عدنان بيلونة: على المثقّف معالجة قضايا بلده من خلال رصد الواقع

كتبت بشرى سليمان من اللاذقية سانا : عالج الدكتور في علم الاجتماع عدنان بيلونة، عضو جمعية البحوث والدراسات في اتحاد الكتاب العرب، في اللاذقية، خلال عقد من الزمن قضايا إنسانية وفكرية وسياسية واجتماعية، وظواهر سلبية في مجتمعنا، تارة بأسلوب ساخر لاذع في مجموعاته القصصية، وتارة أخرى في كتبه ودراساته وأبحاثه المتعمقة في الفكر والثقافة والسياسة والمجتمع.

يؤكد الدكتور بيلونة أن دور المثقف لاينتهي عند حد ولا يتوقف عند طموح، فالمثقف دائم الانشغال بقضايا بلده، المصيرية خاصة. وعلى المثقف أيضاً أن يحارب ويناور وألا يتقاعس عن أداء مهمّاته، وأن يرصد الواقع دوماً ويكتب عنه ويعالجه، وألاّ يهدأ قلمه أو يتجمد فكره من جراء الأزمة التي أثرت في جميع مناحي الحياة، معتبراً ان دور المثقف يكبر بالقضايا الكبيرة ولا يصغر بالقضايا الصغيرة. ويرى أن ثمة قضايا مجتمعية على المثقف أن يتناولها ويعالجها، فالمثقف مقاتل من نوع آخر، يحارب بالقلم والكلمة، والثقافة هي خط الدفاع الأول في الهجوم، وخط الدفاع الأخير في الدفاع، وبمجرد تخلينا عن الثقافة فإن المجتمع ينهار، بحسب تعبيره.

عرّف الدكتور بيلونة الثقافة بمعناها الإنساني الرفيع بأنها تعني صقل الذهن والسلوك وتنميته وتهذيبه، أو هي كل ما ينتجه العقل أو الخيال البشري لتحقيق هذا الهدف، مثلما صاغ تعريفاً للأمن الثقافي بأنه ضمان الأمان والحفاظ على الأصالة والهوية من خلال سلوكيات ثقافية دفاعية معينة تواجه الغزو الثقافي الخارجي، كما تردع في الوقت ذاته عملية تخريب العقول بما يبث من سموم فكرية أو ثقافية أو فنية غايتها انحطاط المجتمع وإفساده.وفي تقديره أن الثقافة العربية تواجه اليوم بقوة وفي ظروف اضطرارية ثقافة غربية كونية تسعى الى تنميطها والسيطرة على موارد شعبها وتبديل عاداته وقيمه وتقاليده وإلغاء مقاومته وتشتيت هويته الحضارية، كما تواجه غزواً صهيونياً يحاول خرق الثقافة العربية بفعل تداعي روح النضال أمام تغلغل شعارات المصالحة والاستسلام على المستوى السياسي ونموّ النزعة الشخصية والأنماط الاستهلاكية، وقيم التنافس الفردي على حساب المجموع، ورفاهية الفرد على حساب المجتمع.

ترافق كل ذلك مع أزمات داخلية في الفكر والتربية والفن والثقافة والتعليم ساهمت في افساد الذوق الاجتماعي العام، بحسب تعبيره. واذا كان الغازي الغربي أو الأميركي أو الصهيوني يملك القوة والمعرفة والقدرة العسكرية والتنظيمية على نشر قيمه وجعل الثقافة سلعة اقتصادية أو صناعة تستهدف الربح، فإن الثقافة العربية في الواقع الراهن أمام مفارق خطيرة للانصياع لما يهددها داخلياً أو خارجياً كنتيجة طبيعية لثورة الاتصالات والمواصلات العالمية من ناحية، والتخلف الاجتماعي والسياسي العربي من ناحية أخرى.

عن ثقافة الصورة من تلفزيون ومحطات ووسائل الاتصالات الحديثة والإنترنت والمجتمع العربي، يقول ان القيم المادية التي يطرحها زمن ثقافة الصورة مخيف ومرعب في مجتمعاتنا العربية، خاصة تلك التي تعيش تحت مستوى خط الفقر أو عنده، ومن خلال عولمة الصورة اصبح نقل مباراة فضائيا يخلق هوسا جماعيا في متابعتها عبر الشاشة الصغيرة من قبل الشباب العربي المهمش، حتى بات نجوم الكرة في الغرب مثلا اعلى لبعض المراهقين وهم يقلدونهم في قصّة الشعر واللباس والتصرفات.

في جانب آخر، وضمن السياق عينه، برزت مسألة خطيرة جداً في ثقافة الصورة هي إبراز العنف كأداة للوصول الى الغاية، فنرى أيضاً نشرات الأخبار تكرس حوادث القتل والتدمير ويتفنن المراسلون في إحداث سبق صحافي والتركيز المثير على المشاهد الأكثر هولاً ورعباً، «وأكبر مثال على ذلك الإعلام «الداعشي».

وتركز ثقافة الصورة بحسب الدكتور بيلونة على الوافد الينا من الغرب فناً أو إعلاناً، فالفن العربي الراقي الأصيل مسخ، وفي أفضل الأحوال طُعّم بنكهات غربية غريبة عن تراثنا الموسيقي.

وحول تفشي ظاهرة الإعلان يرى الدكتور بيلونة نرى الخلط واضحاً بل ومتعمداً بين الإعلام كرسالة سامية والإعلان كوسيلة للربح، أي أن الناس باتوا محاصرين بإغواء السلع والإغراء في الشراء في أسلوب مبتذل، إذ تستخدم المرأة ومفاتنها ودلعها للترويج للسلعة، ومن لا يستطيع الحصول على السلع يشعر بالعجز والإحباط. وتروّج ثقافة الصورة لثقافة اقتصاد السوق وتمجد الربح، بغض النظر عن الوسيلة، وتعظم الوجود المادي للإنسان على حساب وجوده الروحي والإنساني كقيمة مستقلة في ذاتها.

الدكتورعدنان بيلونة أمين سر جمعية «نادي أوغاريت الثقافي» في اللاذقية، صدرت له أربع مجموعات قصصية ممتعة ومفيدة وذات أسلوب عصري لاذع وساخر على لسان الحيوانات مثل: «كليلة ودمنة» وعناوينها «عفوا أيها الحيوان» «إلى أين أيها الحيوان»، «لماذا أيها الحيوان» و»ماذا بعد أيها الحيوان»، معتمداً أسلوب التورية ومعالجاً قضايا إنسانية وفكرية وسياسية واجتماعية وظواهر سلبية كثيرة في مجتمعنا على طريقة «شرّ البلية ما يضحك» أو «لمضحك المبكي». وله كتاب آخر عنوانه «أوجاع قلم» ينتمي إلى الأدب الساخر أيضاً. فضلاً عن مؤلفات أخرى في الفكر السياسي مثل كتاب «القائد الأسد والأمن القومي العربي» و»المشروع الصهيوني والسلام الإسرائيلي» و»الأمن الثقافي وتحديات العولمة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى