سورية… مؤامرة تنكسر وجيش ينتصر

هشام الهبيشان

بغضّ النظر عن نوايّا واشنطن في حديثها عن التحضير لمهاجمة الجنوب السوري بحجة محاربة تنظيم «داعش»، وبغضّ النظر عن التحالفات «الباطلة التقسيمية الطائفية» التي يتمّ تشكليها بين ليلةٍ وضحاها، وحتى دون علم المنخرطين بها، بحجةِ محاربةِ الإرهاب «المصطنع والمنتج من قبل بعض الأنظمة المنخرطة بهذه التحالفات»، مع أنّ خفايا ما وراء الكواليس تؤكد أنّ هذه التحالفات تحوي الكثير من الأجندة الخطيرة على مستقبل هذه الأمة وهذه المنطقة»، ونعلم جيداً أنّ المستهدف بهذه التحالفات هو سورية. الدولة التي بدأت اليوم تحقق انتصاراً فعلياً على أرض الواقع على مؤامرةٍ قذرةٍ استهدفتها طيلة خمسة أعوام.

هنا لن ندخل في تفاصيل هذه التحالفات، فما يهمّنا اليوم من كلّ هذا هو أنّ سورية استطاعت خلال هذه المرحلة وبعد مرورِ خمسةَ أعوامٍ على الحرب الكونية عليها، أن تستوعب حرب أميركا وحلفائها، وهي حرب متعدّدة الوجوه والأشكال والفصول وذات أوجه وأهداف عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ومع انكسار معظم هذه الأنماط من الحرب على أبواب الصخرةِ الدمشقية الصامدة، أجبر الصمود السوري بعض الشركاء في الحرب على سورية على الاستدارة في شكل كبير في مواقفهم، وفي هذه المرحلة تحديداً يطلّ علينا يومياً مسؤولون وساسة وجنرالات غربيون وإقليميون، يتحدثون عن تعاظم قوة الدولة السورية بعد مراهنتهم على إسقاطها سريعاً، فالقوى المتآمرة على الدولة السورية بدأت تقرّ سرّاً وعلناً في هذه المرحلة، بأنّ سورية قد حسمت قرار النصر وبدعم من حلفائها الروس والإيرانيين وغيرهم.

سورية الدولة اليوم تسير في طريقٍ واضح المعالم لتكوِّن محوراً جديداً في هذه المنطقة، بل في هذا العالم، رغم ما تعرّضت له من أعمال تدمير وتخريب وجرائم ارتكبت في حقّ شعبها من قبل محور العدوان.

إنّ تسارع الأحداث والتطورات الميدانية، وتعدّد جبهات القتال على الأرض والانتصارات المتلاحقة للجيش العربي السوري وما يصاحبها من هزائم وانكسارات وتهاو في بعض قلاع المسلحين، «المعارضين» حسب التصنيف الأميركي، من المؤكّد أنه سيجبر الكثير من القوى الشريكة في الحرب على سورية على تغيير موقفها من هذه الحرب، والاستدارة نحو التفاوض مع الدولة السورية، في محاولة لتحقيق وكسب بعض التنازلات، لعلها تحقق ما عَجِزت عن تحقيقه في الميدان، وهذا ما ترفضه الدولة السورية اليوم وفي شكلٍ قاطع، حيثُ تؤكد القيادة السورية والمسؤولون جميعاً، أنهم لن يقدّموا لأميركا وحلفائها أيّ تنازلات، ويقولون بصريح العبارة «إنّ ما عجزت أميركا وحلفاؤها عن تحقيقه في الميدان السوري، لن تحققه على طاولة المفاوضات»، ولهذا لن يفيد بعض الدول العربية والإقليمية الشريكة في الحرب على سورية التلويح بورقةِ التحالفاتِ العسكريةِ الجديدة «الطائفية»، لأنّ سورية وحلفاءها قد حسموا قرار النصر ولا رجعة عن هذا القرار، مهما كانت التكلفة.

اليوم ميدانياً، يتمّ حسم جملة معارك في العاصمة دمشق وفي ريفيها الشرقي والغربي، لتأمين المدينة من جهة الجنوب، بالتزامن مع المعارك الكبرى التي تدور في ريف اللاذقية الشمالي، بالتزامن مع معارك خاضها وسيخوضها الجيش العربي السوري للإطباق على باقي حصون المسلحين الإرهابيين في ريفي حماة وحمص في شمالي وشرقي أرياف المدينتين وبعمليات نوعية وخاطفة، وفي حلب، فقد اقترب الجيش السوري من إحكام سيطرته الكاملة على أحياء عدة شرقي مدينة حلب، ما سيمهّد الطريق مستقبلاً لتحرير بعض أحياء المدينة التي يتحصّن فيها المسلحون، وهذا بدوره سيفتح الطريق لإطلاق عملية كبرى في المستقبل القريب لتحرير محافظة إدلب.

في هذه المرحلة من المؤكد أنّ صمود سورية هو الضربة الأولى لإسقاط كلّ المشاريع والتحالفات الباطلة التي تستهدف تقسيم المنطقة، وحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا فليس أمام الأميركيين وبعض حلفائهم من العرب اليوم سوى الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهي فشل وهزيمة حربهم على سورية والاستعداد لتحمّل تداعيات هذه الهزيمة.

ختاماً، لا يمكن في هذه المرحلة إنكار حقيقة أنّ حرب أميركا وحلفائها على سورية ما زالت مستمرة، ولكن مع كلّ ساعة تمضي من عمر هذه الحرب تخسر أميركا ومعها حلفاؤها أكثر مما تخسر سورية، ويدرك الأميركيون وحلفاؤهم هذه الحقيقة، ويعرفون أنّ هزيمتهم ستكون لها مجموعة تداعيات، فأميركا وحلفاؤها اليوم مجبرون على الاستمرار في حربهم على سورية إلى أمد معيّن، ولكن لن يطول هذا الأمد، ليجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحرب العسكرية المباشرة في سورية، أو الاستدارة في شكل كامل نحو التفاوض العلني مع الدولة السورية، وفي كلا الخيارين أميركا خاسرة، وهذا ما يؤكد أنّ الصمود السوري على مدى خمسة أعوام قد وضع أميركا في أزمةٍ حقيقيةٍ وحالةٍ غير مسبوقة من الإرباكِ في سياستها الخارجية، وهي أزمة ستكون لها تداعيات مستقبلية تطيح بكلّ المشاريع الصهيو- أميركية الساعية إلى تجزئة المنطقة، التي كانوا يخططون لإقامتها على أنقاضها مشروع دولة «إسرائيل» اليهودية التي تتحكم وتدير مجموعة من الكانتونات الطائفية والعرقية والدينية التي ستحيط بها، حسب المشروع الأميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى