الكاتب الأميركيّ ويندل بيري: اليأس والكبرياء خيانة للإبداع

في إحدى يومياتها تقول الروائية الإنكليزية فرجينيا وولف: «ليس في وسع أحد أن يكتب عن الروح كتابة مباشرة»، وقلّة من الكتّاب فاقت في الكتابة عن الروح الروائي والشاعر والناشط البيئي الأميركي ويندل بيري، الذي يصف نفسه بأنه «مزارع قليلاً، فنان قليلاً».

اليأس تفريط في المسؤولية، والكبرياء إفراط فيها. ونشر المقال على مدونة باسم «برين بيكنغز» للكاتبة ماريا بوبوفا، ومما جاء فيه: «في مقالته الرائعة، بديعة العنوان، «فيم نفع الناس؟»، يتناول بيري ببراعة فائقة نزوعنا إلى الجدَّة، وما يجعل الابتكار لأجل الابتكار ينال من القيمة الحقيقية للإبداع»، فعبادة الجِّدة كما يرى بيري، فعل كبرياء لا يخدم المبدِع ولا المبدَع له. يقول: «أعمال الكبرياء، لمن يعلنون أنفسهم من جملة المبدعين، تعلي الأصالة على ما سواها، فتختزل الإبداع في الجدّة، في المفاجآت الطفيفة التي لا تفاجئ غير العقول العاجزة». ويقول بيري: «طلب الأصالة يجعل المبدع المزعوم يعمل وحده، وفي الوحدة يتولى المرء مسؤولية عن نفسه لا يستطيع أن يفي بها، والجدة نوع جديد من الوحدة».

تضيف وولف: «يصوِّر بيري الكبرياء واليأس وجهين لعملة واحدة، فكلاهما ملوم بالقدر نفسه على تخريب الإبداع، ودفعنا في اتجاه الوحدة لا في اتجاه الانتماء إلى مناهل الفن الحقيقية. إن للكبرياء أعماله الرديئة، ولليأس أيضاً أعماله الرديئة النابعة من غياب الأمل أو الرؤية. اليأس تفريط في المسؤولية، والكبرياء إفراط فيها». وتتابع: «أعمال اليأس المتسرعة، وأعمال الكبرياء الضالة، سواء في خيانتهما للإبداع. كلتاهما إهدار للحياة، ولا غفران لليأس، ولا للكبرياء، فمن في الوحدة قادرة على الغفران؟ والعمل الجيد هو الذي يجد سبيلاً ما بين الكبرياء واليأس /يفيض بالصحة، يشفي بالجمال/يصون ما يناله ويبقيه هبة مثلما جاءه/ وبه نفقد الوحدة.

يمجِّد بيري آثار العزلة التي لا يظفر بها إلاّ من يسلم نفسه للهبة العذبة التي تهبها الطبيعة تهدئة للذهن، وذلك بصدى من أنشودة هنري ديفيد «ثورو في الغابات»، وانطلاقاً من تأكيد المحلل النفسي آدم فيليب على أن إنماء القدرة على «العزلة المثمرة» ضرورة للعمل الإبداعي: «نلج العزلة/ وفيها أيضاً نفقد الوحدة/ والعزلة الحقة توجد في البراري، حيث يتخفف المرء من الالتزامات البشرية/ ثمة تغدو أصوات المرء الداخلية مسموعة، ويستشعر المرء جاذبية أكثر المناهل حميمية/ومن ثم يستجيب المرء بمزيد من الصفاء لحيوات الآخرين/ وما ازداد المرء تماسكاً داخل ذاته ككائن/ إلا ازداد توغلاً في محفل جميع الكائنات».

يذكرنا بيري بمهمة الفنان، وهي أن يربط الواحد منا إلى الآخر، ويرجع بيري إلى قضية الكبرياء واليأس التي تحرف الفن عن مهمته، ومن ثم تخونه: «لا بد للحقل من أن يتذكر الغابة، وللبلدة من أن تتذكر الحقل، فتدور ساقية الحياة، ويلتقي الموتى بحديثي الولادة»، «ومن ير العمل الواجب إنجازه، كيف لا يود أن يكون هو الذي ينجزه؟»، «ولكن الكبرياء هو الذي يسهر الليل لا رفيق له إلا الهمّ، ولا صاحبة إلاّ الرغبة»، «قصر العمل على هذا العمل هو الفشل عين الفشل»، ولا محالة فالوحدة فشل»، «واليأس هو رؤية الفشل في العمل لا في من ينتج العمل»، «واليأس أكره أشكال الكبرياء».

تختم وولف: «غير أن أهم أفكار بيري تتمثل في القيمة الهائلة «للجهل عميق الوعي»، والإبقاء على الأسئلة المستعصية عن الإجابة التي لا نكون بشراً إلاّ بها: «وثمة في النهاية كبرياء المرء إذ يفكر وحده بغير معلمين، وأينما تولوا فثمة معلمون، لا ينقص إلاّ المتعلم، وإن في الجهل لأملاً، فتوكلوا على الجهل، فعلى الجهل يتوافد المعلمون».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى