محمد إقبال حرب لـ«البناء»: دخلتُ أعماق الممنوع و«غاويتي» تحطّم القيود

هناء الحاج

يعتمد الكاتب والروائي اللبناني محمد إقبال حرب على الجرأة في طرح أفكاره في القصيدة والرواية والكتاب والنقد، لا لكونه يهوى الجرأة، بل لأنه يلامس حقائق الأمور، فإن لم يتكلم بلغة الناس تكلم عن همومهم، وإن لم يشعر بكلمتهم تحدث عن قصائدهم بلغة أدبية راقية.

في معظم رؤياه الأدبية، يعمد محمد إقبال حرب الى قراءة الحديث وسرده بواقعيته، ففي روايته السابقة «الحقيقة» تحدث بألسنة غير «آدمية» لتكون الجرأة أقل وقعاً. أما في كتابه «موت عاشقة» فاقترب من جرأة الكلمة والتعبير، وفي «عاشق النسيان» كان الأكثر رومانسية في جعل الأفكار مطواعة في حضرة الإنسان.

لكن حين يقول الأمور واضحة وعلى حقيقتها يتغير التعبير الانتقادي. ذاك ما حصل مع روايته الأخيرة «هنا ترقد الغاوية» التي نالت إعجاباً مميزاً، ليس لكونها تتضمن حقائق مجتمعات بالية لا ترى الشرف سوى من مكان معين، بل لكونها تكشف عري التقاليد وبلاهة المتعلقين فيها، تحت تسميات مختلفة «الشرف… العذرية… المحرمات…» بعيداً عن الالتزامات الإنسانية كافة.

لعلّه جزء مختصر وقصير لما قد تتعرض له الرواية، وليس كاتبها فحسب، ما دفع بالقيّمين على رقابة الكتب في الكويت إلى منع الرواية من التداول.

حول سبب المنع التقت «البناء» الكاتب والروائي محمد إقبال حرب وحادثته عن روايته التي حصدت إقبالاً وقبولاً من الرجال قبل النساء، إذ تتحدث عن قضية مفصلية في حياة مجتمع بأكمله هي قضية الاغتصاب، واتهام المغتصبة ومحاكمتها، وربما إعدامها…

كيف تختصر روايتك الأخيرة «هنا ترقد الغاوية»؟

ـ رواية «هنا ترقد الغاوية» هي رحلة عناء وشقاء بين أنياب المجتمع التي تنهش روح الأنثى وجسدها على حد سواء ومخالب العصبية والجهل التي تقض مضاجعها بويلات القذف والرجم والوأد. رحلة تنتصر فيها الضحية «الغاوية» التي تقف بجرأة وثبات في وجه العاصفة بمؤازرة أصحاب العلم والمعرفة لتخرج من عالم الانطواء والمذلة وتحطم قيود الاستعباد، بينما يتهاوى، إلى حد أنّها دفنت فيه حية أمام عزيمتها لاسترداد روحها من النخاسين والمستعبدين. قد يكون صعباً اختصار تجربة مؤلمة في حياة إنسان. حيّكت رواية بطريقة سردية ودخلت فيها الى أعماق الممنوع من الموروثات الاجتماعية. قد يكون بعضها موبوءاً وبعضها خانعاً، فيما الأكثرية الصامتة تحترف الإجرام وتحلل مفاهيمه، لتتحول مع الأيام الى أعراف موصوفة بالرجولة، أو بخنوع النساء وصمتهن. أما العنوان الرئيس المختصر لروايتي «هنا ترقد الغاوية» فهو الاغتصاب، وصراع الحب والحب مع الشر يفتح أبواباً خلفها أسرار من حالات اغتصاب. المغتصبة فيها متهمة بشرفها، مطعونة بكرامتها، فالمغتصب قد يتحوّل الى ضحية وغاية، فتصير هي المغرية الزانية بنظر بيئة ومجتمع ذي أعراف خاصة حيكت على قياس رجالاتها وتقاليدها المحبوكة أساساً.

لمتابعة التفاصيل والاقتراب من حقيقة الأمور لا بد من القراءة والاطلاع.

هل يمكن لمضمون رواية أن يتسبّب بمنع عرضها في الأسواق؟ ما هي في رأيك أسباب منع الكتاب في الكويت؟

ـ يفترض أن يكون مضمون أي رواية خلاصة فكر يوجهها الكاتب إلى مجتمعه والعالم من خلال ما يكتب. وغالباً ما تكون الرسالة على غير هوى صاحب الأمر الذي غالباً ما يكون عاجزاً عن المواجهة الفكرية بالحوار والمنطق فيعمد إلى إسكاته. وأسهل الطرائق إلى ذلك مصادرة كتبه لمنع العامة من التأثر بالفكر «الغريب» عن هوى الحاكم أو الفكر الثائر الذي لا يرضاه الحاكم. فشل الحاكم في إسكات فكر ما يدفعه نحو إجراءات أكثر تعسفاً إن استطاع لذاك سبيلاً، استناداً إلى مدى الخوف الذي يعتريه من وباء العلم والمعرفة. أما لماذا صودرت الرواية في الكويت فلا أعلم لأنّني لم أحصل على تعليل خطّي لمصادرة الرواية، علماً أن الكويت من الدول التي تتمتع بحرية فكرية وإعلامية منذ عهد بعيد.

كيف يمكن لكاتب أن يتحرّر من فكرة الرقابة؟

ـ لا أعتقد أن الكاتب المؤمن بفكر ورسالة لا توافق هوى أصحاب الرأي قادر على التحرّر من الرقابة، إلاّ بالتنازل عما يؤمن به إرضاء لممتلك السلطة وخضوعاً لجبروته فتسقط عنه صفة الكاتب الحر. قد يلجأ البعض إلى الكتابة والنشر في بلد آخر فيخسر بذلك روح البيئة التي يكتب لها ولأجلها. لكنه قد يكون مضطراً إلى ذلك رغم ظروف لا يستطيع التحكم فيها. لذا أؤمن بأن قدرة الكاتب على الصمود ومراوغة أجهزة الرقابة الفكرية من دون التنازل عن قيمه ورسالته أمر مقدس يمنحه صدقية أكبر.

ما هي معايير الرقابة في نظرك؟

ـ لن أتكلم عن مفهوم الرقابة ومعاييرها في النظام، فللأنظمة قدرة على تحوير تلك المفاهيم والمعايير وتغييرها بسرعة فائقة. لكني أرى معايير شخصية يلزم الكاتب بها نفسه كي يوصل رسالته بقدر كاف من الالتزام الأخلاقي والمهني إن جاز التعبير. على الكاتب أن يراعي الذوق العام وأن يعمل على رفعه إلى مراتب أعلى، وأن يأنف من تناول المواضيع التي تتخذ طابعاً شخصياً إن باستعمال الألفاظ غير اللائقة أو التشبيهات البذيئة، فهي تنعكس على صدقيّته وشفافية فكره. الأهم من ذلك أن ينبع حرفه من عمق المجتمع وحوادث الساعة فيرى بعين بصيرة ما لا يراه المواطن العادي ويستشف روح المعاناة قبل أن تستفحل فيكتب بجرأة من دون تهور ومن دون مراعاة الحاكم كي يظفر برضاه. وعلى الكاتب أن يكون واضح الفكرة جليّ المعنى يكتب بلغة رزينة متينة كي تصل رسالته واضحة المعنى، عميقة التأثير في مجريات الأمور فيحدث تغييراً. أؤمن بأن هذه المعايير وغيرها من المعايير الأخلاقية هي الرقابة الحقيقة، سواء رضي الحاكم أو لم يرض لأن هدف الكاتب هو إيصال رسالة واضحة بعيدة عن التأثر بالسلطة وتهديداتها بالمصادرة والسجن والمطاردة. وأذا لم يكن الكاتب قادراً على أن رقيباً على نفسه فسيكون أداة يستغلّها كثر لمآرب لا تمت إلى فكره بصلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى