المواجهة وإبداعات المقاومة

رامز مصطفى

إنْ كان العدو الصهيوني لا يجهل قدرات المقاومة وحزب الله، وإمكانياته القتالية، على خلفية ما مُني به من خسائر فادحة خلال كلّ المعارك التي خاضتها المقاومة ضدّ جيش العدو «الإسرائيلي»، والحروب التي شنّها هذا الجيش على لبنان… «عملية تصفية الحساب» في تموز 1993، و«حرب عناقيد الغضب» في العام 1996. قبل أن تجبره المقاومة على الانسحاب صاغراً من الجنوب في العام 2000. ولكن العدو ونتيجة فشله الاستخباري الفاضح – كما هي الحال في عدوانه على قطاع غزة لم يتمكّن من الوصول إلى ما يمتلكه حزب الله والمقاومة في لبنان من تطورات مذهلة في القدرات والإمكانيات العسكرية، تدريباً وعتاداً، وبشكل خاص القوة الصاروخية التي شكلت مع المواجهة والالتحام المباشر مع القوات «الإسرائيلية» التي دخلت الجنوب كما حصل في مارون الراس وعيتا الشعب وبنت جبيل، ووادي الحجير الذي تحوّلت فيه دبابات العدو إلى كتل وخردة حديدية، جعلت من الوادي نقشاً محفوراً في الذاكرة على أنه مقبرة للغزاة الصهاينة. هذه القوة الصاروخية التي استمرّت في التساقط على عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة طيلة 33 يوم، أسقطت الجبهة الداخلية في الكيان، وأفقدت القيادات بمستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية القدرة على إدارة المعركة، والفشل في السيطرة والقيادة خلال أيام العدوان المدمّر لكلّ البُنى التحتية على شعاع الأرض اللبنانية. ولعلّ ما أنتهجته المقاومة من اتباعها استراتيجية وتكتيك قتالي زاوج بين القتال على نسق الجيوش النظامية، وقتال حرب العصابات، وذلك بحسب ظروف المعركة في الميدان قد دفع قادة جيش العدو الغازي إلى الوقوع في الإرباك والتخبّط. على عكس قيادة المقاومة التي أظهرت القدرة الفائقة على السيطرة والقيادة وما أظهرته من رباطة جأش وإرادة لا تلين. وما ظهور قائد المقاومة السيد حسن نصرالله على شاشة قناة «المنار»، ومخاطبة الجمهور على تنوّعه في لبنان وخارجه، وإعطائه الأوامر المباشرة للمقاومين في تدمير البارجة الحربية «ساعر 5»، التي ترابط قبالة بيروت بهدف الاعتداء على أهلها الآمنين، حيث دمّرتها المقاومة، وأخرجت سلاح البحرية الصهيونية من المعركة. إلاّ دليل ساطع على القدرة والتحكّم وعلى السيطرة والقيادة، على الرغم مما ارتكبه العدو وألحقه من دمار هائل ومجازر بحق أهل الجنوب والضاحية والبقاع الشمالي. مضافاَ إلى ذلك الحملة الإعلامية والسياسية المنظمة التي طاولت المقاومة وحزب الله، محملة إياهم مسؤولية هذه الحرب، ووصفهم بالمغامرين والمقامرين سواء من هم في الداخل اللبناني، أو من هم في الواقع الإقليمي والدولي.

ومن إبداعات المقاومة وقيادتها في سياق الحرب أنها كرّست مفهوم المعادلات بمعنى أنّ سيد المقاومة، السيد نصرالله، فرض معادلة أنّ مقابل قصف بيروت ستقصف المقاومة تل أبيب. وهنا نصحت قيادات «إسرائيلية» حكومة العدو بأن لا تجرّب حزب الله، مما سيؤدّي إلى كارثة استراتيجية حقيقية في انهيار «المجتمع الإسرائيلي». وكما في الميدان، أبدعت المقاومة في حربها الإعلامية والنفسية.

الخسائر الميدانية والاقتصادية

صحيح أنّ لبنان تعرّض نتيجة العدوان إلى خسائر فادحة في أرواح المدنيين من شهداء وجرحى، وتدمير شبه تامّ في البنى التحتية من كهرباء وماء وجسور، ومطارات «بيروت ورياق والقليعات»، ومستشفيات، ومدارس، ومنشآت عامة وخاصة. ومن دمار هائل في مدن وقرى الجنوب والبقاع الشمالي والأوسط، والضاحية الجنوبية التي سوّيت بالأرض في دلالة واضحة على فاشية العدو وإجرامه وإرهابه، وما أظهره من حقد على بيئة المقاومة وحاضنتها الشعبية التي دفعت إلى التشرّد والنزوح عن قراها ومدنها وضواحيها. ولكن هذه الخسائر وعلى جسامتها وفداحتها، إنما هي الدلالة الساطعة على فشل العدو في عدوانه على لبنان، وانتقامه من لبنان في تدمير بناه التحتية وقتل مواطنيه، وارتكاب المجازر، وقانا الثانية شاهد حيّ على وحشية هذا العدو وإجرامه. وهي لا تقلّ فداحة عما تعرّض له العدو الصهيوني وكيانه الغاصب، على يد المقاومة وحزب الله سواء في الميدان أو البنى التحتية والاقتصادية، ولعلّ الأهمّ تعميق أزمة الكيان الوجودية، ودفع الكثير من المستوطنين إلى مغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أوردت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية 27/1/2002 مقالاً بعنوان «يشترون شققاً في الخارج تحسّباً لليوم الأسود»، والمقصود هنا «الإسرائيليون» الذين غادروا حينئذ بالآلاف، أما «اليوم الأسود» فهو يوم نهاية «إسرائيل»، لأنه متجذر في الوجدان الصهيوني. حتى ما قبل إنشاء الدولة، أدرك عدد من الصهاينة الأوائل أنّ مشروعهم مستحيل، والحلم الصهيوني سيتحوّل إلى كابوس. لذلك تجد الشاعر «الإسرائيلي» حاييم جوري يعتقد أنّ كلّ «إسرائيلي يولد وفي داخله السكين الذي سيذبحه».

وقد كشف تقرير استخباري فرنسي أنّ خسائر «إسرائيل» هي أقرب إلى الخيال، مقارنة مع ما اعترفت به حكومة العدو. ونقلاً عن مصادر صهيونية رسمية بحسب التقرير من العسكريين 2300 ، وليس 119 . وهناك 65 من الجنود قتلوا تحت أنقاض المنازل في الجنوب. أما بشأن البارجة الحربية «ساعر 5»، فعدد القتلى 24 بين ضابط وجندي ، بالإضافة إلى تدمير البارجة. أما الخسائر في عدد الدبابات وناقلات الجند التي دمّرت بالكامل 65 ، منها 38 من نوع ميركافا . أما عدد الدبابات وناقلات الجند التي أصيبت بشكل بالغ 93 . وبيّن موقع «سي أن أن» وجريدة «الدّيار» بتاريخ 21 آب 2006، أنّ عدد القتلى من المستوطنين 157 ، وجرح 860 ، ونزوح 300.000 مستوطن . وسقط على الكيان من الصواريخ 3970 صاروخاً . وكتب المراسل الاقتصادي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ التكلفة الحربية المباشرة بلغت 7 مليارات شيكل فيما الخسائر المباشرة في شمال الكيان فتبلغ 5 مليارات شيكل. باستثناء ما دمّرته المقاومة من أعتده وأسلحة. وبلغ حجم الخسائر اليومية التي تكبّدها «الاقتصاد الإسرائيلي» نحو 500 مليون شيكل 110 ملايين دولار ، وسارع اتحاد الصناعيين إلى الإعلان عن أنّ خسائر الاقتصاد في مصانع الشمال وحدها، يومياً، تتراوح ما بين 300 مليون إلى 400 مليون شيكل من 68 مليون إلى 90 مليون دولار . وهذه تقديرات مبنية على إحصائيات تقول إنّ 90 من المرافق الاقتصادية من مصانع وأماكن عمل مختلفة، في أقصى شمال فلسطين المحتلة منطقة كريات شمونة . هذا بالإضافة إلى خسائر في القطاع الصناعي 1800 مصنع توقف عن العمل ، والفندقي والسياحة 12 مليون دولار ، وخسائر واضطرابات في أسعار البورصة. ناهينا عن المنشآت العامة والخاصة، وما تمّ صرفه من نفقات ورواتب على لجنة فينوغراد، والتي بلغت وحدها 13.733.000 شيكل .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى