مكتبة «البناء»

كتبت سلوى صالح: يرى الكاتب حسان محمد سلمان أن التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم منذ تسعينات القرن الماضي حتى الآن، ساهم في زيادة درجة انفتاح الأسواق ودرجة الارتباط بينها والتأكيد على عالميتها، ما أدّى إلى تعاظم الاعتماد المتبادل بين دول العالم في ظل بيئة تسودها التنافسية.

وأضاف في مقدّمة كتابه بعنوان «التجارة الإلكترونية بين المفهوم والتطبيق» الصادر عن الهيئة السورية للكتاب، أنه في سياق عصر المعلومات والاتصالات وفي إطار تحوّل المجتمع إلى مجتمع معلومات، ظهرت التجارة الإلكترونية كنمط جديد من أنماط التعامل التجاري، وأن هذه التجارة انتشرت وتطورت في العقد الأخير من القرن العشرين، سواء على المستوى المحلي داخل الدولة نفسها، أو على المستوى الدولي في ما بين الدول.

ويوضح سلمان أن انتشار شبكة الاتصالات بشكل عام والإنترنت بشكل خاص وما صاحبهما من انتشار للتجارة الإلكترونية، عزّز من حركة التجارة الدولية في الصادرات والواردات. مشيراً إلى أن رواج التجارة الإلكترونية قد يؤدّي إلى نمو الصادرات، إذ أصبحت التجارة الإلكترونية تمثل جزءاً هاماً من التجارة الدولية ويترتب عليها عدد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية، ويتوقع لها مزيد من الانتشار والازدهار.

وأشار إلى أن معظم الحكومات سعت إلى وضع رؤى استراتيجية وطنية لتنمية التجارة الإلكترونية وتحفيز منشآت الأعمال في كل القطاعات الاقتصادية على ممارستها. كما سعت منشآت الأعمال بدورها إلى تطوير هياكلها ونظم عملها واستراتيجياتها الداخلية من أجل التعامل بالتجارة الإلكترونية وزيادة قدرتها التنافسية من خلال الدخول إلى عصر المعلومات.

وفي سورية، أصبحت التجارة الإلكترونية ضرورة ملحّة بحسب سلمان في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها. كما أصبحت مطلباً تنموياً لزيادة مساهمتها في التجارة الخارجية، وكذلك لتطوير قطاعاتها الإنتاجية وتوفير الفرص لزيادة نموّها الاقتصادي.

ويرى الكاتب أنه، لكي تستفيد سورية من التجارة الإلكترونية، من الضروري تحديد العقبات التي تواجه تطبيقها وذلك لتسهيل الالمام بمتطلباتها الأساسية من البنى التكنولوجية التحتية والتنظيمات والتشريعات المتعلقة بتطبيقها.

يتضمن الكتاب الواقع في 207 صفحات ثلاثة فصول يدور الأول منها حول الاطار المفاهيمي للتجارة الإلكترونية ويتناول مفهومها ونشأتها وأشكالها ومراحل تنفيذها، ومراحل تبنّيها وتطبيقها ومؤشرات قياسها. كما يتناول هذا الفصل مزايا التجارة الإلكترونية وخصائصها، ومستلزمات نموها وأبعادها الاقتصادية وتحسين مزاياها التنافسية، إضافة إلى نظم الدفع الإلكترونية.

أما الفصل الثاني فيقدّم عرضاً تحليلياً لتجربتَي كوريا الجنوبية والهند في مجال التجارة الإلكترونية من خلال الحديث عن تطور حجم هذه التجارة والدروس المستفادة من تجارب الدولتين المذكورتين. فيما يدور الفصل الثالث حول التجارة الإلكترونية في سورية واقعها ومتطلبات تطبيقها ومعوقات هذا التطبيق والآثار المحتملة للتجارة الإلكترونية على المشروعات الصغيرة ومتوسطة الحجم وخصائص هذه المشروعات وسماتها، وواقعها في الاقتصاد السوري، إضافة إلى الآثار المحتملة للتجارة الإلكترونية على الصادرات السورية.

«دروب في المشهد التشكيلي السوري» لعلي الراعي

كتبت ياسمين كرّوم: يتناول كتاب «دروب في المشهد التشكيلي السوري» للكاتب والصحافي علي الراعي، عيّنة متنوّعة من التجارب التشكيلية تعادل إلى حدّ بعيد تنوّع المشهد بحدّ ذاته، عبر اختيار تجارب تشمل أكثر من جيل وأكثر من اتجاه ونوع تشكيلي، من نحت ورسم وتصوير، من دون نسيان إظهار الرابط بين هذه التجارب والمتجسّد في سعي أصحابها إلى خلق هوية سورية واضحة للعمل التشكيلي السوري.

يسعى الكتاب إلى قراءة تجارب فنية لا تزال حيّة، ولم تصل بمشروعها التشكيلي إلى خواتيمه. يقول المؤلف علي الراعي إن صوت الفنان التشكيلي الذي عرض تجربته كان حاضراً بطريقة أو بأخرى من خلال حوارات عدّة جرت بينه وبين الفنانين، إذ سيجد القارئ في هذا الكتاب وجهتَي نظر متكاملتين. مشيراً إلى وجود ما يشبه البورتريه لصاحب التجربة التشكيلية إلى جانب بحث مفصل في أعماله.

الحاجة إلى القراءة النقدية الموازية للحراك التشكيلي الذي يمضي متسارعاً في إنجاز تلويناته كان دافعاً أيضاً لتأليف الكتاب، لا سيما أن النقد بقي ملقى على عاتق قلة من المتابعين لم يتعدّوا أكثر من عشرين متابعاً نصفهم من الصحافيين ونصفهم الآخر من الفنانين التشكيليين النقّاد بحسب الراعي.

ويتابع الراعي قائلاً: «شمل الكتاب واحداً وعشرين فناناً تشكيلياً وُزِّعوا على ثلاثة ميادين فنية ضمّت في كل منها سبع فنانين، إذ كان للرقم سبعة بعده الميثيولوجي القادم من أعماق سورية القديمة، وكانت هذه «السبعات الثلاث» باقة من سدنة الجمال في سورية، واختتمت ببحث حول حال فن الكاريكاتير السوري أشرت خلاله إلى آراء سبعة من أبرز فناني الكاريكاتير في ساحة الفنون التشكيلية، وبذلك تكون غالبية شواغل التشكيل السوري حاضرة في هذا الكتاب».

وكان الكاتب الراعي قد وقّع كتابه الجديد في نادي الأوركسترا ـ اللاذقية منذ أيام بحضور عدد من الفنانين الذين تحدث عنهم الكتاب، إذ شمل حفل التوقيع إقامة معرض تشكيلي خاص بجوانب من تجاربهم الفنية.

ويوضح الفنان التشكيلي سموقان أن هناك عدداً من المؤلفات السورية التي تحدثت عن تجربته الفنية كالناقد أمين مخزون وقاموس التشكيل السوري ليأتي أيضاً المؤلف علي الراعي الذي تناول هؤلاء الفنانين سابقاً في مقالاته الصحافية وكتب عنهم عدداً من المواد النقدية التي استحقت كل اهتمام.

يتابع: «اخترت في هذا المعرض تقديم لوحة الغابة التي حققت لي حضوراً هاماً في الساحة التشكيلية وهي لوحة واقعية حداثوية تبرز فيها عناصر الطبيعة إلى جانب الحداثة التي تظهر في تكوين اللوحة التي استخدمت فيها تقنيات مختلفة كالرسم بالسكاكين، لوضع الألوان فوق بعضها فتظهر دلالاتها بحسب موقعها من اللوحة.

أما الفنان بولس سركو فلفت إلى متابعته كتابات علي الراعي في الدوريات الأدبية والصحف اليومية، فتكونت لديه ثقة بأسلوبه الأدبي في الكتابة والنقد. مشيراً إلى أن العنوان الفرعي للكتاب «ملامح البحث عن الهوية» جعله يتعمق بما له علاقة بالهوية السورية.

ويقول: «ذهبت عميقاً في هذا الموضوع باتجاه أوغاريت كهوية أصيلة للفنان السوري، بما فيها من مزايا إنسانية وعملت على اختيار لوحات للمعرض فيها الكثير من الشرائط الشفافة المتماوجة المأخوذة عن الزخرفة الأوغاريتية التي تحولت لعنصر تشكيلي حيوي في اللوحات التي قدمتها بما تحمله من معنى أدبي أسطوري».

كما اعتبر الفنان علي مقوص أن المؤلف يمتلك القدرة على توثيق المرحلة التشكيلية السورية، لا سيما في محافظة اللاذقية التي تحتاج إلى الكثير من الاهتمام والبحث النقدي. فالكتاب مرجع للمهتمين بالفن ليطلعوا على أعمال فنية بطباعة جيدة ويقرأوا أفكار الباحث حول أعمال الفنانين المختارين.

يحتاج العمل الفني إلى ناقد وموثق ومشاهد يخلقون معاً مناخاً فكرياً واجتماعياً، يتابع مقوص، لافتاً إلى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث من قبل نقاد ومثقفين متخصصين. منوّهاً أنه اختار المشاركة في المعرض بمجموعة من الأعمال التشكيلية التي تناسب الحدث من حيث القياس والموضوع. لافتاً إلى أنها جزء من تجربته الطويلة في بناء اللوحة التي ركزت على مواضيع غنسانية استخدم فيها الزيت على القماش.

يشار إلى أن كتاب «دروب في المشهد التشكيلي السوري» صادر عن وزارة الثقافة ـ الهيئة العامة السورية للكتاب، ويقع في 350 صفحة من القطع الكبير.

«خيمة غزة» لنضال حمد

صدر حديثاً عن «مؤسسة الرؤى للنشر والتوزيع»، و«دار أبعاد» في بيروت، كتاب «خيمة غزة، شواهد فلسطينية من أرض النرويج»، للكاتب الفلسطيني نضال حمد.

الكتاب عبارة عن سلسلة من القصص التسجيلية ترصد الأحداث والحوارات واللقاءات التي شهدتها الساحة الرئيسية في العاصمة النرويجية. إذ نصبت الخيمة في إطار حملة التضامن الأممية ضد الحرب العدوانية «الإسرائيلية» على قطاع غزة عام 2013.

قدّم للكتاب الروائي الفلسطيني رشاد أبو شاور بمقال عنوانه «خيمة المقاوم». وفيها يظهِر أهمية الحكايات الواردة في هذا الكتاب، بما هي نصوص تضاف إلى الإرث الثقافي الفلسطيني الزاخر بالأدب المقاوم.

يقع الكتاب في 130 صفحة من القطع الوسط، وصمّم الغلاف وأخرجه الفنان محمد كوراني.

«نبضات ضمير» لعدلة شداد خشيبون

كتب زياد جيوسي: ليست المرة الأولى التي أجول بها في كتابات الكاتبة عدلة شداد خشيبون ونصوصها، فقد تابعت كتاباتها ونزف روحها منذ البدايات، وأذكر أنني كتبت مقالاً عن نصها «سعاد» نشرته في الصحافة، وضمّنته في كتابي «فضاءات قزح» الصادر عن «دار فضاءات للنشر» ـ عمّان وبدعم من وزارة الثقافة الأردنية في منتصف عام 2009. وفي كل ما تابعت وقرأت لها كنت أجد أن الكاتبة كانت تلجأ إلى الرمزية الجميلة، الرمزية التي يمكن أن ينطبق عليها وصف السهل الممتنع من أجل إيصال الفكرة ببناء قصصي جميل وسهل، لكنه يخفي وراء رموزه الهدف المنشود، وإن أعطى المؤشرات للقارئ حتى لا يتوه في البحث، فابتعدت الكاتبة عن الرمزية المغرقة بالتخفي حتى لا يضيع القارئ عن الهدف، أو أن يمل القراءة فيرمي النص جانباً. كان الضمير والحس الإنساني والحب والوطن صفة مشتركة في معظم نصوص الكتاب التي بلغت 75 نصاً، وهي النصوص التي احتوتها دفتَا الكتاب، وهذه النصوص التي تراوحت بين القصة القصيرة وبين الوجدانيات، وعدة نصوص يمكن أن تصنف ضمن النص الشعري النثري، كانت عبارة عن نزف إنساني للروح الحافلة بالمحبة والإنسانية، في بوح وجداني عصيٍّ على التجنيس، فالكاتبة لا تملّ من البحث عن الضمير الإنساني، فهي مقتنعة أن الضمير لا يكف عن طرق القلوب، لعلّ الغمامة تزول ويعود البشر إلى ضمائرهم. والضمير لديها بداية الوعي، فالضمير بدايات الطريق إلى الحرية، وهو الوطن الذي تصبو إليه كل نفس، وهو الفكرة، وهو الحرية، والضمير الحقيقي لا يخشى قسوة البشر، «أيها الأمل الغافي على كتف حرية الضمير، حان وقتك لتنهض»، فهو الموجّه وهو القوي ولا يخشى إلا خالق الكون.

والإنسانية هي الهدف المنشود، فهي لا يمكن أن تموت مهما قست قلوب البشر، والضمير مهما عانى من الموت أو ابتعد سيبقى يتوق للإنسانية حيث تنبض الضمائر. تنتشر الإنسانية وتسود المحبة في عالم البشر، ومن هنا نجد الكاتبة أسمت كتابها «نبضات ضمير» مشبهة الضمائر بالقلوب التي تنبض، فكانت هذه النبضات تبدأ من لوحة الغلاف التي أتت على شكل قلب كبير يحمل العنوان وكانت النقاط فيه قلوب صغيرة، ضمن إطار من القلوب على شكل لوحة مطرزة من التطريز الفلسطيني طرزتها يد الكاتبة على قاعدة سوداء، فكانت رمزية واضحة لارتباط الضمير بالقلوب والوطن على رغم الظلام الذي يحيط بالوطن الفلسطيني، والعتمة التي تنتشر في أرجاءه، فهو وطن محتل من بشر لا يعرفون الإنسانية أبداً، ولكن «الأرض تتكلّم بكلّ اللّغات، تصرخ بالأخضر صرخة الزيتون، وبالأحمر شقائق النّعمان، وزهر اللّوز نقاء العذراء، وبالأسود تصرخ بصوت التّراب». وهي وكمّا تسميها: «أمّنا الأرض، «الأرض أمينة للخير، «الأرض لا تكذب»، الأرض لا تُمنّن، الأرض لا تنكر المعروف، اِزرعوا أمنياتكم فيها، لا تُحلّلوا مفاهيمها، لا ولا عناصرها. هي تُعطى، وكلّنا نحبّ العطاء، تُعطي وسعيدة بعطائها».

مازجت الكاتبة في نصوصها ما بين العناوين ودلالتها، وما بين البوح الوجداني من ناحية والأسلوب القصصي من ناحية أخرى، لكنه كان واضحاً في كل نص أن هناك رسالة ترسلها، فما بين الألم على فاتنة في «فاتنة… حبيبتي الصغيرة» التي تستهلّ بها الكتاب، مروراً بـ«آذار… وثيقة عطاء»، حيث تمازج بين يوم المرأة وعيد الأم ويوم الأرض، مروراً بكل نصّ من نصوصها إذ تتحدث عن الصيام وذكرى الأم، مروراً بكافة النصوص التي حفلت بكمّ كبير من مشاعر الإنسانية والمحبة والضمير، ممازجة في كافة النصوص تقريباً بين الطبيعة في عصفها من ناحية، وبين جمالها من ناحية أخرى، وبين الروح الإنسانية بتقلباتها من ناحية أخرى، فهي تهمس: «صادقة هي عاصفة الطبيعة». ولكنها تهمس من ناحية أخرى: «كل أعاصير الكون تهدأ بكلمة محبة وحفنة حنان».

الوطن كان الهاجس الأكبر في نصوص عدلة، فهي توجّه سهام نقدها بقوة لكل المظاهر السلبية للمجتمع الذي تعيش فيه، خصوصاً ما صار يعرف بلعبة الانتخابات كما في نصها: «منافقون حتى النصر». وكانت الطبقات المسحوقة لها مكانتها في نصوصها، وكنموذج لذلك نصها: «صمت وحفيف»، إذ تقول: «أين حذائي الذي اهترأ من الغوص في وحل الظلم والاغتياب؟ في السّوق العتيقة، حيث عزف الفقير معزوفة الشّوق، لحلم رغيف بزيت وزعتر، وكوب من الشّاي تنبعث منه رائحة نعناع، بنكهة بستان جدّي، وينابيع جرت من جبهات الكدّ والعمل…». وهي تربط دوماً الفقراء بالخلق ودماثة الأخلاق على رغم فقرهم، وهي ترفض العبودية فتقول: «…أريد أن أصرخ، لا في وجهك، بل في وجه العبودية الآسرة».

الأمّ، العاطفة، والحنان، والذكرى والتأثير التربوي، كان لها مساحة كبيرة في وجدانيات الكاتبة، وبالكاد يخلو نصّ من الإشارة إلى الأمّ مباشرة أو عبر الرمز، وأكتفي بالإشارة إلى نصّ «في يومك أماّه»: «ما زالت تسكرني رائحة الهيل، من قهوة كنت فنّها تتقنين، ورائحة خبز الصّاج تفوح. أمّا أقراص الزّعتر السّابحة في الزّيت، فطعمها لن يطغى عليه أي طعم. أمّاه». بينما الفلسفة والحكمة كانت تختصر النصوص عامة بعبارة داخل أو في أواخر النص، ومن هذه الحكم على سبيل المثال: «لا ترموا حجارة في بئر الذكريات، فقد تشربون منها ذات يوم»، «البحر يعطش كما الصحراء، الصحراء تتنفس ماء البحر المالح، ويبقى كلاهما يبحثان عن الماء للارتواء»، «بحر الأحلام بلا منقذ، والعوم في الأعماق على مسؤولية العائم»، «تمتع بالحلم ما دمت في غفلة من اليقظة»، «اجعلي لك من حامض الذكريات، عصيراً حلو المذاق»، «لا أحب القلائد الضيقة، تخنقني وتبرق في وجوه الآخرين».

وهكذا، وفي جولة سريعة في «نبضات ضمير» وعدلة شداد، نمرّ في جولة من جمال من البدايات حتى النهاية، وإن كان يستحيل أن يكون هناك عمل متكامل من دون بعض الهنّات ونقاط الضعف العابرة. فالنصوص التي بين أيدينا ليست في الكتاب المقدّس. القارئ سيلمس بعض التكرار في النصوص، وإن كنت أعذر الكاتبة من زاوية أن هذه النصوص كتبت ونشرت عبر سنوات طويلة، ولم يعاد تحريرها حين نشرها في كتاب يضمها بين جنباته، إضافة إلى أن استخدام النقطتين المتتاليتين .. يتكرّر دوماً بين العبارات، وكان الأجدر استخدام إشارات الترقيم الأخرى، كما أن نصوصاً عدّة أخذت طابع السرد أكثر من اللازم، وكانت تحتاج إلى تكثيف اللغة أكثر.

وهناك ملاحظة فنية حول طباعة الكتاب وتنسيقه، فالكتاب الأول هو كأساس البناية في مسيرة الكاتب، وكان سيكون أجمل لو كان من القطع المتوسط لا القطع الكبير، ولو جرى الانتباه لنوعية الورق، فالورق كان أبيض متعباً للعينين، والإهداء كان طويلاً وكأنه نصّ، وكان يمكن تكثيفه واختصاره. إضافة إلى أن كلمة الشكر والتقدير كان يجب أن تكون أقل بالمساحة التي أخذت صفحة كاملة بذكر الأسماء وكل من شجّع الكاتبة في مسيرتها الأدبية، وهذا كان يمكن اختصاره بعبارات مكثفة عامة معبّرة، إضافة إلى وجود تقديم للكتاب في بدايته وهذا لا اعتراض عليه، لكن لم تجر العادة أن يكون هناك تقديم آخر في نهاية الكتاب أيضاً.

ومع هذا، فالجماليات والبوح الوجداني في الكتاب يشار إليها بكل احترام، ولعل الكاتبة مع مولودها المقبل أو طبعة أخرى من الكتاب نفسه تتمكن من تتجاوز هذه الهنّات، حتى يحلق القارئ بفضاءات نقية من الجمال، ومن دون اعتراض من سحابات عابرة.

«الكابوس الأميركي» لروبير دول

كتبت سلوى صالح: يفضح كتاب «الكابوس الأميركي» للكاتب الأميركي روبير دول، العقلية الأميركية التي تقوم على فكرة الاستعلاء المستمدة من الطهرانية التي كانت سائدة في القرن السابع عشر، والتي ما زالت حاضرة في حياة الولايات المتحدة المعاصرة، تحرّك أفكارها العدوانية والبنية الفكرية التي تسيطر على عقل الطبقة الحاكمة فيها.

وجاء في مقدّمة الكتاب الذي ترجمه الأب الياس زحلاوي، أن الأميركيين يرون أن كل تدخل عسكري أو سياسي في البلدان الأخرى يجد تبريراً له في أن الأميركيين هم أبداً «شعب الله المختار»، الأمر الذي كان طهرانيو القرن السابع عشر مقتنعين به اقتناعاً تاماً. ومنذ انهيار الاشتراكية في أوروبا وفي غيرها من البلدان، لم يعد هناك ما يحول دون أمركة الكرة الأرضية.

ويدين الكاتب دول كلَّ أشكال القسوة الأميركية مثل قصف المدن الكبرى وعقوبة الاعدام وغياب البرامج الاجتماعية. وقال إنه في العشرينات من عمره، غادر الولايات المتحدة وهو غاضب على مجتمع بدا له بمثابة امبراطورية الشر. ولم يكن يهرب من الحرب فحسب، ولا من العنصرية ولا المادية ولا العنف، بل كان يهرب من الأميركيين أنفسهم ومن ذهنيتهم وثقافتهم وسلوكهم وعُقَدهم وسوقيتهم وتعبيراتهم. وعندما بلغ الخمسين، تحول غضبه إلى شفقة، وما كان يراه في السابق شراً أخلاقياً، أصبح في نظره مرضاً اجتماعياً مستفحلاً.

ويتابع دول قائلاً: «لم أكن أتبنّى يوماً قيم المجتمع الأميركي، فماديته ونزعته العسكرية تثيران اشمئزازي اليوم كما أمس».

ويحتوي الكتاب الصادر عن «الهيئة السورية للكتاب» على شواهد كثيرة لمؤلفين أميركيين كي يبيّن الكاتب مدى انتشار خيبة الأميركيين حيال بلدهم.

ويقسم الكتاب إلى ستة فصول. الأول بعنوان الفردانية، والثاني بعنوان المختارون وغير المختارين، والثالث القسوة، والرابع الاعتراف العلني، والخامس شهادة جويس كارول أوتس، والسادس بعنوان تحليلات أخرى للذهنية الأميركية.

وفي خاتمة الكتاب الواقع في 142 صفحة من القطع الكبير، يقول دول إن كتابه دعوة من أجل تغيير جذري لنظام الولايات المتحدة الاجتماعي والاقتصادي وهو تحذير لسائر البلدان. متسائلاً كم من الزمن سيستمر العالم الثالث في السماح لبلد واحد بأن يملك نصف ثروة الأرض؟

ويرى دول أن أمركة الأرض شبح يزداد تهديده اتساعاً. ويجتاحه حزن هائل عندما يرى الشباب في كثير من دول العالم مسحورين بالصور السطحية التي تبثها السينما عن المجتمع الأميركي فهم يعتقدون أن مجرد الهبوط على الأرض الأميركية كفيل بأن يجعلهم يعيشون كما أصحاب الملايين الذين يشاهدونهم في مسلسل «دالاس».

وختم دول كتابه بالقول إن الولايات المتحدة أصبحت امبراطورية المادية، وإنّ العيش فيها بالغ الصعوبة ما لم يكن الانسان مستعداً للتضحية بحياته من أجل الرأسمالية، فالمال فيها يعتبر القيمة العليا.

يذكر أن روبير دول المولود في واشنطن عام 1946 تخرّج في جامعة هارفارد عام 1968 وقرر بعد التخرج مغادرة الولايات المتحدة إلى غير رجعة وكان يتقن آنذاك سبع لغات، فتنقل بين جامعات أوروبا مدرّساً ثم استقر في كندا وفيها نشر هذا الكتاب باللغة الفرنسية عام 1996.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى