يسرى بيطار: على كلّ مثقّف أن يواجه العادات والتقاليد التي تقيّد الإنسان

حاورتها: لمى نوام

من يقرأ شعراً للدكتورة يسرى بيطار، يشعر بمتعة من نوع آخر… الغزل ممزوج بالثورة، والبوح معطوف على الفوح، والرجل حاضر دائماً، تماماً كما الوطن والإنسانية.

طفولتها كانت حالمة ورومنسية في قريتها الجميلة الهادئة كفيفان التي كان لها تأثيرها الكبير في ميل يسرى إلى الرومنسية والشعر. أما الكتابة، فبدأتها نثراً، وكانت معلّماتها في المدرسة يسمّينها «مي زيادة»، لكتابتها النثر وتزيينه بالإيقاع.

هي أستاذة للغة العربية في التعليم الثانوي الرسمي وفي الجامعة اللبنانية، تحمل شهادة الدكتوراه اللبنانية في اللغة العربية وآدابها، ودراسات عليا في الحقوق، وشهادة الكفاءة في التربية. ولدت في قرية كفيفان في قضاء البترون شمال لبنان، من عائلةٍ لها في العلم والسياسة والثقافة باع طويل.

لم تكتب الشعر وتقتنع بنشره إلا عام 2013، وهي سنة نيلها شهادة الدكتوراه في اللغة العربية.

ثمة إشارات وصوَر شفافة في شعرك، ممّن تستوحين طقوسك؟ سؤال حملناه مع أسئلة أخرى، وقصدنا الشاعرة الدكتورة يسرى بيطار التي قالت:

قرأت كثيراً في سنيّ المراهقة، وحفظت مئات الأبيات، كانت هذه هوايتي المفضلة. تأثرت في المراهقة بالمتنبي وعنترة. أما في المرحلة الجامعية فتأثرت بجبران وسعيد عقل وجورج شكور.

وعن المدرسة الأدبية التي تنتمي إليها تقول: أنا أؤمن بأنّ الشعر، كما سائر حقول الإبداع، يقوم على الحرّية، وهي شرطه الأول. لكن أظنّني أميل إلى الرومنسية والكلاسيكية، مع بعض الرمزية البارزة أحياناً. وأحبّ في الشعر الجمال، فلا أستخدم مفرداتٍ قبيحةً أو مقززةً أو مستفزةً أو نابية.

الشعر يوحى إليّ من القلب، فحالة الحزن موحية، والشوق موحٍ، والحبّ موحٍ، ووجه الحبيب.

وعن الإشارات والصور الشفافة في شعرها تقول: الشاعر يكتب نفسه، والشعور الشفاف يعبّر عنه بشفافية. البساطة والصدق يعبَّر عنهما ببساطة. كما أن لدي اعتقاداً بأن الشعر يكتب من القلب إلى القلوب، يكتب للناس والإنسانية، لا للشعراء والفلاسفة وحسب، لذلك أكتب شعراً مفهوماً وقريباً بشكلٍ عام، لكن تمر بعض الصور والقصائد الضبابية أحياناً، حين تكون الحالة معقدة ويصعب التعبير عنها بوضوح.

الرضا عن الكتابات لدى يسرى بيطار مرتبط بالمسؤولية، وفي هذا السياق تقول: أنا أمزّق أوراقاً كثيرة، ولا أنشر إلا ما أكون راضيةً عنه تماماً فالكتابة مسؤولية. وربما تساعدني الدراسات العليا التي أحملها في النقد الأدبي في الاستفادة من معايير النقد وأصوله، لأكتب ما أرى أنه يليق بالنشر ويحترم القارئ.

أما موقعي الأدبي اليوم فلست أنا من يحدّده، وإن كنت راضيةً وسعيدة بما يقوله عنّي كبار الأساتذة من شعراء ونقاد وأكاديميين.

وحول الضرورات الاجتماعية أو السياسية التي تلعب دوراً فاعلاً في صوغ الشعر تقول بيطار:

قلت إن الحرّية أساس الإبداع. أما المعايير الاجتماعية والسياسية فلا تزال تؤثر للأسف في الشرق العربي، وأنا لم أكتب الشعر إلا مؤخراً، بعد نضالٍ طويلٍ ومكلف لبلوغ الحرّية.

يسرى بيطار وقّعت ديوانها الأخير برعاية وزير التربية الياس بو صعب، وعن الديوان وحفل التوقيع تقول: لقد وقّعت ديواني «أكاد من المحبة أسقط» في نيسان الماضي في البترون، وكان الحفل برعاية وزير التربية الوطنية الياس بو صعب. تحدّث في المناسبة عددٌ من الشعراء والأكاديميين عن الديوان، أمام حشدٍ ثقافي تجاوز الأربعمئة، ولدينا في منطقة البترون نخبٌ ثقافيةٌ رفيعة المستوى.

الرجل في حياة يسرى، ماذا تقول له، وما المكانة الشعرية التي يحتلّها في كتاباتها؟ تجيب: الرجل المصوَّر في شعري هو الحلم في حياتي. أستوحي دائماً شعر الغزل والحبّ من رجلٍ موجود، لكن كل من كتبت لهم سقطوا في الحقيقة، وبقيت القصيدة. لذلك قلت يوماً: القصيدة أهمّ من الرجل، لأنها أبقى منه.

وللرجل الذي يعنّف المرأة وللمرأة التي تسكت على تعنيفها تقول: الرجل الذي يعنّف المرأة يجب إعادة النظر في تصنيفه واعتباره إنساناً. فالإنسان لا يؤذي أحداً، والرجل الذي يستقوي على امرأةٍ هو ضعيفٌ وبلا كرامة. أما المرأة فعليها ألا تسكت عن التعنيف لأن الكرامة غالية، مهما تكن أعذارها للرضوخ، فالتضحية بالكرامة ليست تضحية… إنّها ذلّ.

ليسرى بيطار المرأة وجهة نظر في العادات والتقاليد، تصل حدّ التمرّد، وعن ذلك توضّح: أنا أحترم القيم الأخلاقية، وأحترم العادات والتقاليد حافظة القيم الأخلاقية، وهويتنا الاجتماعية وتراثنا وأصالتنا. أما العادات التي تقيّد الإنسان بلا سببٍ أخلاقيّ فهي تؤدّي إلى التخلف، وعلى كلّ مثقفٍ أن يثور عليها، لأن من واجب المثقّف أن يدفع مجتمعه نحو التطوّر. أما في الكتابة فأحترم الذوق العام، ولا أستخدم النابي من الكلام ولا الصوَر غير اللائقة، لكنّني جريئة في قول ما أريده بأسلوبٍ راقٍ، كما قلته مثلاً في مطلع إحدى قصائدي مخاطبةً حبيباً:

فكّ الرباط، رباط العنق يزعجني

ولا تسلني لماذا أعشق الماسا

هناك شلال ماسٍ بات يغرقني

يرفع الفجر لي كاساً روى كاسا

قل أنت تعشقني كي أستفيق ودع

منّي غيارى ورود الأرض والناسا

خلف الرباط يناديني هوًى ثمل

والفلّ يقرع للذات أجراسا!

وتختم بيطار حديثها إلى البناء، متحدّثة عن الوسط الثقافي اللبناني، وتقول: الوسط الثقافي في لبنان رائعٌ ونشيطٌ ومندفع. ونحن نشهد في لبنان كلّ ليلةٍ عدداً من اللقاءات والندوات والأمسيات الأدبية والشعرية والفنية، وتكثر المنتديات والجمعيات الأدبية، وهذا يبشّر ببقاء لبنان على رغم كل ما حوله من تهديداتٍ إرهابية وظلامية. لبنان رسالة ثقافية وحضارية ونحن بالكلمة الحرّة نواجه كلّ أشكال التطرّف والتوحّش والإرهاب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى