رسالة الغارة «الإسرائيلية» على قوسايا

يوسف المصري

أورد المرصد السوري أول من أمس أن الانفجار الذي حدث في موقع قوسايا في الطرف السوري كان نتيجة قذيفة دبابة أطلقتها المعارضة السورية من الزبداني. ومن وجهة نظر عسكرية بدت هذه المعلومة ضعيفة نتيجة استبعاد أن تنجح دبابة بتحقيق إصابة ضدّ هدف يبعد أكثر من 2 كلم وهي المسافة بين الزبداني وقوسايا.

ثم جرى سريعاً إيضاح ما حدث عبر بيان لـ«الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة» المتواجدة في موقع قوسايا المستهدف، حيث أعلن أن الانفجار حدث نتيجة قيام طائرة «إسرائيلية» من دون طيار بقصف الموقع.

ويظهر تباين إعلان المسؤولية بين المرصد السوري وبيان «القيادة العامة» أن «إسرائيل» تردّدت في إعلان مسؤوليتها عن الغارة، وأنّ هذا السبب هو الذي دفع جهات في المعارضة السورية داخل الزبداني إلى تسريب معلومة قذيفة الدبابة في إطار تغطية العملية «الإسرائيلية» وإخفاء مسؤوليتها عنها.

ويشي هذا الأمر بعمق التنسيق الإعلامي وليس فقط اللوجستي بين إرهابيي مدينة الزبداني والاستخبارات «الإسرائيلية».

ومن ناحية ثانية فإنّ توقيت «إسرائيل» لغارتها على قوسايا يتضمّن رسالة لإرهابيّي الزبداني من «أحرار الشام» إلى «جبهة النصرة» بأكثر مما هي موجهة إلى «القيادة العامة» أو حتى إلى دمشق وحزب الله. فالرسالة تقول لإرهابيّي الزبداني إنهم ليسوا وحدهم، وإنّ «إسرائيل» معهم، وإنّ المطلوب هو إطالة أمد الحرب لتتحوّل إلى حرب استنزاف.

وتدرك «إسرائيل» بحسب تقارير متخصصة نشرتها وسائل إعلامية صهيونية، أن معركة الزبداني ليست من النوع الذي يلبّي تمنيات الاستخبارات «الإسرائيلية» بتحويلها إلى حرب استنزاف، أولاً لأنّ الجيش العربي السوري والمقاومة هما اللذان يطيلان أمد المعركة لمصلحة استخدام تكتيك القضم والاقتصاد في عدم إلحاق أضرار بالمدينة، ثانياً أن ما يحصل داخل الزبداني ليس صموداً للإرهابيين، بل نتيجة عدم ترك مخارج آمنة لهم للخروج منها.

غارة الزبداني «إسرائيلياً»

لا شك أن غارة الزبداني هي جزء من مناورة «إسرائيل» العسكرية التي جرت في الأيام الأخيرة، وحصلت بعض فعالياتها في مناطق قريبة من الأراضي اللبنانية والسورية. فـ«إسرائيل» تريد إظهار أن تطورات المنطقة من الاتفاق النووي مروراً بتقدّم الجيش السوري في تدمر وصولاً إلى إنجازات المقاومة والجيش السوري في منطقة الزبداني، لن تؤدّي إلى حرمان «إسرائيل» زمام المبادرة العسكرية.

والرسالة التي تريد هذه المناورة تظهيرها، كما صار واضحاً الآن عن طريق ربطها بغارة قوسايا، موجهة بدرجة أولى إلى المجموعات الإرهابية في سورية، من أجل حشد معنوياتها التي طاولها إحباط شديد سياسي وعسكري في الأسابيع القليلة الأخيرة.

تقول معلومات دبلوماسية إنّ «إسرائيل» بعد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 باتت معنية في شكل ملحّ بإظهار ثلاثة أمور رئيسة:

الأول أنها لم تفقد زمام المبادرة الاستراتيجية العسكرية في المنطقة.

الثاني أنها لا تزال الأهمّ من بين كلّ اللاعبين الإقليميين، بحيث انه سيكون لها الكلمة الأولى في رسم المستقبل السياسي لدول المنطقة، وبخاصة في سورية.

الثالث أنها في مواجهة حزب الله فهي لن تستسلم للمعادلة الراهنة العسكرية غير المواتية لها، وأنها لا تزال تعمل وستعمل أكثر لتصحيحها بعد الاتفاق النووي.

قصارى القول إن موقع القيادة العامة في قوسايا تمّ انتقاؤه كهدف لـ«إسرائيل» لاعتقادها بأنه يبقي الباب مفتوحاً لتحاشي ردّ حزب الله عليه، وأيضاً لأنه يرمز لتحالف قوى الممانعة العسكري والسياسي اللبناني والسوري والإيراني على جبهة قتال التكفيريين في سورية، وأيضاً لأنه يقع بالقرب من ساحة معركة الزبداني. وكلّ هذه الميزات لموقع الزبداني يجعل «إسرائيل» من وجهة نظره تصيب أكثر من حجر في وقت واحد، وتطيّر أكثر من رسالة في ضربة واحدة، مع منسوب أقلّ من حصول ردّ فعل من حزب الله على عدوانها.

تبدو «إسرائيل» من خلال قيامها بغارة قوسايا، أنها وضعت نفسها في موقع يجعلها أكثر عرضة لإظهار نقاط ضعفها في مقابل ما تريده بخصوص إظهار أن قوتها تستعدّ لاستعادة المبادرة الاستراتيجية بعد الاتفاق النووي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى