أوغاريت بآلهتها وأبجديتها وموسيقاها… منحوتات للتشكيليّ حسن حلبي في «جامعة تشرين»

سبعة وثلاثون عملاً فنّياً نحتيّاً من خشب الزيتون، تضمّنها معرض الفنان التشكيليّ حسن حلبي بعنوان «تحية إلى الوطن»، سلّط قسمٌ منها الأضواء على حضارة أوغاريت، وقسمٌ آخر تناول الأزمة الحالية التي تعيشها سورية، من تغييب الحضارة والهوية القومية، وتهديم البنية الثقافية والحضارية والاقتصادية والاجتماعية لدى الإنسان السوري.

كما احتوى المعرض الذي استضافته صالة المكتبة المركزية في «جامعة تشرين» أعمالاً تحمل الطابع الإنساني والوطني والوجداني، إذ تميّزت بغناها بالحواريات بين بعضها، وإشارتها إلى الماضي والحاضر بأسلوب المدرستين التكعيبية والواقعية.

وذكر الفنان حلبي في تصريح لـ«سانا» أنه يتوجب على الفنان تجسيد حضارة بلده وتراثه بدايةً، ثم تجسيد حضارات الدول الأخرى، خصوصاً أنّ ثقافة أوغاريت وحضارتها موغلتان في القِدم منذ آلاف السنين، فمنها بزغت الأبجدية الأولى تشعّ على العالم بكامله، واكتُشفت فيها النوتة الموسيقية الأولى، إذ تضمّن المعرض بعض الأعمال التي تجسّد حضارة أوغاريت، والتي بدورها تغني ثقافة الفنان لينتج عملاً فنّياً جيّداً.

وتابع: «ومن هذه الأعمال، عمل فنيّ نحتيّ لحمامة السلام مع أحد الآلهة الأوغاريتية، وهو الإله بعل، وفي هذا العمل دُمجت حضارة أوغاريت مع الواقع الحالي الذي تعيشه سورية الحبيبة، وأمنياتنا أن يرفرف السلام أبداً فوقها. وهناك عمل آخر يجسد التناغم والانسجام بين المرأة والموسيقى الأوغاريتية والقضية المشتركة بينهما، ولحظة ولادة كل منهما المتزامنة مع الأخرى، إضافة إلى عمل نحتيّ آخر يصوّر الحياة وشكلها وطريقة سيرها واستمراريتها لرجل وامرأة داخل قارب أوغاريتيّ، والأمواج حولهما. والعمل يصوّر الحياة داخل المجتمع السوري واستمراريتها على رغم الإرهاب والقتل والتدمير، والسعي إلى العبور والوصول إلى مرافئ النجاة والحبّ والحياة».

كما أنّ تداعيات الأزمة والحرب الكونية على سورية كانت حاضرة في غالبية أعمال الفنان حلبي، إذ تضمّن المعرض عدداً من الأعمال التي تتناول الأزمة من مختلف جوانبها. فهناك عمل فنيّ نحتيّ يصوّر هجرة الطيور بشكل جماعيّ، وانعكاسها على أرض الواقع، مبيّناً أن هذه المنحوتة تعتبر صورة حيّة وصادقة عن الواقع الذي نعيشه، والذي فرضه الإرهاب والتطرّف على أرضنا الحبيبة، فكثرت الهجرة الداخلية، والأصعب الخارجية التي استهدفت العقول والأدمغة والكفاءات، إلى دول أخرى كثيرة، وذلك بهدف تحقيق سياسة تفريغ سورية ـ العصيّة على الإرهاب ـ من شبابها وطاقاتها اللامتناهية وعناصر قوّتها وصمودها وثباتها.

ويتابع: «ولكننا الأقوى لأننا على حق. ومن يكن على حق لا يخاف أحداً، ونحن شعب أبيّ رضع الكرامة والعزّ والفخر ولن نتخلى عن سوريانا، بل سنبقى صامدين نتحدّى ونعيش بحبّ على رغم الدمار. وهذا يتجلّى من خلال منحوتة المرأة التي ترفع راية السلام، إضافة إلى هدوء الحمام الذي يلفّ المدينة بالسلام والذي يرمز إلى الخصب والانتصار وولادة جديدة ومستقبل مشرق بالأمن والأمان».

وضجّت غالبية منحوتات المعرض بالتفاؤل والفجر الجديد المليء بالأمل، ومنها منحوتة «الديك» الذي يتأهب للصياح مبشّراً ببزوغ فجر يوم جديد ونهاية فترة سوداء من حياة شعب لم يبخل بتضحياته وتقديم القرابين التي أينعت شقائق نعمان على امتداد مساحات الوطن.

أما السلّم ذو الدرجات السبع، فيمثّل السموات السبع، كما أنه يتحدّث عن الإنسان من مراحل تشكّله الأولى وحتى المرحلة الأخيرة من عمره وانتقاله إلى العالم الآخر. كما يطرح هذا العمل حوارية وتساؤلات متعدّدة: إلى أين نحن ماضون؟ والعالم أجمع يتكاتف على تغييب ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا وسرقة تراثنا وماضينا. إضافة إلى عمل آخر يتحدّث عن المدينة وحياتها وتناقضاتها وما تحويه من أطياف مختلفة ونسيج اجتماعيّ منسجم.

وأهدى الفنان حلبي عملاً نحتيّاً للشهداء، وقد اتّخذ العمل رمز الشعلة الدائمة الاتقاد مع الشمس، اللتين ترمزان إلى الحرية والشهادة والسلام.

وقال الفنان حلبي إنّ لكلّ فنان ثقافته وخبرته الخاصة والتي يعمل على إغنائها وتطويرها من خلال اطّلاعه على ثقافات الآخرين وتجاربهم ونشاطاتهم، إن كانوا فنانين أو أشخاصاً عاديين، والاطّلاع على حضارات بلدانهم وحضارات الدول الأخرى، ومشاركته في المعارض والملتقيات الفنية والثقافية، ومواكبته كلّ جديد لإخراج عمل فنيّ مميّز.

ويرى الفنان حلبي أن الفنان سفيرٌ لبلاده من خلال المعارض التي يقيمها خارجاً. فهو يعمل على التعريف بثقافة بلده ونشرها إلى مختلف بلدان العالم. كما أنه في الوقت نفسه ينهل من خبرة الطرف الآخر ومعارفه وثقافته، ويغتني منه بما يناسب فكره وعقله وفنّه، وبالتالي إغناء لوحته وإخراجها إلى النور لإغناء الساحة الفنية وتقوية الذائقة البصرية لدى الجمهور.

ويتجسّد المشروع الحالي للفنان حلبي بالنحت على الخشب، ويرى روحه فيه موضحاً أنه على الفنان التنقل كل فترة زمنية معينة إلى مادة أخرى غير التي يعمل عليها، وأن يستمرّ في التجريب إلى أن يستقرّ على ما يلائم روحه ويوافق شخصيته وميوله الفنية، مبيّناً أن هناك أعمالاً فنية يخرجها الفنان بلحظة العمل ويضيف عليها، ومنها ما تكون «كروكي»، أي فكرتها جاهزة.

وأكثر ما ميّز الفنان حلبي وترك بصمته الخاصة فيه، أعمال النحاسيات التي أخرجها بطريقة فنية تشكيلية، علماً أنها مادة فنون تطبيقية وهي مادة جامدة وباردة ومن الصعب تحويلها إلى عمل فنّيّ بحسب تعبير حلبي. ومع هذا، قام الفنان بتجسيد أغاني فيروز التي نسمعها يومياً وتصويرها على النحاس، وأخرج منها لوحة فنية رائعة الجمال.

يذكر أن الفنان حسن حلبي من مواليد عام 1960 في محافظة اللاذقية، درس الفنّ دراسة خاصة، ونظّم نحو ثلاثين معرضاً، منها 20 معرضاً داخل سورية، وهي سبعة معارض في اللاذقية، ومعرض في طرطوس، وثلاثة في مصياف، وسبعة في دمشق، واثنان في السويداء. أما خارج سورية، فنظّم معرضين في لبنان، ومعرضاً في فرنسا، وخمسة في إسبانيا. وله أعمال موزعة في سورية، تركيا، لبنان، فرنسا، الأردن، إسبانيا، اليمن، أميركا، الإمارات وروسيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى