هل يكافحون الإرهاب حقاً؟

عبد الحكيم مرزوق

إلى أيّ مدى تعكس التقارير التي تنشرها المواقع الالكترونية الأميركية المصداقية والموثوقية في المعلومات التي تنشرها يومياً، أليست تلك المواقع موجودة بالأساس لتصدير السياسة الخارجية للإدارة الأميركية، وخاصة أنها تندرج ضمن المواقع الالكترونية الهامة في العالم وضمن الوسائل الإعلامية التي يتمّ تسريب المعلومات إليها كي تنشرها لتصل إلى أنحاء العالم كافة؟!

موقع «غلوبال ريسرتش» نشر مؤخراً تقريراً عن السياسة الخارجية الأميركية المعلنة للمرشح الجمهوري لكرسي البيت الأبيض دونالد ترامب الذي تحدّث في خطابه عن حكمه الذي سيكون بمنزلة قائد مؤسسات، مؤكداً في الوقت نفسه نيته هزيمة الإرهاب المتطرف تاركاً الباب مفتوحاً للمناورة تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

نتساءل في البداية: هل يمكن لترامب فيما إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية أن يحارب الإرهاب، أم أنه سيكون موظفاً مطيعاً ينفذ سياسة الإدارة الأميركية، لأنه ليس هو من يحدّد السياسة الخارجية أو الداخلية بل هو مجرد أداة لما تمليه الإدارة الأميركية التي تضمّ عشرات الآلاف من الموظفين والباحثين والدارسين ممّن يخططون لعشرات السنوات المقبلة، ويضعون الخطوط العريضة التي يجب أن يسير عليها الرئيس الأميركي ولا يمكن أن يقرّر بنفسه أيّ موضوع هامّ على مستوى العالم من دون أن تقوم الإدارة الأميركية بالاتجاه الذي لا يمكن أن يخرج عنه، ومَن يظن أنّ الرئيس الأميركي بيده كلّ شيء فهو لا يعرف أيّ شيء عن أساليب وطرق صناعة القرار في الإدارة الأميركية. فالرئيس السابق جورج بوش لم يكن ليأخذ قرار الحرب على العراق وحيداً وهو ما ظهر على الإعلام، لكن الواقع أنّ الإدارة الأميركية كانت تخطط للحرب على العراق منذ عشرات السنين، ولم يكن القرار وليد الزمان والمكان، وكلّ ما جرى قبل ذلك من أحداث أهمّها أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وإعلانه الحرب على الإرهاب والقرارات التي جاءت بعدها كانت ضمن مجموعة من السيناريوات التي وضعتها أدمغة الإدارة الأميركية وعقولها، وحتى يأتي القرار الذي يبدو أنّ الرئيس الأميركي هو مَن اتخذه، ولكن الواقع أنّ القرار كان قد اتخذ قبل ذلك بسنوات.

وهذا أيضاً ما يرسم إشارات استفهام كبيرة حول الإرهابيين الذين ينضوون تحت راية طالبان والقاعدة وداعش وبوكوحرام، بالإضافة إلى مجموعات مشابهة أنشئت ودعمت واستخدمت من أميركا كقوة امبريالية يتمّ نشرها لاستبدال الأنظمة المستقلة ذات السيادة بأنظمة تابعة أميركياً، واعتراف المرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون بأنّ أميركا هي من أوجدت هذه العصابات المجرمة لتنفيذ سياساتها في العالم.

مما يؤكد أنّ أميركا هي الداعمة والراعية للإرهاب ولا يمكن للرئيس الأميركي أن يكافح الإرهاب الذي تصنعه دولته. وما يُقال عن محاربة الإرهاب من الرئيس ومن بعض المتفذلكين ليس إلا ترويجاً إعلامياً هدفه كسب الرأي العام ليس إلا.

وإذا عدنا إلى تاريخ الولايات المتحدة الأميركية نرى جذورها راسخة في الإرهاب منذ نشوئها، وبعد ذلك في الحرب على فيتنام والمراحل اللاحقة التي جاءت لم تكن عبرها إلا داعمة وراعية للإرهاب حول العالم بدرجة امتياز ولعلنا ربما نتفق مع التقرير الصادر مؤخراً بأنّ أميركا ليست في حرب مع الإرهاب المتطرف بل هي من تدعمه بقوة كوسيلة لتمرير سياساتها العدائية ضدّ الدول، حيث إنّ هذا المشهد ليس بجديد بل تعود جذوره لزمن طويل استمرّ مع عهد كارتر مروراً بريغان وكلينتون وبوش الأب والإبن وحتى اليوم.

ولهذا لا يمكن لدونالد ترامب أن يفيد شيئاً في السياسة الأميركية وسيسير على الخط الذي يرسم له، وإلا سيكون مصيره كمصير جون كينيدي الذي أشيع أنّ أحد المهووسين هو من قام بقتله لكن الواقع يقول غير ذلك، وذلك بسبب مواقفه وسياسته التي كادت تخرج عن الخط العام للإدارة الأميركية الصهيونية التي ترى في أمن الكيان «الإسرائيلي» خطاً أحمر.

إذاً تلك التصريحات التي تبجّح بها دونالد ترامب ليس لها أيّ رصيد على أرض الواقع، فهو لن يغيّر في الواقع أيّ شيء ولن يستطيع أن يكافح الإرهاب، لأنّ الإرهاب هم مَن صنعوه، وهم مَن أوجدوه ولذلك سيكون راعياً وداعماً للإرهاب الذي يمكن أن يكون هو أحد الذين يخططون ويوجهون لتوسيعه في المنطقة العربية، لأنّ تاريخ الإدارة الأميركية موغل في الإرهاب وليس في محاربته، وهذا يتبدّى من خلال سياسة المحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية التي عمدت لتنفيذها للهيمنة على العالم من خلال إشعال الحروب وإثارة الصراعات الداخلية، ولذلك فالبديهي أنّ ترامب لن يعمل على محاربة الإرهاب، ولن يكون مختلفاً عن أيّ من الرؤساء السابقين، بل سيكون زعيماً للإرهابيين في العالم.

أخيراً كلّ ما تفعله الإدارة الأميركية وكلّ رؤسائها السابقين واللاحقين لن يغيّر في الواقع أيّ شيء، وخاصة في المنطقة العربية، فالهزيمة ستلحق بها عاجلاً أم آجلاً، لأنّ الواقع يقول إنّ الإدارة الأميركية ليست هي من تملك العقول الذكية فقط فهناك أيضاً من لديه عقول أذكى وأدهى من عقولهم التخريبية العفنة، ولكنها تستخدم ذلك الذكاء في جعل العالم أكثر جمالاً وأمناً واستقراراً بالقضاء الإرهاب ومن يموّله في العالم، ويغذيه بالأفكار الهدامة وعلى رأسها الكيان «الإسرائيلي» الذي من أجل سواد عيونه تقوم الإدارة الأميركية بكلّ ذلك التخريب والدمار في المنطقة العربية.

كاتب وصحافي سوري

Marzok.ab gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى