السعودية وإيران

حميدي العبدالله

لا يكاد يمرّ يوم واحد من دون أن يصرّح مسؤول كبير في المملكة العربية السعودية عن تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، ويشكّل الموقف من إيران لازمة دائمة في الإعلام السعودي، أو الإعلام العربي المموّل من السعودية.

من حيث المبدأ صحيح أنّ هناك نفوذاً إيرانياً آخذاً في التزايد في المنطقة، ولكن أليس ذلك من سنة الحياة السياسية، وجزء لا يتجزأ من قواعد اللعبة السياسة على امتداد التاريخ، القديم والوسيط والحديث؟ بمعنى آخر هل ثمة حقبة في التاريخ لم يسجل فيها صعود دولة أو إمبراطورية، وبالتالي اتساع نفوذها وتخطيه الحدود الجغرافية للدولة أو الإمبراطورية الأم؟ ألم يكن هذا هو حال الإمبراطوريات القديمة، الشرقية والغربية؟ وهو أيضاً حال الإمبراطوريات الإسلامية، بوجوهها الأموي والعباسي والعثماني؟

أوَلم يكن هذا هو حال الإمبراطوريات الأوروبية في القرنين الثامن عاشر والتاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين؟ ثم كيف يحق للولايات المتحدة أن يكون لها نفوذ في منطقة الخليج والعراق وبلاد الشام وهي تقع على بعد آلاف الأميال عن المنطقة، ولا يجمعها مع شعوب هذه المنطقة أي رابط، وتتطلع إلى الهيمنة عليها واستغلال ثرواتها؟ ولا يحق لإيران الدولة التي تقع على حدود المنطقة وتشارك شعوبها في التراث والدين والتاريخ أن يكون لها نفس «الحقوق» التي للولايات المتحدة وللحكومات الغربية؟

لا شك أنّ المسؤولية في هذه القضية تقع على عاتق المملكة العربية السعودية أكثر من أي جهة أخرى، فإيران أبدت استعدادها أكثر من مرة لإقامة تعاون وثيق مع المملكة العربية السعودية، وتنسيق سياساتها في المنطقة مع المملكة على نحو يزيل المخاوف ويبدّد القلق، سواء كانت مخاوف حقيقية أو متوهَّمة، ولكن السعودية هي التي كانت ترفض دائماً الاستجابة لنداءات طهران، بل أكثر من ذلك انّ المسؤولين في إيران سواء كانوا متشددين، كما هو حال الرئيس أحمدي نجاد، أو إصلاحيين، كما هو حال الرئيس حسن روحاني، كانوا دائماً يتطلعون إلى إقامة علاقات تعاون مع المملكة العربية السعودية، بما يعود بالخير على شعوب المنطقة ويؤمّن الاستقرار فيها، لكن المسؤولين السعوديّين هم الذين رفضوا وما زالوا يرفضون نداءات إيران ويسعون إلى تصعيد المواجهة معها، وهذا التصعيد يقود دائماً إلى تقهقر مكانة السعودية وتقدم مكانة إيران، ولا سيما في الدول المجاورة للملكة، وتحديداً اليمن والعراق، فإذا كان ثمة طرف يجب أن يساءَل عن توسّع وتجذّر النفوذ الإيراني، المنطقي والمفهوم، في المنطقة، فإنّ هذا الطرف هو السعودية التي أصرّت على إبقاء علاقات العداء بديلاً عن علاقات التعاون المشترك بما يخدم مصالح البلدين وشعوب المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى