ما بعد خطاب السيد نصرالله غير ما قبله: البيان رقم 2

كتب المحرر السياسي

كما كان متوقعاً، كان خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مليئاً بالمفاجآت، وهذه المرة المفاجآت من العيار الثقيل الذي يتناسب مع حجم النتائج الاستراتيجية لعملية مزارع شبعا التي فاقت كلّ توقع وكلّ حساب، فقد نجحت المقاومة في نصب كمين استراتيجي تاريخي لـ»إسرائيل»، باستفزاز أوهامها عن تغيّر موازين القوى التي ثبتتها حرب تموز، وفقاً لمعادلة توازن الرعب وما تعنيه من التفادي المتبادل لاختبار الاقتراب من خيار الحرب، فاقتربت المقاومة بجديتها وهدوئها مما تعتبره «إسرائيل» خطاً أحمر في حساباتها، وهو تمركز المقاومة في جبهة الجولان، واستشعرت «إسرائيل» خطر تحويلها تدريجاً وفقاً لمعادلات المقاومة حالة شبيهة بما كان عليه جنوب لبنان، كما قال أمس وزير خارجية الاحتلال أفيغدور ليبرمان، الذي تبادل الأدوار مع خصمه موشي يعالون وزير الحرب، فصار يعالون يدافع عن تجرّع سمّ الهزيمة ومرارتها، ووقف ليبرمان يحاضر برفض التهاون مع المقاومة في تثبيت معادلة جديدة في الجولان، ليعترفا معاً بأنّ نجاح المقاومة بالتقرّب الهادئ، وتحريكها للسكين في الجرح «الإسرائيلي» تأسيساً على نظرة «إسرائيلية» واهمة لضعف أصاب المقاومة وشتت قدراتها، بسبب دورها في الحرب في سورية، ووهمها لمعادلة المفاوضات الإيرانية الغربية والأميركية خصوصاً، كحاجة إيرانية وتنازل مجاني أميركي كما قال أمس بنيامين نتنياهو، فتوقعت «إسرائيل» أنّ ذهابها إلى اختبار توازن الرعب باللعب على حافة الحرب، سينتج تمسكاً إيرانياً بالضغط على حزب الله للإحجام عن أيّ عمل يعرّض المفاوضات مع أميركا للاهتزاز، كما أنّ حزب الله سيكون جاهزاً لتلقي الضغط بسبب الحرج الذي يسبّبه به التفكير بالردّ وتداعياته في ضوء الحرب في سورية، بينما كانت المقاومة على العكس، واثقة من أنّ تقرّبها من خطوط الاشتباك في الجولان مبنيّ على أساس صلب، من زاوية الثبات السوري والدعم الإيراني، واليقين بمعادلات التفاوض الراجحة لصالح تسليم أميركي بعناصر القوة الإيرانية، وواثقة من قدرتها على خوض الحربين معاً، حربها في سورية، والحرب مع «إسرائيل»، فحدث أن تورّطت «إسرائيل» بالانكشاف عارية، ضعيفة، هزيلة، عاجزة، كثيرة الكلام قليلة الأفعال، جيشها أضحوكة بين الجيوش، امتحنت المقاومة قدرة وقرار «إسرائيل» بالذهاب إلى الحرب، فأحجمت «إسرائيل» وتهرّبت من الاستحقاق الذي ادّعت طويلاً أنها تنتظره، وأنها قد أعدّت له منذ ثماني سنوات أنفقت خلالها مليارات الدولارات وراكمت آلاف أطنان السلاح والمعدات، وبأبهى الصور ظهرت المقاومة منتصرة تعلن أنّ بيدها الإثبات العملي على معادلتها الذهبية الرديفة، «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»، رغماً عن أنف موشي يعالون وبنيامين نتنياهو.

نجح الكمين الاستراتيجي، وصار وجود المقاومة في الجولان شرعياً وعلنياً ومحكوماً بمعادلة، «نرفض تفكيك الساحات والميادين»، التي أطلقها السيد نصرالله أمس، وسقطت معها معادلة توازن الرعب ليحلّ مكانها، ردع أحادي الاتجاه، هو ردع المقاومة لـ»إسرائيل» عن التفكير بالذهاب إلى الحرب مرة أخرى، حرب لا تريدها المقاومة لحكمتها، لكنها تملك ما يكفي من الشجاعة والقدرة كي لا تخشاها، وقد قالت ذلك عملياً في عملية مزارع شبعا.

أطلق السيد نصرالله البيان رقم 2 وفيه: نحن في الجولان وسنبقى، ونبشر «جبهة النصرة» بمصير جيش أنطوان لحد العميل لـ»إسرائيل» في جنوب لبنان، ومن اليوم وصاعداً، طالما الحرب خارج الخيارات بفضل الردع الذي انتقل من يد «إسرائيل» إلى توازن الرعب ليستقرّ اليوم بيد المقاومة، و»إسرائيل» تبشر ببدائل قال يعالون إنّ الاغتيالات هي محورها، ففي البيان رقم 2 فقرة خاصة للاغتيالات، إذا أصيب مجاهد من المقاومة غيلة في أيّ مكان وأيّ زمان وكيفما كان، ستتحمّل «إسرائيل» التبعات في كلّ مكان وكلّ زمان وكيفما كان.نقل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الصراع مع العدو «الإسرائيلي» إلى مربع جديد واضعاً قواعد اشتباك جديدة لهذا العدو من دون أن تلتزم المقاومة بأي قاعدة معه سوى»الحكمة». فقد وسع السيد نصرالله من مساحة الصراع لاغياً أي حدود له مدخلاً فيه «جبهة النصرة» التي شبهها بجيش العميل أنطوان لحد في الشريط الحدودي إبان الاحتلال «الإسرائيلي» للبنان.

وتطرق السيد نصرالله خلال الاحتفال التأبيني لشهداء العدوان «الإسرائيلي» على القنيطرة، بحضور حشد سياسي وشعبي تقدمه ممثل رئيس المجلس النيابي نبيه بري النائب علي بزي ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي على رأس وفد إيراني، والسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، إلى غارة القنيطرة ثم الرد عليها بعملية مزارع شبعا، مشيراً إلى أن عملية المقاومة حصلت «في ذروة الاستنفار والجاهزية الإسرائيلية وقمة الاستنفار المعلوماتي والاستخباري للعدو «لأن العدو قد أخذ علماً قبل الأربعاء، وشاهد تقريباً منذ الأحد مجموعة إجراءات في البلد على مستوى المقاومة، العدو يتنصت علينا».

وقال: «حددنا منطقة العمليات، وطبيعتها، وزمانها، وماهية العملية، وما هي الخيارات المتاحة أمام الإخوة، درسنا الأمور بتكتم شديد، وجهزنا أنفسنا لأسوأ الاحتمالات، وأخذنا مجموعة من الإجراءات بناء على هذا، وهذا ما فهمه الإسرائيلي جيداً قبل يوم الأربعاء. فهم الإسرائيلي أن أي طلقة نار ستخرج في أي مكان من الأمكنة التي يتوقعها، أن هذا الذي يطلق النار الآن هو مستعد أن يذهب إلى أبعد ما يتصوره أحد في هذا العالم، وهو جاهز لذلك».

وأشار السيد نصرالله إلى جملة خلاصات للعملية التي وصفها بأنها أكثر من ثأر وأقل من حرب، وهي:

أولاً، أن تقدير القيادة السياسية والعسكرية والأمنية لـ»إسرائيل» كانت تقديراً أحمق.

ثانياً، أن الجيش «الإسرائيلي» وأجهزته الأمنية وكل مقدراته هي عاجزة عن مواجهة إرادة المقاومة وفعلها الميداني، مكرراً وصفها بأنها «أوهن من بيت العنكبوت ولن تكون غير ذلك».

ثالثاً، أن المقاومة في لبنان في كامل عافيتها وجاهزيتها ووعيها وحرفيتها وشجاعتها وحكمتها وحضورها.

رابعاً، أن الجماعات التكفيرية المسلحة خصوصاً تلك الموجودة على حدود الاحتلال في الجولان هي حليف طبيعي للعدو «الإسرائيلي» وهي جيش لحد سوري جديد وإن رفعت الراية الإسلامية.

وبناء على هذه الخلاصات وضع السيد نصرالله صورة جديدة للصراع العربي «الإسرائيلي» متوجهاً إلى «الإسرائيليين» بالقول: «جربتمونا، لا تجربونا بعد»، مؤكداً أن «المقاومة ليست مردوعة، بل هي حكيمة»، موضحاً «أننا لا نريد الحرب ولكن لا نخشاها ولا نتردد في مواجهتها وسنواجهها إذا فرضت علينا وسننتصر فيها».

وأعلن «أننا في المقاومة وبعد عملية القنيطرة والرد في مزارع شبعا، لم يعد يعنينا أي شيء اسمه قواعد اشتباك. نحن لا نعترف بقواعد اشتباك. انتهت. ولا في مواجهة العدوان والاغتيال، لا توجد قواعد اشتباك، ولم نعد نعترف بتفكيك الساحات والميادين، ومن حقنا الشرعي والأخلاقي والإنساني والقانوني وفي القانون الدولي، أن نواجه العدوان، أياً كان هذا العدوان، وفي أي زمان، وكيفما كان، أينما كان، وكيفما كان، وفي أي مكان».

وحذر العدو من الآن فصاعداً «من أن أي كادر من كوادر حزب الله المقاومين، أي شاب من شباب حزب الله يقتل غيلة سنحمل المسؤولية للإسرائيلي وسنعتبر أن من حقنا أن نرد في أي مكان وأي زمان وبالطريقة التي نراها مناسبة. والحرب سجال».

شكوى لبنانية إلى مجلس الأمن

وبالتزامن، تقدمت وزارة الخارجية والمغتربين عبر مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام، بشكوى رسمية لدى مجلس الأمن ضدّ «إسرائيل» لإدانتها بأشدّ العبارات على القصف الذي تعرّض له لبنان في تاريخ 28 كانون الثاني 2015، «لما يشكل من انتهاك صارخ لسيادته ولميثاق الأمم المتحدة ولأحكام القانون الدولي والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، ولا سيما القرار 1701».

كما طلبت الوزارة من مجلس الأمن التحقيق في «تعرّض وحدات القوة الدولية للاعتداء من إسرائيل، ما أدّى إلى مقتل جندي إسباني»، مطالبة بتحميلها المسؤولية المباشرة عن «هذا العمل المُدان وكلّ ما يترتب عليه من نتائج».

وفي سياق متصل، لفت السفير السوري علي عبد الكريم علي بعد لقائه وزير الخارجية جبران باسيل في قصر بسترس، إلى أنّ «إسرائيل كشفت بوضوح أنها ظهير وداعم ومنسّق وقائد للإرهاب الذي يضرب في سورية ولبنان والمنطقة»، مؤكداً «أنّ لبنان لا يستطيع مواجهة الإرهاب، الذي يضرب في أكثر من منطقة، من دون التكامل والتنسيق مع سورية».

إلى ذلك، جال بروجردي على رأس وفد ضمّ السفير الإيراني محمد فتحعلي، على الرئيس بري ورئيس الحكومة تمام سلام والوزير باسيل، مستعرضاً الأوضاع في المنطقة ولبنان. وأكد بروجردي موقف بلاده «الراسخ والثابت في دعم كلّ ما يرسخ الأمن والهدوء والاستقرار في الربوع اللبنانية»، لافتاً إلى أنّ الاستحقاق الرئاسي «شأن لبناني».

نتانياهو: إيران تحاول أن تقلعنا

في القدس المحتلة، أكد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو، «أن إسرائيل تتعرض لهجوم متواصل تنظمه إيران»، مشيراً إلى أن «إيران تحاول أن تقلعنا من هنا لكنها لن تنجح في ذلك».

وخلال زيارته جنوداً «إسرائيليين» أصيبوا في عملية مزارع شبعا، أشار إلى «أننا موجودون في أوج كفاح متواصل مع إيران التي تفتح ضدنا جبهات جديدة»، مؤكداً معارضته أي اتفاق نووي بين إيران والدول الكبرى.

أما وزير الخارجية «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان فرأى إن حزب الله «يسعى إلى تحويل الجولان السوري إلى موقع أمامي لقواته ومنطلقاً لهجماته على إسرائيل بما يشبه الوضع في جنوب لبنان، منتقداً سياسة احتواء التصعيد مع حزب الله» التي تعتمدها حكومة بلاده. واعتبر ليبرمان، خلال زيارته مرتفعات الجولان السورية «أن سياسة الحكومة الإسرائيلية تأتي بدافع ضمان استتباب الهدوء على المدى القصير، لكنها ستضرّ بالأمن وبقوة الردع الإسرائيلية على المدى البعيد».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى