«طالبان» نحو مزيد من التطرّف والانقسام لمجاراة «داعش»

عامر نعيم الياس

ألقى الهجوم الذي شنّته حركة «طالبان» ـ باكستان على مدرسة تضم تلاميذ من أبناء العسكريين في مدينة بيشاور الباكستانية، ظلاله على التوجهات الجديدة للجماعات المتطرّفة، والتي تميل إلى اعتماد وسائل أكثر وحشية في تعاملها مع الأوضاع القائمة في الدول التي تدين بالإسلام والتي تخاض على أرضها حروب التفتيت الأميركية.

132 تلميذاً باكستانياً قتلتهم الحركة بدمٍ بارد وسط عجزٍ تام من الجيش الباكستاني وقواه الأمنية عن المواجهة، وتزامن هذا العمل مع ارتكاب القاعدة في اليمن لمجزرة أخرى بحق تلميذات يمنيات بعد تفجير حافلتهم من قبل انتحاري.

البربرية التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية الوهابية شكلاً تسلّط الضوء على توجّه نحو التطرف إلى حدودٍ قصوى لمجاراة تنظيم «داعش»، توجّهٌ يحمل في طياته بوادر انقسام في صفوف الحركة الإسلامية التي تأسست في باكستان عام 2007 على خلفية اقتحام الأمن الباكستاني المسجد الأحمر، خصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار البيان الذي أصدرته حركة طالبان الأفغانية التي يقودها الملا عمر، إذ أعرب المتحدث باسمها الملا ذبيح الله عن «تعازي الحركة بالأطفال، وتضامنها مع أسرهم، فالقتل العمد للنساء والأطفال الأبرياء يتعارض مع مبادئ الإسلام».

في ضوء هذا البيان والتطورات الأخيرة في أساليب عمل الجماعات الوهابية المتطرّفة، يمكن رصد الاتجاهات التالية:

الاتجاه التقليدي: يمثله الملا عمر الزعيم التاريخي الروحي والسيباسي لحركة «طالبان»، والتي تشير وسائل الإعلام الغربية إلى أنه يتخذ من كويتا عاصمة إقليم بلوشستان في باكستان مقراً له، ويمتلك هذا الاتجاه علاقات قوية مع الاستخبارات والجيش الباكستانيين منذ ثمانينات القرن الماضي في مواجهة النفوذ السوفياتي في أفغانستان حينها، واتخذ شكلاً أكثر رسوخاً في عام 1996، إذ حاولت المؤسسة الباكستانية الحاكمة استغلال ورقة طالبان لاكتساب عمق استراتيجي باكستاني في مواجهة النفوذ الهندي في الإقليم على خلفية قضية كشمير. ومن الواضح أن هذه العلاقات المميزة هي التي تفسر إدانة «طالبان» أفغانستان لمذبحة تلاميذ بيشاور.

الاتجاه الوهابي المتطرّف: شأنها شأن الحركة الوهابية منذ نشأتها، يتنازع هذا النوع من التنظيمات الإسلامية تياران، الأول يصنّف على أنه «معتدل»، والثاني متطرف مثّلته حركة «طالبان» باكستان والتي تشمل بحسب «ليبيراسيون» الفرنسية «حوالى ثلاثين مجموعة متفاوتة القوة والنفوذ»، وتتخذ هذه الحركة من إقليم وزيرستان الواقع في الشمال على منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية مقراً لها، وأصبح هذا الإقليم منذ سقوط حكم طالبان أفغانستان عام 2001 مركزاً للحركة الجهادية. ويتزعم «طالبان» باكستان الملا فضل الله الذي أتى خلفاً للملا حكيم الله محسود المقتول في غارة أميركية بطائرة من دون طيار في تشرين الثاني من عام 2013، إذ تحافظ هذه الحركة على الأقل من الناحية النظرية على بيعتها للملا عمر زعيم «طالبان» الأفغانية.

الاتجاه الثالث المؤيد لـ«داعش» وتمثله جماعة «المجاهدين الأحرار» التي انشقت عن «طالبان» باكستان في أيار الماضي، وكانت أحد أهم تداعيات إعلانها إقالة المتحدث باسم «طالبان» باكستان الملا شهيد الله، إثر إعلانه في 22 تشرين الأول الماضي تأييده لتنظيم «داعش» وهو ما يتعارض مع البيعة للملا عمر.

يخرج التطرف الذي رعته واشنطن بشكل متسارع عن نطاق السيطرة، والمرحلة القادمة ستشهد مزيداً من الانقسامات التي ستنعكس في ساحات فعل التطرف مزيداً من الوحشية المفرطة.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى