أريحا في يد تركيا: قرار الحسم ليس مناطقياً سياسياً

عامر نعيم الياس

أعلن الإعلام السوري الرسمي انسحاب الجيش السوري من مدينة أريحا جنوب إدلب، والتي تعدّ آخر المدن الكبرى في المحافظة والتي كانت لا تزال بيد الجيش السوري والقوات الرديفة، حيث لم يتبق بيد الجيش سوى بلدات صغيرة في جنوب المحافظة، وشرقها، إما محاصرة كالفوعة وكفريا، أو تواجه مصير ما سبقها من مدن في إدلب خلال الشهر الأخير،، إضافةً إلى مطار أبو الضهور العسكري المحاصر هو الآخر منذ أكثر من سنة ونصف السنة.

أقل من شهر ونصف الشهر، المدة الزمنية التي لزمت «جيش الفتح» للسيطرة على محافظة إدلب في شمال البلاد، محط الرهان التركي على بدء تغيير التوازن الميداني في سورية تمهيداً لمعركة حلب، أو معركة حماة، أو اللاذقية. وعلى رغم أن حلب هي رهان الأطلسي في سورية لكن خسارة محافظة إدلب يضع ثلاث محافظات سورية في دائرة الخطر حلب أولاً، واللاذقية ثانياً، وحماة ثالثاً، خصوصاً ريفها الشمالي في سهل الغاب التي نجح الجيش السوري حتى اللحظة في وقف تمدّد «النصرة» باتجاهه.

«جيش الفتح» تحت قيادة «النصرة» وفصيل أساسي آخر هو «أحرار الشام» كان نتيجة التقاء قطري ـ سعودي ـ تركي، في ما يخص توحيد الجهد الإقليمي في الحرب على سورية بهدف تغيير التوازن الميداني في البلاد تمهيداً ليس للتفاوض، بل تمهيداً للدفع باتجاه تمديد فترة العمل الخاصة بـ«جيش الفتح» تبعاً للإنجازات الميدانية التي يحققها، هنا شكّل الدور التركي المباشر في سورية وتحديداً في الشمال لاعتبارات أهمها التماس التركي الحدودي مع سورية، الأساس في الرهان على «النصرة» والمجموعات السلفية الأخرى في الشمال، والتي غلّفت منعاً للحرج الأميركي تحت مسمى «جيش الفتح». أنقرة ومع إدراك الجميع لمشروعها السياسي لعبت دوراً مفصلياً في هذا التراجع الميداني الدراماتيكي في شمال البلاد، من دون أن نسقط من حساباتنا عملها على كافة المسارات المتوازية المتعلقة بتدمير الدولة السورية.، فعلى الجانب الرسمي العلني بدأت أنقرة بالاتفاق مع واشنطن تدريب «المتمردين المعتدلين» لمواجهة «داعش»،، وأدخلت بند الغطاء الجوي لهؤلاء «المتمردين» على جدول أعمال التفاوض مع واشنطن.،

أما تنظيم «داعش» الذي بات يسيطر على مساحات واسعة في العراق وسورية واستطاع احتلال الرمادي وتدمر بفارق أسبوع بين المدينتين الاستراتيجيتين فهو الآخر ليس خارجاً عن نطاق النفوذ التركي في الصراع السوري، والذي بات يتجاوز تقديم الدعم اللوجيستي والتقني والمادي والبشري للإرهابيين الكونيين، إلى التدخل العسكري المباشر تمهيداً لإعادة صوغ الجغرافيا السوري والعراقية بطبيعة الحال وفقاً للرؤية النيوعثمانية، كل ذلك يجري وسط صمتٍ من كافة الأطراف المعنية بمحور المقاومة، ويبدو أن الموضوع اقتصر على ترسيخ مفهوم الكر والفر في المعركة، وأولويات الحسم،، فمقابل ما يجري في إدلب هناك القلمون الذي يلحظ فيه أيضاً تراجع لـ«للنصرة» وتقدم ساحق للمقاومة والجيش السوري،. فهل تقتضي المعركة الحالية الصمت والقول إن استراتيجياً في الشمال حلَّ مكانه استراتيجي آخر في القلمون على الحدود اللبنانية السورية؟ هل ما نشهده اليوم يحتمل التعامل معه وفقاً لمنهج السنوات الأربع المنصرمة؟ هل نحن أمام كرٍّ وفر فقط، أم أن البلاد تتعرض لعدوان تركي ساهم توحيد مواقف المحور المضاد حول سورية على الأقل من الناحية الفصائلية العسكرية في الوصول إلى ما نحن عليه الآن؟ ألا يفترض توحيد الجهد السعودي التركي القطري، وبمباركة أميركية، وضع النقاط على الحروف في داخل سورية أولاً، ومن ثم إلزام الحلفاء بذلك؟

تشهد سورية تدخلاً عسكرياً تركياً مباشراً، كنا قد دعيناه في مقال ماض في البناء «عاصفة حزمٍ» بشكل وبقيادة أكثر مباشرة وقدرة على التدخل المباشر حتى البري الذي لم يعد مستثنى، هنا تكثر التساؤلات حول القطب المخفية وأسباب هذا الصمت عن العدوان التركي، هل لا تزال السياسة تحكم العمل الميداني في سورية كما جرت العادة في السنوات الماضية أي ما يسمى «الضوء الأخضر» باتخاذ قرار الحسم في كلّ منطقة على حدة، هل لا يزال الفصل مجدياً بين المناطق، أم أن الأمر بات يستدعي قراراً شاملاً بالحسم في مختلف مناطق الجغرافيا السورية وفقاً للأولوية العملياتية وتقييم الخطر، لا وفقاً للأجندة السياسية التي يفرضها هذا الطرف أو ذاك.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى