في طريق الاعتراف بشرعية الدولة السورية… واشنطن تعتذر

محمد نادر العمري

إقرار واشنطن بما توصفه «الضربة الخاطئة لمواقع الجيش السوري في دير الزور» ومن ثم، تقديم اعتذار إلى الرئيس بشار الأسد، عبر قنوات غير رسمية وغير مباشرة هو اعتراف بشرعية الدولة السورية، ضمنياً، من جانب ومن جانب آخر، يشير ذلك، إلى رسائل متعددة، أولها أنّ التدخل في مصير الرئاسة أصبح وراء الظهر وبالتالي، الاعتراف بدور الرئيس بشار الأسد في المرحلة المقبلة، كطرف رئيسي في قيادة حلّ الأزمة.

أما الرسالة الثانية، فكانت موجهة إلى الجانب الروسي، في محاولة خلق مناخ جديد وسط زخم التأزّم السياسي بين الطرفين، خراج التفاهم من الموت السريري وإعادة ضخ الدماء إليه، من جديد بعد إقدام واشنطن على وضع «جند الأقصى» على قائمة الإرهاب.

وقد تتضمّن الرسالة الثالثة، عدم علم الإدارة السياسية الاميركية، مسبقاً، بنوايا وسلوك «البنتاغون» باستهداف الموقع السوري، ضمن ديمومة الصراع الاعتيادي والمستمرّ، بين دوائر الثقل واتخاذ القرار السياسي والعسكري، داخل الولايات المتحدة الأميركية، التي طالما كانت تعبّر عن اتفاق الجناحين في الأهداف وتصادمهما الدائم في ا ساليب.

السبب في عدم إقدام الإدارة السياسية الأميركية، على الاعتراف، بشكل رسمي، عبر بيان سياسي، يكمن في خشية إدارة أوباما من وضع الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، في مأزق محرج أمام الجمهوريين، قبيل شهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية.

كما أنّ الإدارة الأميركية، تضع في حسبانها ردّ فعل الدول الإقليمية، لا سيما التحالف «الإسرائيلي» السعودي، من إقدامه على مغامرة، قد تكون بحجمها وتداعياتها، أكبر بكثير من معركة «قادسية الجنوب»، التي عبّرت، كمخرج سياسي، عن غضب صهيوني على التفاهم الأميركي – الروسي في 9 أيلول الحالي.

الأحداث المتسارعة في المشهد السوري السياسي والعسكري وما يشهده من تقلبات وانعطافات وقلب للموازين، ستبقى فصولها تتوالى، مع ضرورة التنبّه للنوايا التركية التي تحاول استغلال الخلاف السياسي القائم بين القطبين الدوليين، في زيادة نفوذها وتوسعه، في عدوانها المباشر تحت مسمّى «درع الفرات» داخل الأراضي السورية، لترسيخ تواجد المجموعات المسلحة في مناطق متقدّمة. وبالتالي، سعيها لحجز دور أكبر في المباحثات السياسة المقبلة. وفرض مكوّن معارض، يتناغم مع مصالحها، بغضّ النظر عن الأفكار الايديولوجية التي تتبناها، هذه المعارضة. وسعي تركيا لإبعاد الخطر الكردي عن حدودها، من خلال إقامة جدار فصل على طول الحدود السورية ـ التركية، في الجانب الشمالي الشرقي ونقل حربها معهم إلى داخل الأراضي السورية، بأدوات ومجموعات سورية وبغطاء عسكري تركي، بما يقلل من الخسائر البشرية والتنموية التركية.

دوائر وساحات الصراع الإقليمي والدولي في سورية واحتمالية توسعها، تتساقط تتدريجياً مع وعي وإدراك دمشق وحلفائها، بضرورة الإمساك بزمام الأمور وعدم الاكتفاء بردود الفعل على السلوك الخارجي للدول المتدخلة في الأزمة السورية. ولعلّ التقدّم الميداني في حلب، خصوصا في استعادة مخيم حندرات وإقامة ممرات آمنة للمدنيين والمسلحين، الراغبين بتسوية أوضاعهم وعدم السماح بتسييس الملف الإنساني وإحباط المساعي المعطلة للأمم المتحدة، بتنفيذ المصالحات وتسارع وتيرتها بنكهة سورية، تمثل خير دليل على امتلاك دمشق لزمام المبادرة. كما أنّ إعلان القيادة العامة لإنهاء العمل بنظام التهدئة، نتيجة عدد من العوامل في مقدّمتها تراكم الخروقات للمجموعات الوكيلة واعتداءات الدول ا صيلة، كمحاولة ليس لإسقاط نظام الهدنة، بل للعودة عن بعض تفاصيله، خصوصا أنّ واشنطن وأدواتها في المنطقة، تدرك أنّ «جبهة النصرة» هي العمود الفقري لما يسمّونه «المعارضة المعتدلة».

أبواب «كسر العظام» فتحت على مصراعيها. ودمشق وحلفاؤها، على قرب خطوات من تسريع فرض أمر واقع وتضييق هامش وإطار الخيارات، أمام قدوم الإدارة الأميركية الجديدة.

كاتب وباحث سوري في العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى