التقرير السنوي لجمعية المصارف حول الوضع الاقتصادي في 2015: ارتفاع العجز العام إلى 7,8 من الناتج والدين العام إلى 138,5

أظهر التقرير السنوي لجمعية المصارف حول الوضع الإقتصادي في العام 2015، أداءً ضعيفاً للاقتصاد اللبناني كسائر السنوات الأربع السابقة التي تلت بدء الأحداث في سورية، بل كان الأضعف منذ نحو عشرة أعوام. إذ تراجع معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي إلى نحو1 في المئة في مقابل 2 في المئة في العام 2014 و3 في المئة في العام 2013 وفق المعطيات الأولية المتوافرة.

وبحسب التقرير، يعود تباطؤ النمو الاقتصادي إلى تراجع الطلب الإجمالي مع استمرار شبه الجمود السياسي والمؤسساتي والفراغ الرئاسي المتمادي منذ أيار 2014، الأمر الذي يؤثر سلباً على ثقة المستهلكين والمستثمرين معاً، وبالتالي يدفع إلى التريّث والترقب في اتخاذ القرارات المتعلقة بالإنفاق على السلع المعمّرة والقيام بمشاريع استثمارية، ما يساهم في كبح حجم مكوّنيّ الناتج المحلي الإجمالي الرئيسيين، أي الاستهلاك والاستثمار. كما يعود التباطؤ إلى تفاقم الوضع المتأزم أصلاً في سورية والصراعات القائمة في المنطقة، والتي تنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على حركة السياحة والتصدير وعلى حركة توافد الرساميل والاستثمارات المباشرة».

الوضع السياسي وتداعيات الأزمة السورية

ولحظ التقرير أنّ معدل النمو في لبنان عام 2015 عرف المنحى التراجعي ذاته الذي شهده كلّ من الاقتصاد العالمي واقتصاد منطقة الشرق الاوسط، إنما جاء أدنى من معدل نمو الاقتصاد العالمي البالغ 3,1 في المئة ومن معدل النمو في البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبالغ 3,8 في المئة ومن معدل النمو في العالم العربي والبالغ 2,8 في المئة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ معدل النمو الحقيقي في لبنان 1 في المئة و2 في المئة في كل من العامين 2016 و2017 على التوالي. وفي هذا السياق، يتطلب تحسن النمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة انفراج الوضع السياسي المحلي مع انتخاب رئيس للجمهورية والاتفاق على قانون للانتخابات النيابية من أجل إعادة الثقة وإحياء النشاط الاقتصادي، وإجراء إصلاحات هيكلية ضرورية، إضافة إلى انخفاض منسوب الصراعات الاقليمية، إذ أثبتت الأزمة السورية مدى تأثيرها الطويل الأمد على آفاق لبنان الاقتصادية.

وسجلت معظم المؤشرات الاقتصادية المتوافرة حول العام 2015 إما تراجعاً أو تباطؤاً في وتيرة تحسنها مقارنة بمستوياتها وأدائها لعام مضى، عاكسة بذلك ضعف النشاط الاقتصادي الإجمالي في لبنان المتأثر بالأوضاع المحلية والإقليمية السائدة ومن هذه المؤشرات نذكر: تحسن المؤشر الاقتصادي العام لمصرف لبنان بنسبة 2,0 في المئة فقط في العام 2015 +3.2 في المئة في العامين 2014 و2013 وهو رقم ينسجم إلى حدّ ما مع معدل النمو المنخفض وأداء المؤشرات الاقتصادية المشار إليهما.

ولفت التقرير إلى أنّ ضعف الاداء الاقتصادي المترافق مع انخفاض الأسعار بشكل عام، إضافة إلى انخفاض أسعار المشتقات النفطية عالمياً، انعكس على المالية العامة للدولة وتحديداً على نمو الإيرادات الحكومية التي ازدادت خارج إيرادات الاتصالات وعمليات الخزينة بنسبة 0,6 في المئة فقط مقارنة بالعام 2014.

انخفاض الفاتورة النفطية وارتفاع النفقات الأخرى

في المقابل، ساهم تراجع أسعار المشتقات والفاتورة النفطية في خفض أكلاف مؤسسة كهرباء لبنان بنحو المليار دولار في العام 2015، وكاد أن يؤدي هذا الأمر إلى انخفاض النفقات الحكومية بشكل بالغ لولا ارتفاع بعض النفقات الأخرى، لأسباب مختلفة، وخدمة الدين، بفعل سياسة إدارة الدين العام والتركيز على إصدارات السندات الطويلة الأجل وذات العوائد المرتفعة نسبياً، مقارنة بالسندات ذات الآجال القصيرة، وبسبب أمور أخرى تتعلق بمخاطر البلد وسياسة الاستقرار النقدي.

وأشار إلى أعباء النازحين السوريين غير الظاهرة على المالية العامة، لا سيما مع وجود أكثر من 1,5 مليون نازح سوري وما يستتبعه من زيادة الطلب على الخدمات العامة كالصحة والتعليم والكهرباء والنقل وغيرها لتزيد الضغوط على الإنفاق العام. وعليه، انخفض اجمالي النفقات من عمليات الموازنة والخزينة بنحو 2 في المئة فقط.

وفي المحصّلة، ارتفع العجز العام إلى نحو 7,8 في المئة من الناتج الاجمالي في العام 2015 من 6,2 في المئة في العام الذي سبق، في حين لم يشكل الرصيد الأولي إلا 1,4 في المئة من الناتج في مقابل 2,6 في المئة في العامين المذكورين على التوالي، لتظلّ نسبة العجز العام إلى الناتج المحلي من بين الأعلى عالمياً. ويتبيّن من خلال مراجعة الأرقام أنّ أداء المالية العامة في العام 2015 كما في السنة التي سبقتها، لم يساعد في التخفيف من التباطؤ الاقتصادي الحاصل، بل ربما يكون ساهم في حصوله.

الدين العام

وبعد استقرار نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي على 134 في المئة في السنتين السابقتين، ارتفعت هذه النسبة إلى نحو 138,5 في المئة في العام 2015 مع ازدياد الدين العام بنسبة 5,6 في المئة في العام المذكور لتتجاوز نسبة نمو الناتج المحلي الإسمي. لذلك، تعتبر تدابير ضبط اوضاع المالية العامة في لبنان وتنشيط الحركة الاقتصادية وتحفيز النمو من أبرز الأولويات لنمو مستدام على المدى الطويل ولتحويل منحى الدين العام إلى انخفاضي. كما ثمة حاجة إلى تحويل النفقات العامة أكثر نحو النفقات الاستثمارية جنباً إلى جنب مع تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك الحدّ من الهدر والتهرّب الضريبي والفساد، وكلها تدابير تدعم النمو الاقتصادي على نطاق أوسع.

وبقي نشاط القطاع المصرفي المعبّر عنه من خلال نمو الموجودات الإجمالية للمصارف العاملة في لبنان مقبولاً في العام 2015 على الرغم من تباطؤه مقارنة بالعام الذي سبق، إذ ارتفع إجمالي ميزانية المصارف التجارية بنسبة 5,9 في المئة وودائع الزبائن بنسبة 5,0 في المئة وهي تؤمّن المصدر الاساسي لموارد القطاع كونها تشكل 83,3 في المئة من إجمالي الميزانية ولا تزال الزيادة الحاصلة فيها تعدّ كافية لتغطية الحاجات التمويلية للاقتصاد بقطاعيه العام والخاص، ويعود ذلك بوجه خاص إلى نمو ودائع المقيمين التي استأثرت بما يزيد عن ثلاثة أرباع النمو الإجمالي للودائع في العام 2015. كذلك ساهمت المصارف في الحفاظ على سير العجلة الاقتصادية وبالقدر الممكن عبر التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص المقيم التي ارتفعت بما نسبته 5,9 في المئة وباتت تشكل إلى جانب تسليفات القطاع العام ما يقارب 170 في المئة من الناتج المحلي، كما ظلت مؤشرات السيولة والملاءة على مستوياتها الملائمة حفاظاً على مصالح المودعين والمستثمرين معاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى