الرقابة على شركات الصرافة… وحدها لا تكفي

بشير العدل

الإجراءات التي اتخذها، ولا يزال يتخذها، البنك المركزي في بلادي مصر، بشأن ضبط العلاقة السعرية بين الجنيه والدولار الأميركي، والتي تتمثل في فرض رقابة شديدة على شركات الصرافة، وإنذار المخالف منها وإغلاق عدد منها، تبدو إجراءات عملية تتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية، التي تشهد ما يشبه حالة «احتكار الدولار» ومنعه من السير في القنوات الرسمية له، سواء عبر شركات تداول العملات الأجنبية، أو من خلال البنوك الرسمية.

فقد اتخذ «المركزي» إجراءات عديدة على مدار شهور مضت وتستمرّ لفترات طويلة مقبلة، لإعادة الجنيه المصري الى الحدود السعرية الآمنة مقابل الدولار، الذي وصل بدوره إلى أرقام عالية خاصة في السوق الموازية لصرف العملات الأجنبية «السوق السوداء»، والتي تتمّ داخل شركات الصرافة المرخصة عبر التعاملات غير الرسمية وبأسعار تفوق تلك التي يحدّدها البنك المركزي، وخارجها خاصة في المناطق النائية التي تتسم بضعف الرقابة من مباحث الأموال العامة، التي تنشط وبشكل ملحوظ في القاهرة الكبرى مقارنة بغيرها من أقاليم الجمهورية.

كان من بين تلك الإجراءات ما تمّ بالفعل، كطرح عطاءات دولارية لتعويض النقص لدى البنوك، وتحديد سعر الجنيه مقابل الدولار، ومنها ما ينتظر التنفيذ كطرح سندات دولارية في الخارج وأسهم داخلية بالبورصة، وكان من بين تلك الإجراءات أيضاً إحكام الرقابة على شركات الصرافة، والتي انتهى الأمر بإغلاق 47 شركة منها بعد ثبوت تلاعبها بالتعامل في الدولار.

وقد جاءت تلك الإجراءات بنتائج إيجابية وحّدت من عمليات تسلّل الدولار الى السوق السوداء، وهو ما ظهر في تراجع قيمته أمام الجنيه المصري.

غير أنّ تلك النتائج كانت وقتية ولا يمكن الاعتماد عليها في الأجل الطويل، ولا تكفي وحدها لعلاج الأزمة، لتبقى أزمة الدولار وهروبه الى القنوات غير الرسمية أزمة حقيقية في حاجة الى سياسات اقتصادية مصرية جديدة للقضاء عليها.

ومن بين تلك السياسات عندي – دفع عجلة الاستثمار، بما يتطلبه ذلك من ضرورة رفع الفائدة على المدخرات المحلية، التي يجب أن تتوجه الى الاستثمار والوصول بقيمته الى نفس قيمة الادّخار، فضلاً عن سياسات أخرى تتعلق بالاستيراد وضرورة الحدّ منه والتوجه الى الصناعة المحلية وتعزيز الصادرات التي تمثل أحد أركان الحلّ.

بجانب ذلك يجب على حكومة بلادي مصر، أن تنتهج سياسة جديدة لتنشيط السياحة، بعيداً عن الإجراءات المحلية التي أعلنتها الجهات الحكومية المختلفة وفي مقدّمتها وزارة السياحة من تشجيع السياحة الداخلية، غير أنّ التنشيط الفعلي للسياحة يتطلب جهوداً خارجية، خاصة أنّ تراجعها ليس مرتبطاً فقط بالشئون الداخلية، وإنما بالصورة الخارجية لمصر، وهو ما يفرض على جهات أخرى كالسفارات في الخارج، والهيئة العامة للاستعلامات، ووزارة الخارجية لعب دور اقتصادي مهمّ في هذه المرحلة.

إجراءات البنك المركزي الأخيرة اذن لا تكفي وحدها لمنع هروب الدولار الى السوق السوداء والإيقاع به في سلة الاحتكار، وإنما هي إجراءات ينبغي أن تسير جنباً إلى جنب مع سياسات اقتصادية أخرى، لوضع حلّ جذري لأزمة الارتفاع الجامح في سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري.

كاتب وصحافي مصري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى