المأزق: لهذا لن تقع الحرب

عامر نعيم الياس

لن نكتفي بالقول إن الجولان مأزق للكيان الصهيوني، بل إن ما جرى قبل حوالى عشرة أيام أحرج الجميع، فهو كان غير متوقع ولم يوضع في حسابات الأطراف كافة بما فيها إيران وحزب الله ودمشق. هنا يحضر التوصيف الذي ورد على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عمّا قال إنه رسالة بعثتها إيران إلى الولايات المتحدة جاء فيها أن «طهران أبلغت واشنطن أن الصهاينة تخطّوا خطوط إيران الحمراء»، ليعكس الأثر المفاجئ الذي تركته العملية على أطراف الصراع في المنطقة.

العملية التي نفّذتها المروحيات «الإسرائيلية» وأدّت إلى استشهاد كوكبة من مسؤولي حزب الله ومقاتليه إضافةً إلى عميد في الحرس الثوري الإيراني له تاريخه، أربكت الكيان الصهيوني قبل غيره الذي أرسل إشارات ضمنية على عدم نيته التصعيد، وهو أمر تتبناه الإدارة الأميركية بشكل كامل وتدعمه فهي لا تريد حرباً الآن، وعليه فإن العملية «الإسرائيلية» في القنيطرة وإن كانت خرقاً، إلا أنه من الواضح أن طبيعة الأشخاص المستهدفين لم تكن محددة ومعروفة بدقة لدى القيادتين العسكرية والأمنية في الكيان، وبالتالي فإن تداعيات الحدث فور الإعلان عن قائمة الشهداء أحدثت الهزة في قلب الكيان الصهيوني ورفعت منسوب التوتر إلى مستويات قياسية.

في المقابل، أفرزت العملية مفاجأة في أوساط حزب الله وحتى طهران، فالاختراق «الإسرائيلي» الأمني وعمليته العسكرية الأمنية المركبة وفي الجولان، فرضت على محور المقاومة الردّ بالطريقة ذاتها ملتقطاً إشارات عدم الرغبة الأميركية في التصعيد والتي تتساوق إلى حدٍّ كبير مع تقدير الموقف الذي يتبناه حزب الله وسورية وإيران حول ضرورة عدم الانجرار إلى مواجهة شاملة مع الكيان الصهيوني في توقيت معركة تفرضه «تل أبيب»، خصوصاً في هذه الظروف التي تتم فيها المواجهة مع الكيان الصهيوني على أرض سورية، هنا يكتسب هذا المفهوم مصداقية تتجاوز اللغة الدبلوماسية أو أي محاولة للعب على مفردات اللغة العربية. فالحرب في سورية، وما يجري في جبوبها على وجه الخصوص، مثالٌ واضحٌ على شكل المواجهة مع «إسرائيل» والميليشيات المسلحة المرتبطة بها بشكل مباشر.

إن الحديث عن مأزق لا يلغي إمكانية الردّ، فالواضح أن عدم الردّ أشبه بحلم بعيد المنال تدركه «تل أبيب» جيداً، وهو كابوس لا يريد حزب الله ومن ورائه طهران تخيّله، وهذا ما حصل، ردّ حزب الله في مزارع شبعا المحتلة، وأوقع عدداً من القتلى فاق عدد الشهداء الذين سقطوا له في القنيطرة. «مجموعة شهداء القنيطرة» قامت بالعملية وفق البيان رقم 1 ، الخارجية الأميركية دعت فوراً إلى «عدم التصعيد»، راسمةً بذلك سقف تحرك مجلس الأمن الدولي، وسقف تحرك الردود في الميدان، الجميع لا يريد الحرب، وحزب الله ردّ الضربة بضربة، وردّ على العملية الأمنية العسكرية الصهيونية على أرض القنيطرة، بعملية أمنية عسكرية دقيقة استهدفت جيش الاحتلال في ذروة استنفاره، على عكس العملية الصهيونية في الجولان التي جاءت في جزء منها نتيجة لما يبدو إهمالاً أو استخفافاً من جانب الكادر المقاوم الذي استهدف.

ردَّ حزب الله قارئاً بشكل جيّد المزاج الأميركي والصهيوني، نازعاً الذرائع والحجج حتى من الداخل اللبناني، وملتزماً القانون الدولي، فالردّ جاء من جبهة لبنان واستهدف مناطق لبنانية محتلة، وبالتالي تملك المقاومة حق العمل بها، ردّ الحزب قبل خطاب السيد نصر الله المنتظر اليوم الجمعة، ونصر الله سيحدّد شروط الردع المتبادل ما بعد الرد المبدئي، فإن أراد «الإسرائيلي» التصعيد والذهاب نحو الحرب ظهر المأزق الاستراتيجي للكيان الصهيوني الذي لا يرغب بالانجرار إلى حرب واسعة النطاق يدرك أنها ستكون مختلفة عما سبقها، خصوصاً لجهة الرد الموحد على جبهات الصراع مع دول الطوق، وحتى إمكانية حدوث تحرك داخل فلسطين المحتلة من جانب بعض حركات المقاومة وعلى رأسها الجهاد الإسلامي، فضلاً عن أن الحرب الشاملة ستؤدي في نهاية المطاف إلى وضع حدٍّ لاستراتيجية الاستنزاف الأميركية على الجبهة السورية، وبالتالي تدفع باتجاه صوغ حلٍّ وتهدئة بين الأطراف المتحاربة ستنسحب بالضرورة على التوازنات على الأرض داخل سورية، بما يمهد لوضع الأزمة السورية على طريق الحل النهائي، وهو أمر لا يحضر الآن في الأجندة الأميركية لإدارة ملفات الشرق الأوسط وعلى رأسها الملفين السوري والعراقي، اللذان فرضا تهدئة مضبوطة في الداخل اللبناني، لا يريد لها أحد أن تنتهي في المدى المنظور.

منذ عام 2006 لم يحقق الكيان الصهيوني نصراً في حروب متواترة خاضها على جبهتي جنوب لبنان وقطاع غزة، وهذا ما تدركه واشنطن جيداً، وبالتالي تغيُّر ميزان الردع صار أمراً واقعاً يفرض التفكير ملياً قبل الانجرار إلى مغامرة مكلفة سياسياً بالدرجة الأولى، وبهذا المعنى فإن الحديث عن «مأزق إسرائيلي» لا يجانب الحقيقة، وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية: «تقرر استيعاب أحداث الشمال في ختام جلسة تقدير الوضع برئاسة نتنياهو».

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى