الاستخبارات الانتقائية واستراتيجيات البناء بالإرهاب

محمد احمد الروسان

هل كانت الإدارة الأميركية الديمقراطية تسيّر ومجتمع مخابراتها ووكلائها، من بعض عرب وبعض غرب مجموعات سياحية الى سورية على مدار أربع سنوات وأزيَد من دول الجوار السوري مجتمعةً؟ هل يسعى مفصل المخابرات الدولية إلى تدمير داعش شرير هوليود، حيث قدر هذا الشرير المتابعة في إيران المجاورة عبر ما يجري في سورية أشار السيّد حسن نصر الله إلى ذلك في خطابه في يوم القدس العالمي ، والمتابعة في الجنوب الروسي تماماً حيث تريد أميركا خلق نزاع ومجازر؟ عندما يعلن مسؤول أميركي رفيع المستوى أنّ روسيّا تشكل التهديد الرئيس والأول للأمن القومي الأميركي، فماذا يعني هذا؟ لماذا قرن هذا المسؤول اسم بلاده بروسيّا في هذا السياق؟ هل نصدق ما يروّجه بعض الإعلام العربي وخاصةً الإعلام المتسعود بجانب إعلام الرياض، بأنّ هناك تفاهمات مع موسكو لإعادة هيكلة بل هندرة النظام في سورية وليس إسقاط مؤسساته؟ هل نصدق أنّ موسكو لديها تفاهمات من هذا القبيل مع واشنطن وجون برينان، وجيمس كلابر، وسوزان رايس، العاملين في البلدربيرغ الأميركي؟ أعتقد أنّ هذا هذيان بل هرطقات سياسية استخباراتية أميركية في الوقت الضائع.

الجميع يستخدم «داعش» ويوظّفه بشكل جيد، ولا يريد أحد من مجتمع المخابرات الدولية والبعض العربي التابع، إنهاء عصابة «داعش» وملحقاتها، فنواةّ البلدربيرغ الأميركي ومن تقاطع معها من أطراف في المنظومة الدولية المعادية للنسق السياسي السوري، ومن يدعمه من الحلفاء كروسيّا وإيران والصين وجلّ دول بريكس وباقي المقاومات في المنطقة وفي العالم، هذه النواة الولاياتية الأميركية الأممية وأدواتها في المنطقة، تريد حرباً من زاويتها لا تنهي «داعش» ومشتقاته و«القاعدة» ومشتقاتها، بل تعمل على إضعاف هذه الفيروسات وتثبيط نشاطاتهم الإرهابية لغايات إعادة الهيكلة والتوجيه من جديد نحو الآخر حلفاء دمشق الداعم للنسق السياسي السوري في أكثر من ساحة وأكثر من منطقة في العالم، مع استنزاف مستمر لسورية الدولة والمؤسسات والقطاع العام والجيش وباقي المنظومة الأمنية، فهذه النواة البلدربيرغية الأميركية تعي وتعلم أنّ النظام في سورية أقوى من أن يسقط وأضعف من أن يسيطر ويحتوي عقابيل ومآلات التآمر عليه، هكذا تعتقد وتظن والى أبعد الحدود وبشكل مفعم وعميق في التفاؤل في استراتيجياتها الصامته الجديدة العاصمة الأميركية واشنطن دي سي.

حيث الغارات على مجتمعات الدواعش في الداخل السوري تتقلص نوعاً وكمّاً ونتيجةً، والساحات في المنطقة تترابط، وإدارة أوباما تبحث عن شريك حقيقي لمحاربة أبنائها البيولوجيين من الدواعش كفيروسات أنتجتها تماماً، كفيروسات الكورونا وأيبولا والإيدز ضمن نطاقات وسياقات الحرب البيولوجية، حيث لم تعد تسيطر عليها وقد مسّها الكثير من النصب والإرهاق والتعب.

هناك مفصل أمني نوعي في كواليس المنظومات الأمنية الدولية للبلدربيرغ الأميركي، ما زالت تتبنى الوهابية بشقيها السياسي والعسكري عبر جون برينان، والأخير عمل سنين عديدة في السعودية كمدير لمحطة المخابرات الأميركية فيها، ومعه بعض زملائه والذين يعمل بعضهم في عمّان هذا الأوان، يعتبر جون برينان صاحب مدرسة عتبة الوقت كمعيار في بيان الخيط الأبيض من الأسود من فجر العمل الاستخباري، يجهد ناشطاً هذا الأوان وبالتنسيق مع رئيس مجمّع الاستخبارات الفدرالي الأميركي وبعض الأدوات الأميركية المستحدثة في المنطقة، في محاولة لخلق وتأسيس نسخة متقدّمة لمذهبية استخباراتية جديدة في الولايات المتحدة الأميركية تمّ البدء في مأسستها لحظة تسلّمه لمنصبه بديلاً للجنرال ديفيد بترايوس، والأخير تمت الأطاحه به بفضيحة نسائية حمراء في المجتمع المخملي عبر جنين الحكومة الأممية البلدربيرغ انحيازاً لطرف سياسي ضد آخر في الداخل الولاياتي الأميركي، تهدف هذه المذهبية التي يراد خلقها أو تخليقها، الى دفع شبكات المخابرات الأميركية المتعددة، ازاء تغيير أسلوبها الحالي واستبداله بأسلوب مستحدث جديد يقوم على مفهوم: «الاستخبارات الانتقائية».

بعبارة أكثر وضوحاً، أي اعداد التقارير الاستخبارية، التي تعتمد الوقائع والأدلة، التي من شأنها دعم توجهات الإدارة الأميركية الحالية والمقبلة أكانت جمهورية أو ديمقراطية، وفقاً لما أطلق عليه المحافظون الجدد أنبياء القرن الحادي والعشرين: «التقارير المواتية» التي تتيح، تعزيز رؤية وطموحات وتطلعات، القيادة السياسية الأميركية، ومن ورائها الأيباك الإسرائيلي الصهيوني، ازاء الملف السوري بتشعّباته المختلفة معزّزاً بالملف العراقي عبر الدواعش والفواحش، وارتباطاتهما بالساحة اللبنانية، وازاء الملف الإيراني، ومجالاته الحيوية تحديداً، مع اشتباكات مخابراتية انتقائية جديدة، في ملفات: باكستان، الهند، أفغانستان، أسيا الوسطى الخ…

ولمّا كانت التقارير الاستخباراتية، ذات العلاقة بالتخمينات والمؤشرات وتقديرات المواقف السياسية، تلعب دوراً رئيسياً ومهماً، في صناعة القرار أولا، ومع نهايات الثواني والدقائق الأخيرة الحاسمة، وقبل صدور القرار، مع ما تؤكده معطيات الخبرة العملية، لعملية صناعة واتخاذ القرار الاستراتيجي، لجهة أنّه كثيراً ما تتضارب التقارير المخابراتية، مع توجهات القيادة السياسية، وخير مثال على ذلك: التطورات الجارية والتي تضمنت، عملية بناء الذرائع ضد سورية، وعلى أساس بنك الذرائع المخلّقة في مطابخ الأطراف الخارجية، ومنها افتراض وجود برنامج نووي سوري بالتعاون مع كوريا الشمالية وإيران، أو إعادة طرح من استخدم غاز الكلور في الداخل السوري، مع محاولات جديدة بأداة اقليمية، لأنشاء مناطق آمنة في حقيقتها هي عازلة على الحدود التركية ـ السورية و/أو في الجنوب السوري، رغم تقدم الجيش العربي السوري عبر سياسات القضم العسكري في استعادة الجغرافيا السورية من سيطرة الزومبيات الإرهابية بمختلف نسخها وماركاتها وأماكن صنعها وانتاجها.

والذي ينشئ السياسات في واشنطن خاصةً والغرب عامةً ليس السياسيين، بل مؤسسات البحث الممولة من قبل رؤوس الأموال المشتركة، وهي مجموعات من صنّاع سياسة غير منتخبين تجاوزوا الانتخابات، ويصدرون أوراقاً تصبح أساس التشريعات التي يوقّع عليها المشرعون بجانب وجهات النظر التي تكررها وسائل الميديا أو التيّار الرئيس لوسائل الإعلام.

وهنا نلحظ دوراً لمؤسسة بحثية أميركية Think Tanks تعمل على وضع استراتيجية متقدمة، لأي إدارة أميركية مقبلة بما فيها الحالية التي فشلت جلّ استراتيجياتها إزاء سورية سوى استراتيجية الفوضى المتعددة، إنّها مؤسسة Brookings Institution وتحت عنوان «تفكيك سورية» نحو استراتيجية تقسيم من أجل دولة فيدرالية، عبر مؤامرة تفكيك الجغرافيا والديمغرافيا السورية وإعادة تركيبها، هي مؤشر حقيقي وواقعي وعميق على مدى خطورة واستمرار الامبريالية الأميركية الحديثة، امبريالية القرن الحادي والعشرين، عبر أنبياء القرن نفسه: المحافظون الجدد الذين يصنعون استراتيجية البناء وبالإرهاب بالرغم من صفاقاتهم السياسية أي وقاحاتهم .

وتضيف Brookings: حيث من تداعيات الخطط السابق ذكرها، السعي إلى إنشاء مناطق آمنة لغايات إنسانية، هي في حقيقتها مناطق عازلة، كونها ترى تلك الرؤى أنّ علاج الجرح الأيديولوجي سوف يطول ويطول. والقوّات في هذه المناطق هي قوّات تابعة لواشنطن من قوات الحماية الكردية، وقوات تركية، وأردنية وسعودية، ومجموعات إرهابية سيقدم الدعم لها.

فنمو قوّات حفظ السلام غير التابعة للناتو في سورية، سوف يشوّش على الخطط الأميركية، فوجود قوّات إيرانية ولبنانية ويمنية وأفغانية وغيرها، كما تشرح هذه المؤسسة البحثية، وبشكل خاص متاخمة لتلك المناطق التي تحاول واشنطن خلقها وتخليقها، على حدود دول الجوار السوري مجتمعةَ وفي العمق السوري، تجعل واشنطن في مواجهة متعددة القوميات، فهي لا تملك الإرادة السياسية لخوضها ولا المصادر.

حرب استخبارية طاحنة

وتتحدث المعلومات، أنّ هناك حربا باردة طاحنة، بين شبكات المخابرات «الإسرائيلية» من جهة، وشبكات ووكالات المخابرات الأميركية من جهة أخرى، والمنضوية ضمن مجمّع الاستخبارات، ازاء الملفين السوري والإيراني بجانب الملف العراقي، رغم نقاط التوافقات والتساوقات الكثيرة بينهم، والمعلنة للجميع.

وتقول معلومات الخبراء وتؤكد، الحرب الباردة بين المخابرات العبرية والمخابرات الأميركية، من الصعب التكهن بنتائجها، وذلك بسبب الروابط السياسية الوثيقة، بين النخب السياسية «الإسرائيلية» والنخب السياسية الأميركية، ورغم محاولات مستميتة للكيان العبري سابقاً وحالياً، بالقيام بعملية تغلغل شاملة داخل أجهزة المخابرات الأميركية، من أجل بناء لوبي اسرائيلي استخباري نوعي، داخل مفاصل أجهزة المخابرات الأميركية، لكنها لم تستطع حتّى اللحظة، تحقيق هذا الهدف الفوق استراتيجي، كما تقول وتؤكد معلومات الخبراء الاستخباريين الأمميين، الأمر الذي دفع شبكات المخابرات العبرية، وعلى رأسها «الموساد»، الى اللجوء لاستخدام عناصر بشرية موثوقة، من «إيباك»، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، لمنافسة شبكات مخابرات العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، على احدى أدواتها في الداخل الإيراني، وأقصد منظمة مجاهدي خلق، أو «المنافقون»، وكذلك منظمة جند الله الإيرانية.

الولايات المتحدة الأميركية والقوى الغربية، تعمل بقوّة على نشر الفتن، واحداث صراع إيراني إيراني داخلي وتعميقه، وتدفع بعض الأدوات الغربية والأميركية، في الداخل الإيراني، على رفع شعارات معادية للنسق بشكل عام، ولثوابت نسق الثورة الإسلامية الإيرانية بشكل خاص.

وفي ظني أنّ القوى السياسية الإيرانية المعارضة، تمتاز بالضعف لاعتمادها على الدعم الأميركي، بالإضافة الى عدم تمتعها بالدعم الشعبي الداخلي، الأمر الذي جعل من هذه القوى، مجرد حركات موجودة في الخارج، وبعض العواصم الأجنبية، ولو حاولنا استقراء ملامح خارطة طريق الصراع الإيراني الإيراني، الذي تعمل على انتاجه وتسويقه واشنطن، وعبر شبكات مخابراتها وأدواتها، ان لجهة الداخل الإيراني، وان لجهة الخارج الإيراني، لوجدنا أنّ الحركات الإيرانية الدينية، ظلّت أكثر ميلاً للعمل داخل وضمن، ثوابت نسق الثورة الإسلامية، أمّا الحركات العلمانية اليسارية، والليبرالية، بقيت عملياً خارج دائرة الصراع والتنافس، فهي موجودة شكليّاً ولا تتمتع بأي وجود ميداني وحقيقي.

وأحسب، أنّ القوّات الأميركية الاحتلالية العائدة إلى العراق عبر ملف الدواعش، والتي يُراد لها البقاء أميركياً عبر تفعيل وجودها ووكالة المخابرات المركزية الأميركية، سوف تستمر بالاستعانة بعناصر زمرة منظمة خلق، لشنّ العمليات السريّة ضدّ إيران، وبحزب «بيجاك» الكردي في شمال غرب إيران.

تخفيض أسعار النفط!

ومرةّ ثانيةً قامت أميركا بلعبة تخفيض أسعار النفط رغم خسارتها من الصخر الزيتي، لغايات ضرب روسيّا وإيران وفنزويلا بضربة واحدة مع دفع دول المشيخات العربية لمواصلة ضخ النفط لإغراق السوق، حيث للولايات المتحدة استراتيجية صامتة تسعى لتجربتها في المنطقة العربية والعالم، بعد أن فقدت استراتيجياتها الحالية أقدامها بما فيها استراتيجية الوقت التي تراهن عليها الآن في حربها المزعومة على الإرهاب، بأنّ ينتج عن ضرب مجتمعات الدواعش منظومات صديقة لها.

إنّ مضمون استراتيجية الصمت الأميركية هي وقود بشري، ووسائل جاهلية، تستخدم الدين والمذهب، والقبيلة والاقتصاد والفقر، كقنابل في الحرب العالمية الثالثة أهمّ من النووي والكيميائي، عبر الصراعات الاثنية والعرقية والقوميات المختلفة في كلّ المنطقة الشرق أوسطية لإنشاء دويلات اثنية وقومية متصارعة.

حاولت كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية العربية إلى إفلاس روسيّا، من خلال تخفيض سعر النفط، فنتائجها الايجابية على واشنطن كما تعتقد في إطار السياسة والعسكر والاقتصاد والتأثير أكبر من السلبيات وممكن لها في الحدّ الأدنى وعبر لعبة الطاقة وأسعارها هذه، أن تجعل حياة الروس والإيرانيين صعبة دون التمكن من إنهائها.

حيث الأهداف مزدوجة لكلا العاصمة السعودية والأميركية، فالسعودية تدفع إيران إلى حالة من الاحتضار والموت البطىء، بسبب خفض أسعار النفط ونوع من العقوبات لدفعها إلى اتفاقات تسعى لها الرياض في جلّ الملفات السوريّة واليمنيّة والعراقية واللبنانية والفلسطينية بما يتفق ومصالحها.

في حين تسعى واشنطن دي سي إلى حالة من توتير العلاقات بين الرئيس فلادمير بوتين، مع النخبة الروسية السياسية الحاكمة والمؤسسات التجارية كركيزتين أساسيتين من ركائزه السياسية الداعمة له ولمنظومة الحكم الروسية، بالرغم من أنّ مفاعيل هذه الضغوط لن تغيّر شيئاً يذكر من آليات واستراتيجيات الصراع الروسي الأميركي التي ينتهجها ويجيد عملها الرئيس فلاديمير بوتين، وان كانت تدفعه إلى الميل نحو المزيد من الهدوء والبراغماتية السياسية دون التراجع قيد أنملة في ما يجري في سورية والمنطقة، عن دعم النسق السياسي السوري والى آخر نقطة ولحظة حياتية.

العرب ومستقبل الاقتصاد العالمي

إنّ مستقبل الاقتصاد العالمي يا عرب مرهون بالتطورات في القطب الشمالي وليس هنا، فمع ذوبان الجليد هناك تتعزّز فرص الاستغلال الاقتصادي، حيث المعلومات تقول أنّه ومنذ عام 1979 خسرت المنطقة أكثر من 45 في المئة من جليدها القاري، والصراع بدأ هناك منذ بدايات التسعينيات من القرن الماضي، صراع ساخن على منطقة القطب الشمالي والتي تضمّ أطرافا من أوراسيا وأميركا الشمالية بمساحات تزيد عن 27 مليون كم مربع، رغم برودة الطقس، فمن يسيطر على أوراسيا يا عرب يسيطر على قلب العالم.

والجليد يذوب هناك نتيجة الاحتباس الحراري، وتضارب المصالح الاستراتيجية بين الدول المحيطة بالقطب الشمالي تتفاقم بين روسيّا وواشنطن وكندا والنرويج والدنمارك، وتجدر الإشارة إلى أنّه عام 1996 قامت الدول الخمس بجانب كل من فنلندا وايسلندا والسويد بتشكيل مجلس المحيط المتجمّد الشمالي، وتقول المعلومات إنّ الصين ستنضمّ إليه خلال الشهور المقبلة كعضو مراقب. ويجري صراع عميق بين الدول الخمس وأخرى حول من يملك سلسلة لومونوسوف الجبلية المغمورة بالماء، وهي على طول مليون ونصف مليون متر مربع، حيث أكّدت الدراسات الأوليّة الجيولوجية أنّ هذه السلسلة الجبلية هي تتمة تركيبيّة للقاعدة القارية السيبيريّة التابعة لروسيّا، امتداد هذه السلسلة الغنيّة بالمواد الأوليّة وبالموارد الطبيعية تقريباً 20 كم مربع في القطب الشمالي لوحده والصراع يجري حولها بين الدول المحيطة بالمنطقة.

الروس عزّزوا وجودهم هناك في استمرار، فهذه المنطقة بالنسبة لهم هي مفتاح المصالح الوطنية والاستراتيجية الروسيّة، ومسألة توسيع الوجود الروسي هناك مسألة أمن قومي روسي، كما أنّه وأبعد من مسألة المواد الأولية في هذه المنطقة، تسعى موسكو إلى تأكيد سيطرة عسكرية لها هناك بصدى سياسي، وهذه تعدّ أحد أوجه الحرب الباردة الجديدة بفعل الحدث السوري والأزمة الأوكرانية، وتعدّ ضمانة للأمن القومي الروسي ومجالاته الحيوية.

الفدرالية الروسية بنت مواقعها وعزّزتها في المنطقة القطبية الشمالية خطوة خطوة على مدى عقود يا عرب، وانتم مشغولون بفلان طويل وفلان قصير وبتجذير وتبني فكر ابن تيميّة الإقصائي التكفيري، ومدرسة الوهّابية الدين التلمودي الجديد. والهدف يا عرب بالنسبة لروسيّا ليس استعادة تلك المنطقة فحسب، بل تقويتها بشكل نوعي عبر الوجود العسكري والنووي الاستخباراتي.

ومقابل هذا التفاعل الروسي مع مجالات الأمن القومي للفدرالية الروسية قابله نشر واشنطن يا عربان لأكثر من 30 ألف جندي أميركي في ألاسكا لتوسيع الفهم الولاياتي الأميركي للبيئة القطبية الشمالية وتعزيز وجودها فيها.

وهنا نتساءل التساؤلات التالية يا عرب: هل بدأت العاصمة الأميركية واشنطن دي سي وعبر نواة دولتها البوليسية العميقة، بإعادة صناعة برّاداتها السياسية الخاصة ومكعبات ثلجها من جديد، لغايات إطلاق مسارات حربها الباردة الجديدة القديمة مع روسيّا؟ هل مسارات انتاجاتها المخابراتية بدأت في خلق وتخليق مومياءات حكم للعديد من دول العالم الثالث ما بعد مرحلة ما سميّ بـ«الربيع العربي»؟

في أي سياق سياسي وأمني وعسكري تجيء تصريحات رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الأخيرة، بخصوص خطط ودراسات العسكريين الأميركيين لجهة خيارات تفعيل خطة عمل لم يكن يتضمّنها جدول الأعمال منذ حقبة الحرب الباردة، عبر تمركز العسكريين ونشر خطوط الاتصال والاتصالات البحرية بالتنسيق والتشاور مع حلف شمال الأطلسي، بجانب افتتاح طاولة جلسات العصف الذهني ومناقشة تقديم مساعدات عسكرية لسلطات كييف الجديدة بصورة مكثفة؟ ولماذا أكّد وذكّر الجنرال ديمبسي على أنّ أساس وجود الناتو كحلف هو لتحقيق الاستقرار وقمع العدوان السوفياتي الفيدرالية الروسية حالياً؟

هل نجحت واشنطن في جعل الأزمة الأوكرانية بمثابة طعنة نجلاء في خاصرة الروسي، رغم استقلال القرم عبر استفتاء شعبي نزيه وعودتها إلى الحضن الفيدرالي الروسي؟ ولماذا كان الجنون الأميركي والغربي مركباً ومتعدداً بعد عودة القرم إلى الروسي؟ ألا يمكن اعتبار تسمية كييف رسمياً عضواً في الاتحاد الأوروبي الغربي بمثابة جنون مطبق لا متقطع، والاتحاد الأوروبي هو بمثابة الوجه المدني الناعم لحلف شمال الأطلسي؟ وألا يمكن اعتبار بريطانيا العظمى ودورها بمثابة حصان طروادة الأميركي و«الإسرائيلي» في الداخل الاتحادي الأوروبي؟

وهل نحن أمام ريح عقيمة هبّت لتحمل معها لفحات تنذر بحرب باردة، من شأنها ومآلاتها أن تجمّد كل التفاهمات والحلول في العديد من الساحات؟ ألا يمكن اعتبار سورية الصاعدة والعراق الساخن وغزّة النازفة وأوكرانيا غير المستقرة والصراع على ثروات آسيا الوسطى، والصراع على القطب المتجمّد الشمالي بمثابة السداسية القاتلة وستكون محور كلّ الحكاية الباردة؟ من سينتصر على من في النهاية، الجليد السيبيري أم ثلوج ولاية ألاسكا؟ وهل لنا أن نكيّف تذكير الجنرال العجوز مارتن ديمبسي بالهدف الذي أنشئ من أجله حلف شمال الأطلسي بمثابة إعلان عداء لنواة الاتحاد الروسي؟ ما هي مديات عدم سماح الأميركي للروسي بالتمدّد في العديد من الساحات؟

هل ستستثمر واشنطن وبلدربيرغها ومجتمع استخباراتها، وبالتعاون مع مجتمعات المخابرات الغربية والإسرائيلية وبعض مجتمعات مومياءات الاستخبار العربي، في استغلال الجمهوريات الإسلامية أو التي يتواجد فيها مسلمون لإثارة القلاقل والمشاكل حول روسيّا؟ في المحصّلة ستلجأ الولايات المتحدة الأميركية وجلّ حلفائها من بعض غرب وبعض مومياءات الحكم العربي بإسناد إسرائيلي لدعم مكثف ومتعدد لكييف عسكرياً وسياسياً ولوجستياً واقتصادياً ودبلوماسياً وإعلاميا، وسوف تزداد العقوبات على موسكو وستجهد أوروبا للبحث عن مصدر آخر للغاز إنْ أمكن، وستحسم بقوّة بعض الملفات داخل نواة الإدارة الأميركية وداخل المجمّع الصناعي الحربي الأميركي، كون أي تباطؤ هنا أو تلكؤ هناك سيعني تقدّماً وانطلاقاً روسياً إلى الأمام، خاصةً في سورية والعراق وأوكرانيا وانْ شئت الصراع العربي «الإسرائيلي» حالياً إلى حدّ ما ولاحقاً بعمق.

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى