التشكيليّ عنتر حبيب: الفنان الذي يكرّر أسلوبه لا يملك هويّة خاصّة

بشرى سليمان ـ نُعمى علي

الرسم بالنسبة إلى الفنان التشكيليّ عنتر حبيب ليس شكلاً من أشكال التعبير، إنما هو الشكل الحقيقي لوجوده، من خلاله يقول كل شيء أو يصمت لونياً دفعة واحدة. فاللون عنده لا يترك مكانه شاغراً لتأويلات بعيدة عمّا يريد.

تمرّ اللوحة عند حبيب بمراحل يراها ولادة جديدة له كفنان. فالإنسان عنده كائن مزدحم بالصور، وكثيراً جداً يفشل في ترتيب مخزونه البصري. لذا، لا ينجح دائماً في تفسيرها. ومن هنا يأتي إبداع اللوحة بحضورها الكامل.

وعن مراحل تشكّل اللوحة يقول الفنان عنتر حبيب: تبدأ اللوحة بحركة راقصة، ثمّ يأخذني الأبيض نحو الشهيق لتبدأ الدورة الدموية بالرقص على إيقاع الألوان التي تبدّل جلدها. فاللوحة هي من يفتح الاحتمالات. وغالباً تبقى مفتوحة. حتى الآن لم أجرؤ أن أقول… هنا انتهت.

لا يتّبع حبيب أسلوباً أو نمطاً واحداً دائماً. فهو يبحث عن أمر جديد. ويقول في هذا الإطار: أن يكرّر الفنان أسلوبه لا يعني هذا أنه ذو بصمة أو هوية فنية خاصة. وربما لا يتفق كثيرون معي في هذا، لكنني أعتقد أن الفن بحاجة إلى ولادة دائمة وبأدوات جديدة.

أما عن التقنيات التي يستعملها في لوحته، فهو يجرّب كل شيء متاح من التقنيات الفنية، كالزيت والماء والحبر والفحم والتراب والرماد وغيرها. والبحث هو وعاؤه. لذا يمكننا أن نشاهد في أعماله الاختلاف. ويقول في هذا السياق: اللوحات الفنية التشكيلية ليست نصّاً بصرياً متسلسلاً. فحياتنا اليومية ليست بلون واحد. أنا أستقي أفكاري من حالاتنا الإنسانية فهي حالات متحولة وغير ثابتة مثلاً. فأنا أستيقظ على فرح لوني لأهدم لون الجرح، وربما أنام بعدئذ على جناح فراشة سوداء.

ومن أهم صعوبات العمل الفني في مدينة اللاذقية بحسب حبيب، عدم وجود صالات مجهّزة للعرض، في غياب شبه تام لصالات العرض الرسمية. وإذا حدث وأقيم معرض في الصالات الرسمية، تكون مدة المعرض القصوى نصف ساعة فقط، تُلتقَط خلالها الصور التذكارية وتُجرى المقابلات الصحافية. وتبقى اللوحات وحيدة لباقي الأسبوع. مشيراً إلى ضرورة وجود صالات مجهّزة لا للعرض فقط، إنما للتسويق أيضاً ولنشر ثقافة الاقتناء عند الجمهور، وهذا يساعد أيّ فنان في الاستمرار.

يشار إلى أن الفنان التشكيلي عنتر حبيب من مواليد بلدة بكسا ـ اللاذقية عام 1976، درس الفنّ دراسة ذاتية، وأقام ثمانية معارض فردية وثلاثة معارض ثنائية، وشارك في معارض مشتركة كثيرة داخل البلاد وخارجها، كما صمّم لوحات غلاف لعدد من المجموعات الشعرية.

معرض «فنّانو اللاذقية»

وليمة بصرية واسعة التنوّع والجمال قدّمها فنانو اللاذقية في معرضهم الذي يقام حالياً في «مقهى هيشون آرت» ـ اللاذقية، والذي يحمل اسم «فنانو اللاذقية»، بمشاركة نحو ثلاثين فناناً وفنانة من أصحاب التجارب المشهود لهم جنباً إلى جنب مع فنانين ناشئين في بداية مشوارهم الفنّي.

تضمّن المعرض لوحات تصوير زيتي ونحت وتصوير ضوئي بتقنيات وأساليب مختلفة، ومواضيع متنوعة تميزت بتجارب متعددة ومتنوعة. فلكل فنان أسلوبه الخاص به ومدرسته وطابعه المميز به.

الفنان التشكيلي عنتر حبيب أحد منظمي المعرض جاءت مشاركته من خلال عملين، مستخدماً الألوان الزيتية، تضمّنت اللوحة الأولى التي جاءت بتقنية السكين، مشهداً بصرياً من الطبيعة، أراد الفنان من خلالها توظيف الموسيقى لونياً، بحيث تسقط ضربات السكين المشبعة بالألوان على القماش الأبيض. أما الثانية فجاءت قريبة إلى السريالية التي تندرج ضمن تجربته الفنية التي يشتغل عليها حالياً، وهي اللوحة الشعرية.

وعن رأي الفنان التشكيلي حبيب بالمعرض أوضح أن هذا المعرض يضيف حالة من الدفع إلى الأمام في الحركة التشكيلية. وهي حالة سليمة وعملية نهوض. مؤكّداً أن الأجمل في هذا المعرض وجود تجارب لها اسمها ووزنها وقيمتها إلى جانب تجارب فنية أخرى لا تزال ترسم طريقها في عالم الفنّ.

بدوره، قال الفنان النحات كرم خضر: مشاركتي في المعرض عبارة عن عملين نحتيين منفّذين على خامة الخشب، مجسّداً البورتريه بالأسلوبين التجريدي والانطباعي، إذ تتحدّث الأعمال عموماً عن الإنسان السوري الذي يعيش مختلف إرهاصات الحياة.

ويرى الفنان خضر، وهو أحد منظّمي المعرض، أن أيّ نشاط فنّي هو حجر جديد في بناء ثقافة بصرية وحسّية للإنسان عموماً، ولمجتمعنا السوري تحديداً. موضحاً أن أهمّ ما يميّز هذا المعرض، التجمّع بحدّ ذاته، ولقاء الفنانين مع بعضهم والنقاش حول الأعمال المقدّمة، وإغناء الأعمال بالنقد البنّاء، والاطّلاع على تجارب الجميع والاستفادة من التقنيات المختلفة المستعملة في العمل.

من ناحيتها، أوضحت الفنانة التشكيلية لينا ديب أنّ مواضيع لوحاتها التي شاركت بها، جسّدت التراث السوري للتأكيد على العراقة والأصالة. فكانت حضارة أوغاريت هي النبع الذي استلهمت منه مفرداتها وعناصرها إضافة إلى البحر ورموزه والطبيعة المحيطة بنا، التي منحتنا كثيراً من الصفاء لتنتج أعمالاً فنية تترجم ذلك الانطباع المرتبط بالتداعيات الفكرية والنفسية. مازجةً بين أسلوبَي الحفر والتصوير.

وحول رأيها بالمعرض، قالت إنه يشهد تنوّعاً في الأعمال والخبرات وفي المواضيع المطروحة، إضافة إلى التقنيات المتنوّعة في تجارب الفنانين كل بحسب تخصصه، ليساهم المعرض في لعب دور إيجابي في تنشيط الحركة الفنية في المدينة.

وقال الفنان النحات فراس علاء الدين، إنّه شارك بعملين من خشب الزيتون، مترابطين من ناحية علاقتهما بالتاريخ والحضارة في بلادنا. أحدهما لوجه تدمريّ وحوله قال: رسالتي من العمل أن التخريب الذي يطاول المواقع الآثرية أثّر فينا جميعاً أكثر من التخريب الذي يطاول الأماكن العادية، لا سيما بعد تضرّر أكثر من 300 موقع أثريّ سوريّ.

وتابع: حاولت بمشاركتي بهذا العمل الإضاءة على تدمر وآثارها العظيمة التي تعرّضت للتخريب على يد المجموعات الإرهابية التكفيرية. ولنؤكّد أنّ تدمر وحضارتها وآثارها حاضرة فينا، وأنه على رغم جميع الأعمال الهمجية، فإن سورية ستبقى ولّادة، وسيبقى فنها متطوّراً وراقياً، وستبقى حضارتها موجودة. فمقياس رقي الأمم وحضارتها يكون برقيّ فنّها ومسرحها أولاً.

وأضاف: شاركت بعمل ثانٍ جاء على شكل قيثارة، وذلك للتذكير والدلالة على قيثارة أور السومرية، التي تعتبر أقدم آلة موسيقية في التاريخ، والتي فقدت من متحف الآثار العراقي أثناء الاحتلال الأميركي للعراق.

وعن رأيه بالمقاهي الثقافية لتنشيط الحركة الثقافية، أوضح علاء الدين أن محافظة اللاذقية تفتقر إلى صالات العرض المحترفة للعرض، وعلينا كفنانين مواكبة الحداثة من أجل تحقيق أكبر مشاهدة لأعمالنا الفنية، والتي تتجلى بالمقاهي الثقافية. خصوصاً أن معظم روّادها هم من الشباب والطلاب الجامعيين ممّن لهم اهتمام ما بالفنّ بجوانبه المختلفة.

وجاءت مشاركة الفنانة التشكيلية رنا بلال بلوحتين غرافيك نُفّذتا بأقلام التحبير الحبر الأسود، تناولتا بمضمونهما حالات أنثوية تظهر ما تخفيه الأنثى من انفعالات، وذلك من خلال حركة الجسد والزخارف المرمّزة التي تخصّ المرأة الشرقية. مجسّدةً من خلالهما انطلاقة الأنثى وتحرّرها وتفاعلها فكريّاً وثقافيّاً مع المجتمع.

وحول مشاركتها في المعرض قالت: جئت بلوحاتي إلى المعرض مع فنانين من اللاذقية بمختلف الاختصاصات، ينتمون إلى عدّة مدارس فنية، مع خصوصية الهوية الفنية التي يطرحها كلّ فنّان من خلال لوحته أو عمله النحتيّ. مشيرة إلى أهمية المشاركة في المعارض الفنية الجماعية، وذلك للاطّلاع على إمكانيات الفنانين وتقنياتهم، ولتعميق التجارب وتحقيق التواصل والتعاون المستمرّين، وللتأكيد على أننا مستمرون بالعمل لنرفع من شأن الفنّ في حياة السوريين، على رغم كلّ الظروف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى