فضيحة بيت العنكبوت والجيش الذي لا يُقهر… زلزال لا يشعل حرباً

كتب المحرر السياسي:

السؤال الذي يربك العالم اليوم وما بعد اليوم، هو هل تلجأ «إسرائيل» إلى الحرب، أو إلى ردّ يستدعي رداً فانزلاق نحو الحرب؟

العملية النوعية الاستثنائية التي نفذتها المقاومة قبيل ظهر أمس في مزارع شبعا المحتلة، محكمة الحسابات، في درجة الألم الذي تسبّبت به لقادة كيان الاحتلال، بمثل ما جاءت محكمة الدقة والإتقان في تحقيق الإبهار تجاه درجة الإعجاز الذي نجحت المقاومة عبره في إثبات مقولة إنّ «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»، وإنّ المقاومة قادرة أن تجعل «الجيش الذي لا يقهر» وهو في ذروة الاستنفار أضحوكة للجيوش، كحارس مرمى ذائع الصيت، يدخل في مرماه وهو في أعلى درجات اليقظة هدف سهل ممتنع بسيط حتى العبقرية، تتدحرج الكرة بطيئة وسلسة وتمرّ من بين قدميه وتستقرّ في الشباك، وهو يقفز بهلوانياً واستعراضياً لإبراز مهاراته يميناً ويساراً كأنما ستأتيه كرة سماوية من نار وهو جاهز لالتقاطها.

من الزاوية القانونية، العملية محكمة، ردّ صاعق وساحق، لكن لا ذريعة فيه لحرب، العملية في أرض لبنانية محتلة من زاوية نظر المقاومة والدولة اللبنانية وليست قصفاً من مناطق انتشار «اليونيفيل»، ووفقاً للتصنيف «الإسرائيلي» المزارع سورية كما قال النائب جنبلاط فهي ردّ من نفس نوع عملية القنيطرة من هذه الزاوية، ومن الزاوية العملياتية العملية صفعة ترنّ لها الرؤوس وتستدير إعجاباً وتضع المقاومة في مصاف الجيوش الأشدّ احترافاً، وتسجل يوم الثامن والعشرين من الشهر الأول من العام الحالي يوماً تاريخياً لفضيحة بيت العنكبوت والجيش الذي لا يُقهر.

هل هو الردّ أم هي البداية؟

لا أحد يعلم، فالبيان استخدم صيغة الترقيم، ولم يأت على ذكر الردّ بل اكتفى باستعمال اسم «مجموعة شهداء القنيطرة»، ومن الممكن أن تكون العملية جزءاً من ردّ أو تكون الردّ دفعة واحدة، أو أن تكون تمهيداً لردّ لم يتمّ بعد.

«إسرائيل» ضائعة في التحليل، وضائعة في تقدير الموقف، كما هي ضائعة في كيفية التصرف، فالمقاومة مرتاحة للمواقف اللبنانية، بما فيها مواقف الأطراف التي اكتفت بالدعوة إلى عدم التورّط في حرب، من دون أن تتهم حزب الله بالسعي إلى ذلك، أو بفعل ذلك، كما كان دأبها في ما هو أقلّ من هذه العملية، و«إسرائيل» لا تجد من يعلن أنها طليقة اليدين وتملك «حق الردّ» باسم اللازمة التقليدية بـ»الحق المشروع في الدفاع عن النفس»، من واشنطن إلى باريس الدعوات متطابقة لضبط النفس وصولاً إلى مجلس الأمن، والوضع خطير لكنه لا يستحق الذهاب إلى الحرب كما جاء في الموقف الأميركي.

«إسرائيل» مهّدت لردود بسلاح الجو، واستثنت العمل البري، في موقف لافت، لا تفسّره ذريعة الحرص على قوات «اليونيفيل»، التي اجتاحتها «إسرائيل» في عام 1982، وقصفت المدنيين أطفالاً ونساء في مواقع يحرسها «اليونيفيل» في عام 1996 في مجزرة قانا.

الردّ البري يفتح الباب لمرحلة الجليل وما بعد الجليل وفقاً لما تراه «إسرائيل» ترجمة لمعادلات قائد المقاومة في إطلالته الأخيرة، والردّ الجوي يعني رداً صاروخياً كما يقول خبراء «إسرائيليون»، مطاراتكم مقابل مطاراتنا، وكهرباؤكم مقابل كهربائنا، ومدنكم وجسوركم مقابل المدن والجسور.

ماذا ستفعل «إسرائيل» هو السؤال الذي لا يملك قادتها جواباً وافياً عليه، فتجرّع سمّ الهزيمة يعني سقوط أهداف عملية القنيطرة بالقول إنّ اللعبة لم تنته بعد رداً على كلام السيد حسن نصرالله بأنّ اللعبة انتهت في المنطقة، والتأقلم مع العملية ثبوت لنهاية اللعبة فيما يد المقاومة هي العليا، وأنّ مَن مع المقاومة في محور المقاومة هم أصحاب التسديدة الأخيرة في ملعب المنطقة.

إنْ ردّت «إسرائيل» فماذا عساها تفعل، ردّ صغير يصغر مكانتها بعد عملية مزلزلة كعملية المزارع، وردّ بحجم العملية يعني استدراج ردّ أعلى بلوغاً لدرجة التوتر التي تعني الانزلاق إلى الحرب فهل تملك «إسرائيل» هذه القدرة؟

رهانات «إسرائيل» الاختبارية الأهمّ انتهت بالفشل، فالرهان على أنّ جبهة الجولان أسهل لم ينجح، لأنّ التمهيد للردّ بدأته المقاومة، بصواريخ الجولان بأيدي المقاومة السورية، والرهان على تفخيخ المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية باء بالفشل، والرهان على ردع المقاومة عن الردّ بالخوف من مناخ لبناني غير متفهّم وضاغط، لم يجد صدى أمام الإبهار والدقة المرافقين للعملية، وحجم المشروعية المدروس، والالتفاف الشعبي حول المطالبة بالردّ.

تمّ الردّ ولو بصورة أولية، وليس أمام «إسرائيل» إلا التقاط الأنفاس قبل التسرّع بقرار أحمق لا تتحمّله ولا تحتاجه، والردّ في لبنان أو سورية بالنسبة لـ«إسرائيل» كما هدّد نتنياهو، يعني جعل إيران في الجولان كما قال نتنياهو نفسه، ولبنانياً يعني حرباً لم تذق «إسرائيل» مثل مراراتها.

لذلك يبدو منطقياً ما نقله موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» منتصف ليل أمس عن رئيس وزراء الاحتلال أنه قرّر امتصاص الضربة واستيعابها وقبول اعتبار اللعبة منتهية عند هذا الحدّ مع الردود الموضعية التقليدية التي شملت تساقط بعض القذائف في أطراف البلدات المجاورة لمزارع شبعا المحتلة.

ربما بعد العملية صارت كلمة السيد حسن نصرالله يوم غد أهمّ من انتظار ما ستفعل «إسرائيل»…

فبعد حوالى عشرة أيام على العدوان «الإسرائيلي» على القنيطرة السورية والذي أدى إلى استشهاد ستة من كوادر حزب الله وجنرال إيراني، وقبل احتفال تأبينهم المقرر غداً الجمعة، نفذت المقاومة عملية احترافية مدروسة بدقة من النواحي الأمنية والعسكرية والسياسية، ضد موكب عسكري «إسرائيلي» وأدت إلى سقوط أكثر من عشرة قتلى من العدو بينهم قائد سرية، فضلاً عن احتراق 9 آليات عسكرية.

وسارع حزب الله إلى الإعلان في بيان أنه «عند الساعة 11.25 من صباح هذا اليوم أمس ، قامت مجموعة شهداء القنيطرة الأبرار في المقاومة الإسلامية باستهداف موكب عسكري إسرائيلي في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، مؤلف من عدد من الآليات، ويضمّ ضباطاً وجنوداً صهاينة، بالأسلحة الصاروخية المناسبة ما أدّى إلى تدمير عدد منها ووقوع إصابات عدة في صفوف العدو». فيما أفيد أنّ الموكب كان يعبر طريقاً في محاذاة السياج الحدودي بعد قرية العباسية وتحديداً عند منعطف صعوداً باتجاه مزرعة بسطرا في شبعا المحتلة شرق ثكنة المجيدية.

وردّ العدو بقصف أطراف المجيدية من جميع المواقع المطلة على الشريط الحدودي، كما قصف في شكل متفرّق محيط منطقة مزارع شبعا، في حين دارت اشتباكات بين مجموعة من المقاومة وجنود الاحتلال استمرت نحو أربع ساعات.

وأصيب عسكري من الكتيبة الاسبانية في الـ«يونيفيل» جراء تعرّض جامع العباسية للقصف «الإسرائيلي»، ما لبث أن فارق الحياة.

المقاومة تنجح في استدراج العدو إلى تقديم هدف دسم

وكشفت مصادر مطلعة لـ«البناء» التفاصيل عن حرب الساعات الأربع التي شهدتها منطقة شبعا إثر العملية كالآتي:

أولاً – العملية كانت مزدوجة حيث تمّت مهاجمة القافلة العسكرية «الإسرائيلية» من محورين: محور الوزاني ومحور بركة النقار. كما تم تبادل لإطلاق النار مع القافلة نفذته مجموعة للمقاومة كانت منتشرة في المنطقة.

ثانياً سبق العملية قيام المقاومة بتحركات خلال الأيام الماضية في منطقة القنيطرة وقبالة مزارع شبعا، هدفت تكتيكياً، إلى استدراج الجيش «الإسرائيلي» إلى عمليات حشد لقواته وتحركات عسكرية، ما وفر للمقاومة هدفاً دسماً تمثل بمرور قافلة الجيش «الإسرائيلي» في المنطقة التي حصل فيها الكمين. وتعدّ هذه المنطقة ممراً إجبارياً لأيّ تحركات عسكرية في المنطقة السورية المحتلة، بين القنيطرة ومزارع شبعا.

ثالثاً – عملية الانقضاض على القافلة العسكرية «الإسرائيلية» بصواريخ موجهة ضد الدروع استمرت نحو ربع ساعة ستة صواريخ وبعدها حصل تبادل لإطلاق القذائف استمرّ نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة. وفي خلالها جرت اتصالات قامت بها قيادة الـ«يونيفيل» لوقف النار، بعدما بادر إلى هذه الاتصالات الجانب «الإسرائيلي» الذي اتصل بقيادة القبعات الزرق في الناقورة طالباً تدخله عبر الجيش اللبناني لوقف النار. وردّت المقاومة برفضها هذا الطلب إلا إذا أوقف «الإسرائيليون» إطلاق النار. وجاءت الإجابة «الإسرائيلية» بالموافقة.

وفي السياق، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» «الإسرائيلية» أن «رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو قرّر امتصاص الهجوم في شبعا ووقف إطلاق النار مع حزب الله».

وكان نتنياهو أكد بعد إبلاغه بالعملية خلال جولة له في مستعمرة سديروت أن الجيش سيردّ على الهجوم، وقال نتنياهو في بيان» «الجيش مستعدّ للردّ بقوة على أي جبهة، وكل من يحاول اختبارنا على جبهة الحدود الشمالية الإسرائيلية، أقترح عليه أن يرى ما حصل بالقرب من سديروت، في قطاع غزة التي عانت منها حماس الصيف الماضي».

كذلك، دعا وزير الخارجية «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان من بيكين، إلى الردّ بقوّة على العملية.

واشنطن تدعو إلى عدم التصعيد

وفيما تغافلت واشنطن عن العدوان «الإسرائيلي» على القنيطرة في الثامن عشر من الشهر الجاري، أعربت أمس، تعليقاً على عملية شبعا، عن تأييدها لـ«إسرائيل» في مواجهتها مع حزب الله.

وصرحت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين ساكي للصحافيين: «نحن ندعم حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس، ونواصل دعوة جميع الأطراف إلى احترام الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان». لكنها دعت «جميع الأطراف إلى الامتناع عن القيام بأي تحرك من شأنه أن يصعد الوضع»، مضيفة أن واشنطن تراقب الوضع من كثب.

التفاف رسمي وشعبي حول المقاومة

أما في لبنان فكان البارز الوحدة الوطنية والالتفاف الرسمي والشعبي والحزبي حول المقاومة باستثناء بعض قوى 14 آذار.

وفي هذا الإطار، سارع رئيس الحكومة تمام سلام إلى حسم الموقف الحكومي من التطورات في الجنوب، واعتبر في بيان: «إن التصعيد «الإسرائيلي» في المناطق الحدودية بعد العملية التي جرت في شبعا المحتلة من شأنه أن يفتح الباب أمام احتمالات خطيرة ليست في مصلحة السلم والاستقرار في المنطقة».

وإذ أكد تمسكه بقرار مجلس الأمن 1701 بكل مندرجاته، أشار إلى «أن لبنان يضع الأسرة الدولية أمام مسؤولياتها ويدعوها إلى كبح أي نزعة «إسرائيلية» للمقامرة بالأمن والاستقرار في المنطقة». وأكد أن «لبنان بكل فئاته وتلاوينه وقواه السياسية يقف صفاً واحداً خلف القوى المسلحة الشرعية في مهمتها المتمثلة في الدفاع عن أرضه وأمن أبنائه»، داعياً «إلى أقصى درجات التضامن الداخلي والوحدة الوطنية».

وكان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أكد «أن ما قامت به المقاومة في مزارع شبعا، حصل على أرض لبنانية محتلة، كرد فعل على عملية عسكرية إسرائيلية».

بدوره، لفت رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط إلى انه «من الواضح أن عملية المقاومة ذكرت إسرائيل بأن اللعب بالنار مكلف، لكن هذا لا يمنع اتخاذ الاحتياطات الضرورية لمواجهة أي عدوان».

وأضاف في «تغريدة» على «تويتر»: «وفي هذه المناسبة فقد جرت العملية في الأرض السورية في انتظار ترسيم الحدود، وهذا ضرب من الذكاء في غاية الأهمية، لكن ومن أجل تفادي أي احتمال طارئ، يجب كما قلت سابقاً تحصين الوضع الأمني والنقدي من أجل الصمود في مرحلة من التحديات طويلة جداً».

كذلك أجمعت الفصائل الفلسطينية على الإشادة بالعملية وجرت احتفالات في المخيمات اللبنانية وفي غزة لدعم المقاومة. وأكد عدد من الفصائل أن المعركة المقبلة مع العدو ستكون مشتركة.

مجلس الأمن

وفي نيويورك عقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة مساء أمس بطلب من فرنسا لـ«بحث الوضع على الحدود اللبنانية الفلسطينية» عقب العملية البطولية للمقاومة في مزارع شبعا.

وقال سفير فرنسا في الأمم المتحدة فرنسوا ديلاتر خلال توجهه الى قاعة الاجتماع: «هدفنا هو التهدئة ومنع أيّ تصعيد».

ولكن الجلسة عُلّقت بُعيد منتصف الليل بهدف التشاور مع عواصم القرار…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى