الخبر الثقافي

فقدت الأوساط الثقافية العراقية، قبل أيام رمزاً من رموز القرن العشرين هو عميد المؤرخين العراقيين سالم الآلوسي، عن عمر 89 سنة، وشيعت بغداد جثمانه إلى مثواه الأخير صباح الأربعاء الفائت.

وحفلت حياة الفقيد بإنجازات ثقافية كبيرة وتبوأ عدة مناصب رفيعة، إنّما غلب عليه حب الوثائق والاهتمام بها، وفي الستينات من القرن الماضي كانت محطة التلفزيون العراقية تستقبله أسبوعياً ليقدم برنامجه الذي حظي باهتمام شعبي واسع «الندوة الثقافية»، لتسليطه الضوء على مواضيع مهمة، مثل تاريخ مدينة بغداد، والتاريخ الإسلامي، والوثائق القديمة، والآثار، والشخصيات المؤثرة في المشهد الثقافي آنذاك.

استضاف الفقيد الآلوسي في برنامجه شخصيات علمية قريبة من الناس وتتحدث بلغة مفهومة سهلة وفي مختلف الاختصاصات، متناولة المواضيع الثقافية المهمة، وكان بين تلك الشخصيات العلامة الراحل مصطفى جواد الذي كان يتحدث عن بغداد وتاريخها والمدارس العلمية القديمة فيها وقصور الخلفاء وآثارهم، كما استضاف الدكتور الراحل أحمد سوسة الذي تحدث عن حضارة بلاد ما بين الرافدين سومر وأكد وبابل، والراحل كوركيس عواد وشقيقه ميخائيل عواد، وفؤاد عباس وجعفر الخليلي والدكتور علي الوردي، وآخرين.

ولد الفقيد الآلوسي في سوق حمادة، إحدى محلات بغداد القديمة في الكرخ، من أسرة دينية معروفة، وأكمل دراسته الابتدائية والإعدادية في بغداد، ولظروفه المعيشية الصعبة عمل في دائرة المتحف العراقي، وعام 1952 كان على مقاعد الدراسة في كلية الاقتصاد والتجارة، لينتقل، بعد ذلك مشرفاً عاماً على البرامج الثقافية والأدبية في إذاعة بغداد، ثم مديراً لدائرة الثقافة في وزارة الثقافة والإرشاد، فمديراً في المركز الوطني لحفظ الوثائق، وظل متواصلاً مع المشهد الثقافي العراقي عبر اللقاءات التلفزيونية والمنتديات الثقافية والنشر حتى آخر يوم في حياته، وساهم في إصدار مجلات «سومر» و«المورد» و«التراث الشعبي» و«الوثائق»، والأخيرة من أشهر المجلات التي صدرت في العراق وما زالت تصدر، فضلاً عن مراكز البحوث والدراسات العالمية. كما شغل منصب الأمين العام للمركز الوطني للوثائق في وزارة الثقافة والإعلام، والأمين العام للفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للوثائق، ومعاون مدير الآثار العام، ومعاون مدير عام الإذاعة والتلفزيون، ومدير الإذاعة وكالة، ومدير التأليف والترجمة والنشر في وزارة الثقافة والإعلام، ومدير السياحة العام، وعميد معهد الوثائقيين العرب.

يقول الصحافي علي ناصر الكناني إن الآلوسي دخل الكتاب وختم القرآن الكريم ثم دخل المدرسة الابتدائية وتأثر بمعلميه ومدرسيه حمدي قدوري الناصري وعزت الخوجة وصالح الكرخي، وبعد إكمال الدراسة المتوسطة والإعدادية كان يطمح إلى أن يكون طبيباً، لكنه قرأ إعلاناً في جريدة «البلاد» عن حاجة إلى دليل آثار في دائرة الآثار فتقدم وفاز بالوظيفة وأمضى في الآثار أكثر من عشرين عاماً جايل وعمل فيها مع نخبة من علماء الآثار والأدباء الكبار مثل ساطع الحصري والدكتور مصطفى جواد والأخوين كوركيس عواد وميخائيل عواد والدكتور ناجي الأصيل والشيخ جلال الحنفي وفؤاد سفر وطه باقر وفرج بصمجي وناصر النقشبندي وصادق كمونة ويعقوب سركيس وأحمد حامد الصراف وعباس العزاوي.

من مؤلفات الآلوسي: «ناجي الأصيل… سيرة شخصية» 1964 ، و«ذكرى مصطفى جواد» 1970 و«الراهب العلامة.. ذكرى الأب انستاس الكرملي» 1970 ، و«موجز دليل آثار الكوفة» 1965 ، و«دليل آثار سامراء» 1965 و«أنقذوا آثار النوبة» 1966 ، و«مراجعة كتاب مختصر التاريخ لابن الكازروني الذي حققه الدكتور مصطفى جواد» 1971 ، إلى عشرات من الدراسات والبحوث المنشورة في مجلات عراقية وعربية وأجنبية.

برحيل سالم الآلوسي يفقد العراق آخر العنقود من المؤرخين الرواد، ويؤمل أن تعيد وزارة الثقافة العراقية، التي أفنى حياته في خدمتها، طبع مؤلفاته وإطلاق اسمه على أحد قاعاتها الكبيرة أو مشاريعها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى