هكذا «بقّ خليل البحصة» فقلب بري الطاولة… وطارت الرئاسة من جلسة 31 الحريري «يقرّش» الإعلان وتأجيله… وحزب الله لمزيد الوقت ولا انتخاب بلا بري

كتب المحرّر السياسي

تتزامن مساعي التهدئة في كلّ من اليمن وحلب، بينما تشتعل المعارك على جبهة الموصل، في تركيز يريد له الأميركيون أن يظهر الحرب التي يقودونها هناك ضدّ داعش كمصدر رئيس في صياغة الرأي العام الأميركي عشية الانتخابات الرئاسية، بينما أعادوا الروح لمبادرة وزير الخارجية جون كيري حول اليمن بما يمنح وقف النار المعلن الخميس فرصة التجديد بعد الأيام الثلاثة المقرّرة، والتمهيد لاستئناف المفاوضات السياسية. بينما يتوقع أن تبدأ نتائج اجتماع الخبراء الذي يبدأ في جنيف اليوم برئاسة أميركية روسية مشتركة ويضمّ عسكريين من البلدين وضباطاً معنيين بالحرب في سورية والعلاقة بالجماعات المسلحة فيها من كلّ من تركيا والسعودية وقطر، في مهمة تمّ الاتفاق عليها في لقاء لوزان السبت الماضي، وقوامها السير بمبادرة المبعوث الأممي في سورية ستيفان دي ميستورا نحو إحدى نهايتين، خروج النصرة أو خروج المسلحين كافة.

بانتظار نهاية الأسبوع تتبلور نتائج أولية لمعارك الموصل واتجاهها، ومستقبل انتشار تنظيم داعش بعد خسارته المتوقعة فيها، فيما تبدو كلّ من التهدئة في جبهات اليمن وحلب واجتماعات الخبراء والمحادثات اليمنية والسعودية التمهيدية التي يجريها المبعوث الأممي في اليمن، ما إذا كانت ستفتح مجدّداً الباب للمسارات السياسية.

في لبنان، استهلاك حتى الثمالة للوقت المتبقي حتى نهاية الأسبوع بحبس أنفاس رئاسي، تبدو نهايته الأقرب تأجيل الآمال بالإنجاز في جلسة نهاية الشهر الحالي، بحثاً عن فرصة لتفاهم يضمّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى التحالف الذي يسعى حزب الله لتكوينه وصولاً لانتخاب العماد ميشال عون، والذي لا يمكن قبوله بدون الرئيس بري، وفقاً لمصادر قيادية في حزب الله، ولا قبول التنافس والتمايز الديمقراطي معه، فالشراكة هنا مصيرية ولا فكاك فيها، وبذل الوقت لحمايتها هو أقلّ استثمار ممكن، بعدما بات مستحيلاً التعامل مع الأمور في الكواليس، مع الكلام العلني الذي أراده بري منعاً للتهوين والتبسيط، وتصوير موقفه كنوع من العتب، أو الزعل، أو الأخذ على الخاطر، واعتبار القضية وقوفاً على خاطره ومراضاة لمشاعره، ومنعاً مقابلاً لتصوير موقفه طلباً لمحاصصة، يظهر سواه ترفعاً عن الخوض فيها، وفقاً لما تقوله مصادر قيادية في حركة أمل، بينما هؤلاء قد أنهوا المحاصصة.

قرّر بري قلب الطاولة الرئاسية، قائلاً إنْ استقامت الرئاسة في عيون حزب الله بدون شراكة كاملة لبري، فليمنح بركته لتفاهم الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون، وإنْ كان الأزرق والبرتقالي لا يكفيان لنيل الأخضر ولا بدّ من حركة أمل فلنا الحق بوقت يعادل ما استهلكته محادثات الأزرق والبرتقالي، ونبدأ من الصفر جميعاً. وتقصّد بري صدور كلامه قبل الموعد المرتقب لإعلان الحريري تبنّيه لترشيح عون، ليل أمس أو ظهر اليوم، وقبل لقاءات ينوي عون القيام بها بداية من عين التينة فور الإعلان الحريري، وقبل أن يخرج عن النائب وليد جنبلاط أيّ موقف يلزمه رئاسياً، فارتبك المشهد، وتسارعت الاتصالات، وبدأت عمليات التقييم، بعدما بقّ وزير المالية علي حسن خليل بحصة التصويت ضدّ ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية.

بلّغ بري رسالته وارتاح، لينشغل الآخرون، وأول الأصداء، رغم الانفعالات السريعة التي ظهرت حول كلامه، ما قالته مصادر مطلعة لـ «البناء» أنّ الرئاسة تنتظر، لكن البلد لا يمكن أن يسير بتفاهمات لا يكون الرئيس بري عنوانها وليس مجرد جزء منها، وأنّ التفاهمات ضرورة، وليست تبويس لحى، بل بحث للقضايا والاستحقاقات والتحديات وفي قلبها آليات تكوين مؤسسات السلطة وأعرافها، وفقاً لفهم موحّد لاتفاق الطائف يصحّح ما يشكو الآخرون من كونه اعوجاجاً تمادى طويلاً من دون الوقوع في اعوجاج أشدّ خطراً، وعلى رأس آليات تكوين السلطة قانون الانتخابات النيابية، وتشكيل الحكومات، والخروج من الثنائيات والثلاثيات، فالبحث لا يتمّ بشروط وسلال، كثمن للقبول بالسير بالانتخاب الرئاسي، بل بتفاهمات سياسية بين كتل نيابية، يتوّج بتبني مرشحي هذه الكتل لمناصب دستورية رفيعة كرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.

الحريري أبلغ كتلته الموقف الحاسم…

لم يعلن الرئيس سعد الحريري ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، كما كان متوقعاً بل أبلغ كتلته النيابية خلال اجتماعها أمس، برئاسته في بيت الوسط موقفه الحاسم بأنه سيمضي بترشيح عون بحسب ما علمت لـ «البناء» من مصادر الكتلة، بينما خلا بيان الكتلة من أي إشارة تتعلق بموعد إعلان الترشيح وجاء بعيداً عن الاتهامات المعهودة لحزب الله بتعطيل انتخاب الرئيس.

وإذا كانت الأجواء قد أوحت بأن هناك تقدماً إيجابياً وجدياً في موقف الحريري تجاه عون، لكن توقيت وطريقة إعلان الترشيح يبقيان ملك الحريري نفسه حينما يرى الوقت المناسب». ولفتت المصادر الى أن «رئيس تيار المستقبل سيستكمل مشاوراته ولقاءاته واتصالاته في الأيام القليلة المقبلة في محاولة حثيثة لتأمين أكبر قدر ممكن من التوافق السياسي الوطني حول ترشيح عون. كما وأطلع الحريري الكتلة على جولته الخارجية كعناوين عريضة ولم يدخل بالتفاصيل، لكن الأجواء الدولية والإقليمية إيجابية الى حد ما، وهناك شبه مظلة إقليمية دولية لإخراج الرئاسة من عنق الزجاجة، إلا أن الحريري شدد على أن الوضع الإقليمي يشهد تعقيدات وأزمات متفجرة ولا يبدو في الأفق أي تسويات في المدى المنظور. ومن هذا المنطق أبلغ كتلته النيابية أنه يجب السعى بأسرع وقت كي نؤمن انتخاب الرئيس قبل أن تتجه الأوضاع في المنطقة نحو الأسوأ ويدفع لبنان الثمن».

وشدّدت المصادر المستقبلية على أن «الحريري جدي الى حد كبير في انتخاب رئيس والخطوة التي يقوم بها تجاه عون ليست مناورة، ولكنه يأخذ وقته كي يؤمن المستلزمات لإنضاجها وكي لا تكون دعسة ناقصة في المجهول ويتكرر سيناريو ترشيح فرنجية». فـ «القناعة لدى الحريري كانت موجودة في السابق بانتخاب عون، لكنه كان يتلمّس الظروف المحلية والاقليمية والدولية المؤاتية». وأوضحت المصادر أنه إن «رأى الحريري أن الظروف مؤاتية للإعلان عن ترشيح عون فعلى الأخير أن يقوم بالجهد المطلوب منه ويعرض مبادرات تجاه الرئيس نبيه بري، ولا يستطيع الحريري أن يلقي على عاتقه كل الحمل ويدفع كل الأثمان». ونفت المصادر أن «يكون الحريري قد حدد توقيتاً لإعلان الترشيح»، مشددة على أن «الحريري قام بالمطلوب منه واتفق مع عون على خطوط عريضة».

وأشار بيان كتلة المستقبل الى أن المهمة المركزية والأساسية للنواب والقوى السياسية الآن هي العمل لانتخاب رئيس للجمهورية، وفقاُ لأحكام الدستور وبالتوازي مع ذلك، ينبغي الحرص على تفعيل عمل المؤسسات الدستورية، وتحديداً مجلس النواب ومجلس الوزراء».

زحمة موفدين إلى عين التينة وبيت الوسط

وفي غضون ذلك شهد بيت الوسط، كما عين التينة حركة سياسية لافتة وزحمة موفدين ولقاءات ومواقف عكست تباينات في الآراء حول الرئاسة، وإن ارتفع منسوب التفاؤل بقرب تصاعد الدخان الأبيض الرئاسي.

وعقب انتهاء اجتماع كتلة المستقبل، التقى الحريري وزير المال علي حسن خليل موفداً من بري وناقشا المستجدات الرئاسية لدقائق عدة، غادر بعدها خليل من دون الادلاء بأي تصريح، وأوضح لاحقاً في تصريح، «أنني لم أتحدث اليوم عن ثنائية مسيحية سنية ولم أستخدم هذه التسمية على الإطلاق»، لافتاً إلى أن «ما انتقدته هو الثنائيات السياسية».

وكان خليل قد قال من مجلس النواب في دردشة مع الإعلاميين: «لن نقاطع جلسة انتخاب الرئيس، ولكن لن نمشي مع العماد عون وسنصوّت ضده وننتقل الى المعارضة»، موضحاً أن «المشكلة مع عون لا تُحلّ بمجرد زيارة».

وعلمت «البناء» أن «خليل أبلغ الحريري رسالة من بري مفادها أن رئيس المجلس يرفض الاتفاقات الثنائية التي جرت بين عون والحريري، وأنه في حال أعلن الحريري الترشيح فلن يؤيده بري، كما لن يصوّت له في المجلس ولن يشارك في أي حكومة يشكلها الحريري».

وفي السياق، لفتت أوساط تيار المستقبل لـ «البناء» الى أن «الحريري يدرك هواجس بري ويتفهمها ومسؤولية عون أن يبدّدها»، ونفت المصادر «أي تشكل ثنائية مسيحية – سنية ضد الشيعة، بل إن البلد للجميع ويحتاج للشركاء وهيمنة إحدى الطوائف أو طائفتين على الآخرين منطق مرفوض»، مؤكدة أن «بري شريك أساسي في التركيبة الداخلية وعلى عون أن يطمئنه، مستبعدة أن يتمّ انتخاب رئيس بلا مشاركة وموافقة رئيس المجلس». وأوضحت أن إعلان الترشيح لا يعني الانتخاب في وقت قريب بل ستعقبه مرحلة مشاورات يمكن أن تمتد فترة طويلة تحتاجها التسوية لتذليل العقد الداخلية، كما واستبعدت المصادر «أن تحصل عملية الانتخاب في جلسة 31 الشهر المقبل في ظل التباين في المواقف الداخلية». وعن العلاقة بين الحريري والنائب وليد جنبلاط قالت المصادر: «التواصل بين الطرفين موجود لكن عبر قنوات».

ثم استقبل الحريري مساءً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في بيت الوسط.

وفي حركة فرنسية بارزة قام رئيس دائرة افريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية جيروم بونافون بجولة على القيادات، والتقى على التوالي عون وباسيل وفرنجية، وكان الملف الرئاسي والواقع الاقتصادي مدار بحث.

ولم يكد ينته اجتماع المستقبل حتى حطّ وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي في عين التينة ضمّ تيمور جنبلاط والوزيرين وائل أبو فاعور وأكرم شهيب والنائب غازي العريضي والتقوا بري بحضور النائب حسن خليل، ودار الحديث حول التطورات الراهنة والاستحقاق الرئاسي. وقال العريضي بعد اللقاء: «نتفهّم موقف الرئيس بري وهو يتفهم موقفنا، ولا مشكلة بيننا، نحن بانتظار ما يستجد من أمور سيكون لنا موقفنا، نحن لقاء ديمقراطي ولدينا مرشح منذ شهور هو النائب هنري حلو، وحتى الآن ليس ثمة شيء نهائي وعندما يحصل أي تطور لكل حادث حديث».

وقالت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ «البناء» إن «زيارة الوفد الاشتراكي هدفها تنسيق المواقف بين الطرفين والتي بدت متقاربة من مسألة الرئاسة ولرفض الاتفاقات الثنائية». وأبدت المصادر «ترحيب بري بموقف الوفد ووصفته بالإيجابي والقريب من موقف بري».

وأضافت المصادر أن «موقف بري واضح، فهو ضد الاتفاقات الثنائية والثلاثية. ويعتبر أنها لا تؤمن المصلحة الوطنية العامة، ولذلك الكتلة لن تصوت لعون بل لفرنجية في الجلسة النيابية، واذا لدى عون الثقة بأنه يملك الأكثرية النيابية فلينزل الى المجلس ولتحصل عملية انتخاب ديمقراطية، وإذا فاز فسنهنئه وسنكون في ضفة المعارضة، وحتى لو رشح الحريري عون سيبقى مرشحنا فرنجية. ونحن مستعدون للتفاهم والحوار مع عون وأي قوة سياسية لكن لن يتم الإجماع على عون».

عون إلى عين التينة؟

وقالت مصادر في تكتل التغيير والاصلاح لـ «البناء» إن «الأجواء تفاؤلية والمسار الرئاسي يسير بجدية وواقعية، والتكتل ينتظر الموقف النهائي للحريري وبعدها مرحلة جديدة، وسنرى ما الذي يمكن فعله»، مرجحة أن «يعلن الحريري قريباً موقفاً واضحاً من ترشيح عون الذي سيتوجه بعدها الى عين التينة وبنشعي ويبدأ مفاوضات جديدة مع الرئيس بري والوزير سليمان فرنجية».

وأوضحت المصادر أن «الحريري يتريث في إعلان الترشيح ويعمل على تهيئة الأجواء على طريقته داخل كتلته بداية ومع القوى السياسية ثانياً، ويحتاج الى مزيد من الوقت ونحن سنعطيه الوقت الكافي لتظهير موقفه وهو قادر على أخذ المبادرة والموقف». ونفت أن يكون سبب تريث الحريري عدم نضوح الوضع الاقليمي، مضيفة: «لم يكن في السابق أي عقد خارجية، فالسعودية أعلنت أن الرئاسة شأن داخلي وتدعم ما يتفق عليه اللبنانيون».

ونقلت المصادر عن عون ارتياحه لـ «مسار الرئاسة وأنه يرى إيجابية ولا يجد أي عقد داخلية وعند إعلان الترشيح لديه عملية متكاملة للحوار مع القوى السياسية المعارضة لوصوله الى بعبدا».

وأكد تكتل التغيير والإصلاح في بيان خلال اجتماعه أمس أن «أي كلام عن الثنائية المسيحية – السنية هو كلام غير مسؤول وغير مقبول، وهو يصب في فتنة نأمل ألا تكون مقصودة وسوف نتصدّى لها في مطلق الأحوال، فنحن نرفض أن يهددنا احد او يهدد اللبنانيين بحرب أهلية وما شابه بكلام يخرج عن الأجواء السائدة. ونحن لا يُقال لنا مثل هذا الكلام والكل يعرف عصبنا وليس تعصبنا. ونحن ابناء التفاهمات الواسعة الوطنية، ونهج العماد عون هو الانفتاح والاستيعاب والميثاق، كما قلنا، وهو نهج يشمل كل المكونات».

.. وجلسة تشريعية اليوم

على صعيد آخر، دعا الرئيس بري الى جلسة تشريعية تعقد اليوم قبل الظهر وبعده لدرس وإقرار جدول الأعمال الذي أعلن بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس أنه سيشمل قانون الانتخابات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى