التوازنات الجديدة التي صنعها مقاومونا البواسل

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

اقتربنا فعلاً من لحظة الحسم. اللحظة التي نريدها جامعة ومعبّرة عن وحدة اللبنانيين وإرادتهم في الخروج من هذه الأزمة التي استمرت لأكثر من سنتين. إنّ اختيار العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية هو اختيار صائب. صحيح أنّ التوازنات الخارجية والداخلية لها الدور الأكبر في تزكية اسم العماد لكن الرجل لا يأتي من فراغ ولا يحتاج إلى منصب ليكبر فيه، بل إنّ حضوره ودوره ومشروعه ومواقفه والمواصفات التي يتمتع بها هي بمجموعها حتّمت أن يكون في موقع المسؤولية الأولى في البلاد. قد يقول البعض فما بال المرشحين الآخرين أليسوا أهل كفاءة وأهلية لتولي منصب الرئاسة؟ والجواب: إنّ القضية ليست في إجراء فحص حول الأشخاص فقط، بل تجب مقاربة ملف الرئاسة من زوايا متعددة ووفقاً للتوازنات والظروف التي تحتم على شريك أساسي في نصر 2006 وعلى صاحب موقف غير مهادن مما يجري اليوم من هجمة استعمارية جديدة وتكفيرية مستحدثة أن يكون في سدّة الرئاسة، ليكمل جهوده في حماية لبنان والمنطقة التي دخلت في أتون الفتن والتقسيم والتهجير الطائفي والعرقي. والعماد عون هو أفضل من يمثل لبنان في التوازنات الجديدة التي صنعها مقاومونا البواسل من جنوب لبنان حتى حلب.

ترى الغالبية الساحقة من المسيحيين أنّ العماد عون يمثّلها بعد سلسلة من الإحباطات التي أدّت إلى تراجع الحضور المسيحي في السياسة والدولة والإدارة. وهذا صحيح. ولكن الأهمّ أنّ العماد عون يمثل حالة وطنية نريدها جميعاً في إطار التغيير الذي يجب أن يلحق لبنان والمنطقة في سياق التعاون والتعايش والحرية لشعوب المنطقة، بل ويمثل القوة السياسية والأخلاقية في وجه الطغيان الإسرائيلي والعنصرية الصهيونية وفي وجه العبثية التي تخرّب بلادنا.

نعم، نحن في لحظة مفصلية تتطلب الجرأة والشجاعة والواقعية. ومن اختار العماد عون نريده أن يسعى لتعزيز قوة لبنان وحماية هذا الوطن من ارتدادات المنطقة المرعبة، وأن يعمل للتعاون معه كي يكون العهد الجديد عهداً وفاقياً يشعر فيه اللبنانيون بالتغيير والإنتاجية.

هذا الاختيار سيوفر مظلة سياسية وأمنية ضرورية للبنان، إذ من المحتمل أن نواجه جميعاً تحديات قاسية تحتاج إلى رجل يثبت في الأرض ولا يتزحزح قيد أنملة دفاعاً عن اللبنانيين كلّهم، مسلمين ومسيحيين. وبالتأكيد إنّ وصول العماد عون إلى سدة الرئاسة هو ربح كبير لمنطق المقاومة التي تعزَّز حضورها الاستراتيجي في وجه العدو الإسرائيلي. لكن يجب القول إنّ المقاومة ليست منحصرة في جهة أو في عمل محدّد، ولذلك نحن بحاجة إلى المقاومة في كلّ المواقع والميادين لتحصين ساحتنا وعيشنا وبقائنا. فلا يبقى موقع الرئاسة الثانية هو الموقع الوحيد في الدولة الذي يمارس فعل المقاومة بل نطمح أن يصبح موقع الرئاسة الأولى والثالثة وكلّ مواقع الدولة الأخرى الأمنية والإعلامية والقضائية تتحرك على إيقاع المقاومة بانسجام واتساق وتعاون لحماية السيادة والحدود من عدوان الطامعين والمستكبرين، وهذا يتطلّب جهداً من الرئيس العتيد للانفتاح على القوى كلّها ومحاورتها واحتضانها حتى يكون لبنان نموذجاً في الصمود والتعاون والوحدة والتعايش.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى