الثابت والمتحوّل في الحرب على سورية

تماضر عباس

شهدت الحرب على سورية، خلال السنوات الست، تخبطاً كبيراً من قبل القائمين عليها. رفعوا الشعارات وأهمها شعار «أيام الأسد معدودة». وقاموا بكيل الاتهامات والأكاذيب وتجييش الإعلام وعقد المؤتمرات وتقديم الأموال والمسلحين ومع هذا، كانت كل هذه الأفعال تبوء بالفشل الذريع وسرعان ما تجعلهم ينتقلون لخطة جديدة.

وبالنظر إلى المشغّل الحقيقي لهذه الحرب، الذي هو أميركا، نرى أنها شهدت تخبطا، غير مسبوق، في سياستها تجاه سورية. وكانت تبدو وكأنها تحاول الإمساك بجسم هلامي، فلا تتمكن من إحكام قبضتها عليه، لم توفر جهداً، منذ أن بدأت مشروعها «الربيع العربي» لإحداث شرق أوسط جديد، تسوده فوضى خلاقة، تكون الجو المناسب والملائم، لمصالح أميركا وحلفائها، خصوصا «إسرائيل».

فمن سلسلة الأكاذيب المفبركة إعلاميا، على مواقع التواصل وسلسلة الانشقاقات ومحاولة ضرب مؤسسة الجيش وخلق «الجيش الحر» إلى مؤتمرات «أصدقاء سورية»، إلى اجتماعات مجلس الأمن والجمعية العمومية وحتى الجامعة العربية، إلى سحب السفراء وإعلان العقوبات والتضييق المالي، إلى خلق «داعش» ورعاية التنظيمات المسلحة، إلى محاولة تقسيم سورية واللعب على ملف الأكراد، ثم التحول عنه.

وبما أن إحداث تحول حقيقي عسكري على الأرض، كان موضوعا شبه مستحيل، بعد فشل كل المحاولات، سواء أكانت محاولات خلق مناطق عازلة، أو القدوم بأسطول ومحاولة توجيه ضربة لسورية ولو بصاروخ واحد، ما كان أمام أميركا إلا محاولة الامساك بفصيل يحارب على الأرض، أغلبه من السوريين وتحويله للعملية السياسية، لأن جميع من راهنت عليهم أميركا من المعارضين، لم يكونوا أكثر من مجرد أسماء مفردة، لا خلفيات شعبية لديها ولا قوة حقيقية لها، على الأرض، أقصى أحلامهم منصبا سياسيا، تحول، فيما بعد، إلى شقة على البوسفور، أو في أحد الشوارع الأوروبية الفاخرة. فكان الرهان على «النصرة» أقوى الفصائل على الأرض، بأكثرية سورية. وهنا، أيضا، لم تنجح أميركا، فقد اضطرت إلى أعلان «جبهة النصرة» فصيلا إرهابيا، فحاولت استخراج ما أسمته «معارضة معتدلة» ممن سوف ينفصلون عن «النصرة» والخروج بهم إلى العملية السياسية. وكانت المحادثات الأميركية الروسية، التي بدأت من قمة العشرين وخرجت من جنيف، بعد ساعات طويلة ومضنية لإعلان هدنة، ما لبثت أن انتهت أثر الضربة التي وجهها سلاح الجو الأميركي للجيش العربي السوري، في جبل الثردة بدير الزور. وعلى الرغم من محاولة أميركا إظهار تلك الضربة، على أنها حدثت بطريق الخطأ، إلا أن بياناً للجيش السوري، صادرا عن القيادة العامة، أعلن أن مقاتلات للتحالف الأميركي، قصفت أحد مواقعه العسكرية في محيط مطار دير الزور، عند الساعة 17.00 من مساء يوم السبت، ما أسفر عن وقوع خسائر بالأرواح والعتاد ومهد، بشكل واضح، لهجوم إرهابيي «داعش» على الموقع والسيطرة عليه. وقالت القيادة العامة: هذا العمل يعد اعتداءً خطيراً وسافراً، ضد الجمهورية العربية السورية وجيشها. ودليلاً قاطعاً على دعم الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، لتنظيم «داعش» الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى. ويفضح زيف ادعاءاتهم في محاربة الإرهاب. مما أدى إلى وقف العمل بالهدنة. وعلى الرغم من المحاولات الأميركية لتوريط سورية، بمسألة القصف على قافلة المساعدات الخاصة بالهلال الأحمر، الآتية من تركيا، إلا أنها لم تنجح أيضا. فشل، ثم فشل، يليه فشل آخر، تمنى به أميركا في سورية. لم تستطع الإمساك بفصيل مسلح، أو مكون سكاني، أو معارض سياسي يمكنها الاعتماد عليه. وهذا يعيد الأميركيين إلى حقيقة مرة، سبق أن اعترفوا بها، بلسان رئيسهم قبل عامين وحاولوا الانكار والتغلب عليها، لكن يبدو أنها أقرب ما يصف حال المعارضة وهو حديث للرئيس باراك اوباما، في مقابلة تلفزيونية مع شبكة «سي. بي. إس. CBS» الأميركية. حين رد على سؤال فيما إذا قررت واشنطن دعم قوات المعارضة المعتدلة، في سورية، فهل سيكون هذا الفراغ موجوداً، فأجاب أوباما: «فكرة وجود قوة سورية معتدلة جاهزة لهزيمة الأسد، ليست صحيحة. وبالتالي، بكل الأحوال، الفراغ سيكون موجوداً». وأوضح أوباما أن إدارته «استهلكت وقتاً كبيراً في العمل مع المعارضة السورية المعتدلة»، لكن وجود معارضة مثل هذه، قادرة على الإطاحة ببشار، يبدو الأمر غير واقعي و»فانتازيا»، بحسب تعبيره.

ويعد تصريح أوباما، بمثابة نعي لأي وعود سبق أن أطلقت بشأن تسليح «المعارضة المعتدلة». كما يؤكد على سياسة الرئيس الأميركي الانكفائية، لاسيما تجاه سورية، حتى لو كان ثمن ذلك «الفراغ» الذي سيؤدي إلى فوضى عارمة، بشكل أو بآخر. بالطبع، أميركا تمنت كثيراً لو تستطيع أن تدخل «الناتو» إلى سورية وتجعلها قواعد لها وتخرجها من المعادلة المقاومة وتقضي على حزب الله وتريح قلب «إسرائيل» المتعب. وبالطبع، هي لم تستطع أن تفعل أي شيء من هذا، فلجأت للمعارضة ولـ»داعش»، حيث الجيوش الجاهزة لبذل الدم والموت والخونة من سورية وخارجها وللعرب جميعا وللأتراك وللمخابرات وللأموال السعودية وأيضا، لم تنجح. فباعت حلفاءها وغيرت تموضعاتها وبدلت مواقعها وتخلت عن بعض اهدافها، مثل اسقاط معادلة الرئيس بشار الاسد وأيضا لم تنجح. ليس هذا لأن أميركا دولة ضعيفة، بل لأن في لعبة الثابت والمتحرك، يقف الثابت صامداً ومدافعاً عن خطوطه الحمراء، فالحلف السوري مع حزب الله وإيران وروسيا، أعلن أن سورية دولة موحدة، لا تقسيم لها ولا أرهاب فيها، يكون مدخل أميركا للعالم. فمن يريد أن يأتي تحت مظلة الديمقراطية وصناديق الانتخاب، أهلا به. ومن لم يرد، فعليه أن يختار بين الجنسية التركية، أو الموت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى