من مواقف ضدّ التطبيع مع العدو من خلال حملات المقاطعة التي جرّت في مصر وبيروت ودول عربية وأوروبية وحتى الولايات المتحدة، ودعّت إلى مقاطعة البضائع والشركات الداعمة للكيان الصهيوني، وهذا يؤكّد نجاح هذه المقاطعة كما جرى في جنوب أفريقيا وفي أوروباً، ولهذا نرى أهمية المقاطعة السياسية والثقافية والفكرية للعدو، لأنّها تشكل تراكماً نضالياً يؤدّي إلى نجاح الفعل المقاوم، وهذا ما يدعونا إلى الإيمان بثقة بحتميّة الانتصار على المشروع الصهيوني وحلفائه، وهذا يستدعي من الفصائل والقوى الفلسطينية موقفاً سياسياً واضحاً يضمن انهاء الانقسام الكارثي ووحدة الصف الفلسطيني ضمن إطار الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها وحماية المشروع الوطني باعتبار كلّ ذلك يشكل وحدة الشعب على قاعدة برنامج نضالي يعمل على تغيير ميزان القوى تدريجياً، بحيث نصبح قادرين على فرض الدولة وقرارات الشرعية الدولية.

الموقف السياسي يجب أن يكون رفض أي مبادرة أو مؤتمر أو لقاء دولي، ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، مما يتطلب بلورة موقف فلسطيني واضح لأنه إذا انهارت الثوابت نكون أمام مخاطر جمة في الساحة الفلسطينية، ما يستدعي رفض كافة الضغوطات لتقديم أي تنازل أو الانزلاق في مشروع يؤدي إلى شطب أي حق من الحقوق الفلسطينية.

إنّ الشعب الفلسطيني يبرهن على أنّ فلسطين ليست أرضاً بلا شعب، بل إنّ شعبها البطل اليوم يكتب رسالته بالدم. وهذا ما ارادته الفتاة مجد الخضور من بلدة بني نعيم في الخليل أمام العالم، ليثبت شجاعته وروعة عطائه وصموده وبسالة أبنائه وبسالة بناته في وجه الإحتلال وعدوانه، فلا مكان للإحتلال على أرض فلسطين ولا استيطان أو جدار عنصري .

إن التطبيع واللقاءات التي تجريّها بعض الأنظمة العربية مع الكيان المحتل. هؤلاء الباحثين عن الاستسلام لن يجدوه إلا عبر القوة والارادة العربية الواحدة الموحدة، وما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وإن الشعب الفلسطيني بانتفاضته التي تزداد كل يوم التحاما ووحدة وثباتا بأعمالها البطولية وحجارتها سترسم المستقبل في وجه العرب المستترين بالشعارات أو المخفية وجوههم خلف الاقنعة.

بهذا الوضوح وهذه الرؤيا الصادقة يقف الشعب الفلسطيني خلف وحدتّه الوطنية ملتفاً حول انتفاضته ومقاومته، يعطيها ويحميها ويحنو عليها بكل الوفاء والمحبة يذود عنها وتذود عنه، لتستمر شعلة النضال وهاجة ولتبقى المسيرة قوية منيعة، وليجسد هذا الشعب الأصيل عنفوان التضحية والعطاء حتى يبقى رمزاً من الرموز الحية في تاريخ الأمم.

إن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات في مسيرة النضال الشاقة، هذه الوحدة التي صنعتها الدماء الزكية من الشهداء القادة والمناضلين، وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات وابو العباس والحكيم جورج حبش وطلعت يعقوب وأبو أحمد حلب وأبو علي مصطفى وسمير غوشة وسليمان النجاب وأبو عدنان قيسى وعمر القاسم والشيخ أحمد ياسين وعبد الرحيم أحمد وفتحي الشقاقي وجهاد جبريل وزهير محسن، فكانوا قابضين على جمر الثورة، ونحن نتطلع إلى مزيداً من الوحدة الوطنية والاستمرار في شعلة النضال، واستمرار المسيرة حتى تشق الطريق نحو تحرير الأرض والإنسان.

ختاماً: لا بد من القول، إنّ الشعب الفلسطيني يتعامل مع كل المعطيات من حقه أن يتوجه إلى الضمير العالمي وإلى الأحرار والشرفاء في العالم أجمع، إلى جميع أصدقائه وحلفائه لماذا تتنكر حكوماتكم لقرارات الشرعية الدولية وتتنكر لأبسط حقوق الإنسان الفلسطيني في تقرير مصيره، وعودته إلى دياره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس؟ هل هناك بعد كل الذي حدّث ويحدث من العدو العنصري الصهيوني وقطعان مستوطنيه، ما يبرر الجمود والتردد في مواجهة الحقيقة التي تقول إن الشعب الفلسطيني هو ضحية الإرهاب الرسمي المنظم، وإن الواجب الإنساني، والأخلاقي، والحضاري، يُلزم هذه الشعوب وأحزابها وهيئاتها وجمعياتها وحكوماتها بأن تؤازر شعب فلسطين للحصول على حقوقه الوطنية والمعترف بها على الصعيد الدولي وفي الأمم المتحدة، فنحن نحيي كافة شعوب العالم وأحراره وشرفائه و جميع حركات التحرر الوطني في العالم والدول الصديقة، التي وقفت مع الشعب الفلسطيني من أجل نيّل حريته وعودته واستقلاله مثل بقية شعوب العالم.

كاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى