هل «فتوحات داعش» لإجهاض الاتفاق النووي النهائي؟

د. عصام نعمان

ليس سراً أن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يناهضون، أقلُّه يعارضون، توصلها وحلفاءها إلى اتفاق نووي نهائي مع إيران قبل أواخر حزيران يونيو المقبل. تركيا والسعودية ودول الخليج و«إسرائيل» تعتقد أن من شأن الاتفاق المرتقب تعزيز قدرات إيران وتمّكينها من مدّ نفوذها وترسيخ حضورها في بلدان البرزخ الجيوسياسي الممتد من الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط إلى شواطئ باكستان وتخوم أفغانستان.

تركيا والسعودية لم تكتفيا بمناهضة مشروع «الاتفاق النهائي» سياسياً وإعلامياً بل لجأتا إلى تصعيد ميداني في سورية واليمن لاستنزاف حلفاء إيران المحليين. استنزاف الحلفاء ينعكس، في تقديرهما، سلباً على طهران ويؤدي إلى إضعافها سياسياً وعسكرياً.

إضعاف إيران يعزز، مبدئياً، المركز التفاوضي للولايات المتحدة وحلفائها في المحادثات الجارية لتوليف «الاتفاق النهائي». هذا الاحتمال حمل بعض المحللين والخبراء الإستراتيجيين على الشك في أن التصعيد الميداني الذي تقوم به تركيا والسعودية في سورية واليمن إنما جرى ويجري بعلم الولايات المتحدة ودعمها. يقدّم هؤلاء شواهد طازجة على أرجحية ظنونهم. يشيرون إلى ما يسمونه «تفليت» إفلات «داعش» على العراق وسورية في فترة متزامنة مع التصعيد الميداني الذي مكّن «داعش» من اجتياح الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، والتمدد في أرجائها وصولاً إلى معبر التنف الجنوبي بحيث أصبحت المعابر جميعاً بين العراق وسورية في قبضته.

سبق هذه «الفتوحات» تهديد سافر من واشنطن، قائدة «التحالف الدولي ضد الإرهاب»، إلى «الحشد الشعبي» العراقي بالامتناع عن مشاركة الجيش العراقي ودعمه في تصديه لـ «داعش» في معركة الرمادي تحت طائلة قصف وحداته المقاتلة بطائرات التحالف إن فعل!

بالتزامن مع «فتوحاته» العراقية، حرك «داعش» أرتاله المؤلّلة عبر البادية السورية لتجتاح تدمر، مدينةً وآثاراً ومواقعَ عسكرية، كما بلدات وقرى محيطة بها. بذلك أزال «داعش» الحدود بين العراق وسورية على مدى مساحةٍ ومسافةٍ تمتدان من تركيا في الشمال إلى السعودية في الجنوب. هذا كله تمّ من دون أن يكلّف طيران «التحالف الدولي ضد الإرهاب» نفسه عناء قصف أرتال «داعش» الزاحفة. الدليل؟ ألم يكشف السناتور الجمهوري المعارض جون ماكين أن 75 في المئة من طائرات «التحالف الدولي» الأميركية تعود إلى قواعدها من دون أن تقصف مواقع «داعش» بقنبلة واحدة؟

هل تردّ إيران وكيف؟

الواقع أن إيران أدركت أبعاد «تفليت» «داعش» على العراق وسورية وإغراض خصومها من ورائه، فقام مرشدها السيد علي خامنئي:

أولاً، بإيفاد مستشاره السياسي علي أكبر ولايتي إلى بيروت ودمشق لتطمين قادة المقاومة وقادة سورية إلى أن طهران مصممة على دعمهم في وجه ما اسماه «مخططات تقسيم العراق وسورية ولبنان». وكان وزير الدفاع الإيراني قد قام قبل ذلك بزيارة العراق والتفاهم مع أركان حكومته على متطلبات مواجهة «داعش»، ومنها توجّه رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى موسكو لطلب السلاح والعتاد الأمر الذي فعله العبادي لتوّه وحظي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن باستجابة سريعة.

ثانياً، أعلن بنبرة عالية رفض إيران تفتيش مواقعها ومنشآتها العسكرية أو استجواب علمائها النوويين بمقتضى أية ترتيبات لتسوية النزاع مع مجموعة دول 5+1 في شأن برنامجها النووي.

هذا الموقف الأخير الصارم لخامنئي يشي بأمرين خطيرين. أولهما، أن تكون الولايات المتحدة قد طرحت خلال المحادثات الجارية بينها وبين إيران لصوغ الاتفاق النهائي شرطيّ تفتيش المواقع العسكرية واستجواب العلماء النوويين. ثانيهما، أن تكون القيادة الإيرانية قد وضعت في الحسبان احتمال فشل محادثات «الاتفاق النهائي» الأمر الذي يعني عودة الولايات المتحدة وحلفائها إلى سياسة فرض الحصار والعقوبات الاقتصادية والمصرفية على إيران. هذا الاحتمال تعزّز بقيام الرئيس أوباما بتوقيع تشريع يولي الكونغرس حق مراجعة أو إلغاء أي اتفاق نووي تعقده واشنطن مع طهران.

هنا ينهض سؤال: هل في مقدور إيران، في حال عادت دول الغرب الأطلسي إلى محاصرتها وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها، أن تستمر في دعم حلفائها في محور الممانعة والوفاء بمتطلباتهم، ولا سيما مواجهة «داعش» ومخططات التقسيم البازغة؟

يبدو أن إيران وضعت في حسبانها احتمال إجهاض «الاتفاق النووي النهائي» وبالتالي عودة الولايات المتحدة وحلفائها إلى سياسة الحصار والعقوبات، فقررت مواجهة مخاطرها وتداعياتها عليها وعلى حلفائها. لو لم تكن إيران واثقة من أن في مقدورها مواجهة هذه المخاطر والتداعيات لكانت اتخذت موقفاً ليناً من مسألة تفتيش مواقعها ومنشآتها العسكرية واستجواب علمائها النوويين وذلك تفادياً لعودة الحصار والعقوبات.

إلى أين من هنا؟

يبدو أن الجميع مضطرون إلى انتظار ردود فعل الولايات المتحدة و»داعش» على كل ما جرى ويجري من الآن ولغاية أواخر الشهر المقبل. وفي هذه الأثناء، ستجري مياه كثيرة تحت جسور المنطقة ومعها فيضانات عنف وإرهاب شديدين وتطورات عسكرية وسياسية يُراد لها أن تكون صالحة أو غير صالحة للتوظيف في اجتراح تسويات مقبولة للنزاعات الإقليمية أو، بالعكس، لصب مزيد من الزيت على نيران الصراعات المحتدمة من الخليج إلى المحيط.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى