لاريجاني بين الحروب الصغيرة والتسويات الكبيرة

روزانا رمّال

زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني إلى سورية ولبنان والعراق تتمّ في توقيت غير عادي، فهي تأتي بينما تتهيّأ المنطقة للانتقال من حروب الإلغاء، إلى حروب تحسين المواقع والتجاذب الحارّ، لكن في قلب مسيرة تفاوض شائكة ومعقدة في ملفاتها الإقليمية، التي تترتب على كلّ خطأ تفاوضي فيها أكلاف لا تعوّض.

لا تأتي خيارات التسوية بالأصالة قناعة بالحاجة إلى الحلول السياسية والإقرار بالآخر من جانب حلف الحرب على سورية، الذي أراد إلحاق الهزيمة الشاملة بكلّ قوى ودول حلف المقاومة وفي مقدمتها إيران، عبر هذه الحرب التي لم يتورّع عن الزجّ بكلّ قدراته فيها وصولاً إلى استقدام الإرهاب، الذي قال فيه لاريجاني صباح اليوم من كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية أمام حشد من نخب لبنان، أنه يسهل زرعه لكن اقتلاعه يصير صعباً ومعقداً.

تأتي خيارات التسوية لأنّ الوقت داهم، وأميركا مهما استبْقَت من خبرائها في أفغانستان ومهما استقدمَت منهم إلى العراق، ستصير عسكرياً خارج البرّ الآسيوي في نهاية العام، وقد استنفدت كلّ وسائل النصر وسلّمت بأنّ الإرهاب صار خطراً، لا يحتاج دليلاً على استهدافه كلّ عناصر الاهتمام ذات الصفة الإستراتيجية للغرب ولأميركا خصوصاً في المنطقة، بدءاً من مصير النفط في الفوضى، وانتهاء بخطر سقوط السعودية المهيأة ثقافياً ودينياً للسقوط السريع، إذا تمكن «داعش» و«النصرة» من الجذر في بناها الاجتماعية.

أكلاف هذا النوع من تسويات الضرورة عالية ومرتفعة، على الأقلّ من حساب حلفاء أميركا، من «إسرائيل» الفاقدة لموقعها المتقدّم في الحرب والسلام، لتركيا وتبخر الحلم العثماني، وصولاً إلى السعودية ونهاية حقبة حكمها للعالم العربي، وهم كلهم سيخضعون للإمرة الأميركية في النهاية، لكنهم يملكون الكثير من أدوات المماطلة والتعطيل، وواشنطن ستسعى إلى تحويل تعطيلهم ومماطلتهم أوراقاً تفاوضية، لكلّ ذلك فإنّ التفاوض المرير سيكون لإنتاج التسويات لحظة بلحظة ومكان بمكان، بعناصر وتوازنات هشة ومتبدّلة ومتقلبة، لذلك يجب تدعيم كلّ عناصر القوة من جهة، ومن جهة مقابلة تحليل واستشراف ساحات المواجهة وساحات التسويات الناضجة، وبلورة سقوف التفاوض العليا والدنيا، لمرحلة ستمتدّ طيلة العام المقبل.

إيران ليست بلداً يملك الحلفاء ويديرهم، ولا هم أدوات عندها، وكلّ حروبهم دفاعاً عن قرارهم المستقلّ مثل حروبها، فعلاقتهم بها كعلاقة إيران بروسيا وعلاقتهم بروسيا، وحلف الاستقلال لا يستطيع مجاراة أحلاف الاستتباع بطريقة الإمرة والطاعة، كما يجري بين أميركا والسعودية وتركيا و«إسرائيل»، من جهة، والسعودية وجماعة الرابع عشر من آذار من جهة أخرى.

إيران تتشاور مع حلفائها لصياغة كلّ عناصر المعادلات المقبلة في خطط المواجهات والتفاوض وصولاً إلى التسويات، والحلفاء الكبار أصحاب القرار لا تسعفهم ظروف المواجهة بالسفر المستديم المتكرّر الذي تحتاجه المرحلة، فيجب امتلاك آلية للتشاور على مستوى يتخطى دور السفير الإيراني أو مندوباً لصانع القرار ولو على مستوى وزير، التشاور هو بين القيادة الإيرانية والرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله والمرجع السيد علي السيستاني، وليس تبليغاً لرسالة ولا شرحاً لحصيلة تفاوضية فقط، بل تشاور سيتكرّر عند كلّ منعطف، لذلك يكون المحاور الإيراني هو لاريجاني المطلع على كلّ تفاصيل الملف النووي وعلى مسار التفاوض وعلى الملفات الإقليمية، والمتصل مباشرة بالمرشد السيد علي الخامنئي حيث القرار من جهة، وبالرئيس الإيراني حسن روحاني حيث للحكومة الإيرانية دور في تدعيم أوراق القوة من جهة أخرى.

حلفاء الخندق يتشاورون لخطط حروب صغيرة للتسويات الكبيرة بعدما انتهت الحرب الكبيرة.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى