اتفاق إيران النووي أمرٌ جيد… لكن مسار التصديق ليس كذلك

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

يشهد الاتفاق الذي توصّلت إليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الدول الستّ الكبرى منذ أسابيع حول برنامجها النووي، مدّاً وجزراً، بين مرحّب ورافض، بين من صّفّق له، ومن يحاول جاهداً وضع العراقيل الأخيرة قبل أن يصبح حقيقة ناصعة، أي بعد «خروجه بالسلامة» من مأزق تصويت الكونغرس الأميركي عليه.

هذه هي النقطة التي تلعب عليها «إسرائيل» ودول أخرى تعتبر نفسها متضرّرة من الاتفاق. وهذه الدول لا تألو جهداً، ولا فتنة، ولا عرقلة، ولا حتّى شتماً، في سبيل أن ينقلب الكونغرس الأميركي على الرئيس باراك أوباما، الذي قد يلجأ إلى الفيتو الرئاسي لإنقاذ الاتفاق.

نعرض اليوم موضوعاً من أربعة تقارير صحافية. الأوّل يفنّد المخاوف التي تعتري رافضي الاتفاق، كما يُظهِر عدم حماسة جيران إيران إزاء هذا الاتفاق. إلا أنهم قد يفرحون بسبب منع إيران من تطوير الأسلحة النووية لفترة 10 ـ 15 سنة، إيران التي كانت قاب قوسين أو أدنى من إمكانية «الخروج» والدخول في سباق تصنيع أسلحة نووية لذا، من السهل الاعتقاد بأن إيران قد تخادع في هذا المجال ـ إذ يمكن لأي اتفاق دولي أن يُكال بمكيالين ـ غير أن المفتشين الدوليين لا يستطيعون التوصل إلى دخول غير مسبوق لبرنامج إيران النووي.

التقريران الثاني والثالث من الصحافة الأميركية، يشيان بمحاولة زرع الفتنة، ورمي الحصى في درب تصويت الكونغرس على الاتفاق. أما التقرير الرابع الأخير، فهو من الصحافة العبرية، وفيه شرح وافٍ عن «المخاوف الإسرائيلية» من مستقبلٍ تكون فيه إيران نووية.

كتب إيفان إيلاند لـ«Anti7iwar.com»:

من غير المدهش أن تكون إدارة أوباما قد أظهرت هذا العداء الكبير في الآونة الأخيرة حيال الحدّ من برنامج إيران النووي، وهذا يعتبر من حقها كونها دولة موقّعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، منذ ما يزيد على عشر سنوات. وأصبحت إيران دولة معادية للولايات المتحدة منذ الإطاحة بحكم الشاه ـ وهو الحاكم المدعوم من الولايات المتحدة، والذي أصبح الحاكم الأكثر وحشية على هذا الكوكب بسبب تكريسه «السافاك»، الشرطة السرّية غير المعروفة آنذاك. وكانت وكالة الاستخبارات الأميركية قد استعادت الشاه بعد الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة ديمقراطياً، وغنيّ عن القول أن الشعب الإيراني لم يكن متحمساً أبداً لهذه الأحداث.

سيزيد الاتفاق النووي من وقت «خروج» إيران التي ستحتاج إلى تطوير برنامج نووي سلمي لقنبلتها النووية يستغرق بين أربعة شهور إلى سنة. وكان وزير الخارجية الأميركية جون كيري محقاً عندما صرّح أن الاتفاقية مهمة للغاية لأنها تغلق جميع الطرق المؤدية إلى تطوير مثل هذه القنبلة.

كذلك، فإن وسائل الإعلام الأميركية والعالمية قد ركزت أحكامها ومقارباتها على تلك الأمور التي تتطلب من إيران وقف تخصيب اليورانيوم 235 إلى المستويات التي يمكن استخدامها في صنع قنبلة. ومع ذلك، فإن الجزء الأكثر أهمية من اتفاقية الولايات المتحدة، يغلق الباب أمام المرحلة الثانية للطريق الموصلة إلى القنبلة إعادة معالجة اليورانيوم 238 وجعله وقوداً للبلوتونيوم. وبموجب هذه الاتفاقية، يتعين على إيران تغيير أهداف مفاعل «آراك» الذي يعمل بالماء الثقيل بحيث لن يكون قادراً على توليد البلوتونيوم، وإرسال كلّ الوقود لإعادة تصنيعها خارج البلاد، والامتناع عن بناء مفاعلات الماء الثقيل لمدّة 15 سنة.

لكن، ما لم تنجح وسائل الإعلام هذه في تغطيتها الإعلامية من إظهاره حول برنامج إيران النووي، أنّ التهديد الرئيس للولايات المتحدة حيال مثل هذه الجهود الإيرانية، هو أن تتمكّن يوماً من تطوير هذه الرؤوس النووية الصغيرة إلى صواريخ بعيدة المدى وعابرة للقارات قد تصل إلى الولايات المتحدة الأميركية. وللقيام بذلك، ستكون قنبلة من البلوتونيوم أكثر فائدة من قنبلة مصنوعة من اليورانيوم U-235، لأن قنبلة أكثر قوة من المفترض أن تتضمن مواد نووية أقلّ، الأمر الذي يتيح بالتالي إلى تطويرها إلى صاروخ بعيد المدى.

وعلى رغم أنه لن يكون من الجيد امتلاك إيران ـ في نهاية المطاف ـ مثل هذا الصاروخ ذا الرأس النووي القادر على ضرب تراب الولايات المتحدة، وحتى عند بلوغ مثل هذه المرحلة المتطرفة في وقت لاحق، فمن المرجح أن إيران لن تملك سوى عدد قليل من هذه الأسلحة.

إن لدى الولايات المتحدة ـ إلى الآن ـ أفضل ترسانة نووية في العالم، تتألف من آلاف الرؤوس الحربية، وإيران هي مكان معرّض للضرب. هدّدت الولايات المتحدة في الماضي حرق الدول المسلّحة نووياً وتلك التي تشكل خطراً أكبر من ذلك الإيراني كمثل كوريا الشمالية غير الملتزمة، والصين الماوية المتطرفة، والاتحاد السوفياتي الذي يمتلك ايضاً آلاف الرؤوس الحربية والذي نجح بردع الهجمات النووية على الولايات المتحدة.

وأيضاً، فإن الولايات المتحدة قد تفاوضت مع كل دول «الشر» هذه في ما مضى.

ومن الواضح أن حكومة الولايات المتحدة قد استفادت من التعاطي مع كوريا الشمالية. فالاتفاقية الجديدة مع إيران تشترط الكثير من الرصد الدولي والمستمر لعمليات تخصيب اليورانيوم وإنتاج أجهزة الطرد المركزي الإيرانية. أما بالنسبة إلى الأنشطة النووية الأخرى المحتملة، فقد يتفقد المفتشين الدوليين بعض المراكز المشبوهة، بما فيها القواعد العسكرية، مع إشعار إيران بذلك قبل 24 يوماً. قد يبدو هذا للمراقب وقتاً طويلاً، لكن من غير السهل التخلص من الأنشطة النووية السرية بسرعة. فضلاً عن أن إيران لا تستطيع انتهاك أيّ حكم من أحكام هذا الاتفاق، أو أن تتمكن من رفع العقوبات الاقتصادية التي قد تعود في أي لحظة إلى ما كانت عليه سابقاً.

لم يتحمس جيران إيران إلى هذا الاتفاق. ومع ذلك، فقد نميل إلى التفكير بأنهم قد يفرحون بسبب منع إيران من تطوير السلحة النووية لفترة 10 ـ 15 سنة، إيران التي كانت قاب قوسين أو أدنى من إمكانية «الخروج» والدخول في سباق تصنيع أسلحة نووية لذا، من السهل الاعتقاد بأن إيران قد تخادع في هذا المجال ـ إذ يمكن لأي اتفاق دولي أن يُكال بمكيالين ـ غير أن المفتشين الدوليين لا يستطيعون التوصل إلى دخول غير مسبوق لبرنامج إيران النووي. وفي الواقع، وعلى رغم المعاكسة لهذا الواقع، فلم يكن واضحاً ابداً ما اذا كانت إيران تريد امتلاك الأسلحة النووية أم أنها كانت فقط تسعى لأن تصبح تلك القوة القادرة على امتلاك النووي، كما فعلت اليابان، التي تمتلك كلّ المقدّرات والإمكانات كي تصبح نووية لو أنها أرادت ذلك.

وعلاوةً على ذلك، فهناك بعض الأدلّة الحسيّة، والتي غالباً ما تلقى تجاهلاً من قبل وسائل الإعلام الغربية المعادية، وهو أن القيادة الإيرانية الدينية قد تكون راغبةً في الحصول على أسلحة نووية لأسباب دينية. وأخيراً، فإن الاستخبارات الأميركية استنتجت أن إيران قد أوقفت منذ فترة طويلة كلّ الأنشطة المؤدية إلى تخصيب القنبلة. وربما سنعلم قريباً ما إذا كنا محقين في تصوّرنا هذا أم لا، لأن هذه الاتفاقية تؤمّن اطّلاع المفتشين الدوليين على المزيد من تاريخ الأنشطة النووية الإيرانية.

وفي الحقيقة، فإن جيران إيران كانوا مسرورين لأن الولايات المتحدة قد تقوم بذلك «العمل الوسخ» بدلاً منهم ـ أي قصف إيران ـ بهدف إضعافها كقوة منافسة وقادرة في المنطقة، مستخدمةً برنامجها النووي كحجة ضدّها. ومع ذلك، يميل عدد من المحللين العسكريين إلى اعتبار أن مثل هذه الضربات الجوية قد تكون غير ذات نفع في ردع إيران عن امتلاكها للقنبلة على المدى البعيد، وأنه قد يعطيها أكثر من مجرد سبب لسعيها لامتلاك واحدة في المستقبل. والآن، ومع توقيع الانفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، يحتاج هؤلاء الجيران إلى مواجهة إيران الأغنى، وبالتالي، الأقوى. ومع ذلك، فإن الكثير من الأموال التي ستجنيها إيران، بما فيها تلك الأرقام المبالغ فيها، والتي قد تآكلت مع مرور الزمن بسبب العقوبات ـ قد يُستعمل بعضها في الداخل الإيراني، لكن قد يذهب البعض الآخر منها إلى أصدقاء إيران في منطقة الشرق الأوسط. ومثل هذه الجماعات قد تشكل تهديداً واضحاً بالنسبة إلى جيران إيران، لكنها ليست كذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

وبدلاً من أن تكون الولايات المتحدة تلك الأم المربية للجميع في هذا العالم، ما يتطلب منها وضع مصالحها في الأولوية. قد تتوقف هذه الصفقة، أو أنها قد تسير ببطء، إنه احتمال مستقبلي في أن يشكل هذا تهديداً للولايات المتحدة. وعلى عكس جيران إيران، وفي بعض الظروف، فإن مصالح الولايات المتحدة التي تتواءم مع تلك الإيرانية، والحكومات الشيعية التي ترعاها في العراق، سورية، ولبنان التي تقاتل المتطرفين السنّة، كـ«القاعدة» و«داعش»، قد تشكل في مكان ما تهديداً للولايات المتحدة. ومن يدري، فقد يمهّد الاتفاق النووي الطريق أمام تعاون أكبر ضدّ هذه الجماعات السنيّة الإسلامية الإرهابية.

ومع ذلك، فإن العيب الأساسي والصارخ لهذا الاتفاق ـ يتمثل بالآلية المنصوص عنها في الكونغرس لاستعمالها في التصويت مع هذا الاتفاق أو ضدّه. ومرة أخرى، وتماماً كما حدث في مجلس الشيوخ الروماني عند تصويته على الانتقال من الجمهورية إلى الإمبراطورية، فإن مجلس الشيوخ الأميركي أصبح مجرّد نافذة لخلع الملابس. وعلى البدل من ذلك، فإن ثلثي الأصوات المطلوبة للتصديق على الاتفاق «المعاهدة» غير المنصوص عنها في الدستور مع إيران يمكن أن يُستخدم حق الفيتو ضدّها من الرئيس وهذا يتطلب أصوات الثلثين لتجاوز هذا النقض. وهكذا، وبدلاً من اشتراط تصويت الثلثين لتمريره فهي حالياً تتطلّب تصويت الثلثين للقتل.

يظهر مخطط غولدبرغ الساذج ذكاء الجمهوريين وبعض الديمقراطيين في الكونغرس، ويبرز تبخترهم واستدراؤهم العطف من خلال رفع الصوت عالياً ضدّ استرضاء أوباما لإيران، غير أنهم لا يزالون يسمحون للرئيس الإمبراطوري أن يسلك طريقه. وبعد كلّ هذا، فإن الجمهورية، هي قشرة أو عباءة تنازل عنها الكونغرس البائس لتخليه عن دوره الدستوري.

وهكذا، فإنه من المرجح أن يحصل أوباما على اتفاقه مع إيران وسيكون اتفاقاً جيداً، مع الأخذ بالاعتبار العدائية المستشرية بين البلدين. وبعد، فإن أيّ اتفاق أجنبي، بغضّ النظر عن مدى جودته، لا ينبغي أن يسمح باستمرارية مطامع السلطة التنفيذية والمزيد من التخريب لدستور الجمهورية.

أوباما يدعو للضغط على الكونغرس

أما صحيفة «USA today» الأميركية، فذكرت أمس أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما حثّ الآلاف من أنصاره في جميع أنحاء البلاد لدفع الكونغرس باتجاه دعم الاتفاق النووي الإيراني، وقال لأنصاره ـ في تصريحات خلال مؤتمر رتّب له البيت الأبيض عبر دائرة تلفزيونية مغلقة «كونفرنس كول»: «عليكم يا رفاق أن تكونوا أكثر نشاطاً وتأثيراً واشتراكاً واطّلاعاً. هذا اتفاق جيد للغاية، علينا أن نفخر به، فبموجب هذا الاتفاق سيستحيل على إيران امتلاك سلاح نووي ».

وأشار أوباما إلى أنّ المنتقدين هم أشخاص سيعارضون أي اتفاق مع إيران. لافتاً إلى أن معظم العالم يدعم الاتفاق وأنه يتضمن نظاماً قوياً من عمليات التفتيش التي ستضبط إيران في حالة أيّ انتهاك من جانبها. موضحاً أن رفض الاتفاق سينجم عنه إمكانية التحرك العسكري لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية. واصفاً معارضي الاتفاق الإيراني بالحادّين والمموّلين جيداً وبأنهم لا يتّسمون بالمرونة. وقال أوباما للمشاركين في المؤتمر الهاتفي الذين يمثلون عدداً كبيراً من الجماعات التي عملت في السابق مع البيت الأبيض في خصوص القضية أو تميل للعمل في شأنها، إن بعض الأنصار في الكونغرس قد يتجاوبون في حال ممارسة ضغط كبير عليهم. مطالباً بالتحرك «فلا يمكن أن تكون هناك مخاطر أعلى من ذلك».

17 وثيقة غير سرّية

وجاء في موقع «ديلي بيست» الإخباري الأميركي أمس: وفقاً للتشريعات التي تتطلب مراجعة الكونغرس الاتفاق النووي، قامت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بتسليم 18 وثيقة للكونغرس يوم 19 من تموز، من بينها وثيقة واحدة سرّية و17 وثيقة أخرى غير سرية.

لا يمكن تداول عدد من هذه الوثائق غير السرية مع الجمهور أو مناقشتها علناً مع الصحافة. إنّ بروتوكول التعامل مع هذه الوثائق، حدّدته وزارة الخارجية الأميركية ويعمل الكونغرس على تنفيذه، ألا وهو أنه لا يمكن مراجعة الوثائق غير المنشورة إلا «سرّاً»، ما يعني أن المشرعين والعاملين الذين لديهم صلاحية الاطلاع على الأسرار هم فقط من يمكنهم قراءتها، في مختلف مرافق الكونغرس المخصصة لحفظ المعلومات السرّية الحساسة.

معظم العاملين في هذا المجال متردّدون لمناقشته، فما بالنا بمشاركة عدد من هذه الوثائق، على رغم أنها لم تكن سرية، إذ إنها تحتاج إلى تدقيق سرّي لعرضها.

من خلال خلط الوثائق السرّية بغير السرّية، يؤكد منتقدو هذا الترتيب أنه يتم الاحتفاظ بالحقائق المهمة بعيداً عن الرأي العام إلى أن يتخذ الكونغرس قراره سواء لدعم صفقة إيران أو معارضتها.

أكد أحد مساعدي مجلس الشيوخ الجمهوريين، ضرورة الإعلان عن البنود غير السرية، قائلاً: «سيكون هذا من أهم قرارات السياسة الخارجية التي يتخذها الكونغرس، هذه هي الإدارة التي قالت ذات مرة إنها ستكون الإدارة الأكثر شفافية في التاريخ. إنهم لا يتصرفون كذلك».

مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، يقول: «ثمة نصوص مهمة من بين الوثائق الـ17 غير السرّية مرتبطة باتفاقية إيران النووية، من بينها وثيقة بعنوان عناصر خطة البحث والتطوير لإيران، تستند إلى خطة ضمانات سرّية بين إيران ووكالة الطاقة الذرية. ولهذا لا يمكن نشرها علناً. إن الوثيقة تصف كيف يمكن لخطة تطوير إيران أن تحرز تقدماً في برنامجها النووي، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي مع مرور الوقت. من الممكن أن يكون هناك وثائق غير سرية أخرى حساسة دبلوماسياً: من بينها رسالة من وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ووثيقة أخرى تشمل خطاباً من كيري إلى وزراء الخارجية الثلاثة ونظيره الصيني كذلك».

إن المجموعة تتضمن ورقة مناقشة مكتوبة قبل الاتفاق النهائي حول الكيفية التي سيتم بها التعامل مع العقوبات في هذه الأثناء، وآخر هو مشروع بيان لحكومة الولايات المتحدة، والذي سيصدر في المستقبل يوم تنفيذ صفقة إيران.

«إسرائيل» تخسر

وكتب آري شبيط في صحيفة «هاآرتس» العبرية:

ليس عليك أن تكون نبياً أو إبناً لنبيّ كي تفهم ماذا سيكون تأثير الاتفاق النووي مع إيران. على المدى القصير ستتحول الجمهورية الشيعية إلى قوة عظمى تقليدية مزدهرة، تقوم بتسليح حلفائها وعلى رأسهم حزب الله بالسلاح، وتضغط على جاراتها في الخليج وتضع «إسرائيل» أمام التحدّي. وعلى المستوى المتوسط ستبدأ في الابحار في المجتمع الدولي وتستغل الثغرات في نظام الرقابة من أجل تطوير برنامج سلاح نوويّ سرّي ومتقدّم.

وعلى المدى البعيد، ستكون إيران قوة عظمى نووية، تملك عشرات القنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات والقدرة على التدمير الشامل. إذا لم يحدث «ربيع فارسي» يحرّر الإيرانيين والعالم من نظام آية الله، فستنشأ لنا من الشرق قوة تهديدية، تدمج بين الايديولوجيا المطلقة والسلاح المطلق. القوة العظمى المعتدية ستلقي بظلها على «إسرائيل»، وستستعبد أجزاء كبيرة من العالم العربي المنهار وستحوّل الولايات المتحدة إلى قوة عظمى سابقة.

هل ستحلّ نهاية العالم؟ لا يمكن أن نعرف الاجابة، إلا أن الشرق الاوسط سيكون مختلفاً، والعالم سيكون مختلفاً والقرن الواحد والعشرين سيكون قرن التهديد النوويّ.

ليس عليك أن تكون نبياً أو إبناً لنبيّ كي تفهم ما هو تأثير انتصار «إسرائيل» على الادارة الأميركية في الموضوع الإيراني. إذا طرأ في أيلول المقبل شعور في الولايات المتحدة بأن بنيامين نتنياهو قد عمل على ليّ ذراع أوباما في موضوع يعتبر في أساس الامن القومي الأميركي، فإن النتائج ستكون خطيرة.

منذ تلك اللحظة ستكون «إسرائيل» هي المسؤولة عن الملف الإيراني، على رغم أن هذا الملف لن تخرج منه ملائكة إنما فقط شياطين ـ كل شيطان سيكون مسجلاً على اسم القدس ـ إذا حدثت أزمة دولية تكون فيها الولايات المتحدة معزولة فستكون «إسرائيل» هي السبب. وإذا نشبت الحرب فستكون «إسرائيل» هي السبب. وإذا أهين الرئيس الأفرو ـ أميركي الأوّل فستكون «إسرائيل» هي المتهمة.

في موازاة التهديد الذي سينشأ في الشرق، سينشأ أيضاً تهديد جديد في الغرب، موجة من اللاسامية التي قد تغرق أميركا الشمالية وتهدد الجالية اليهودية وتُضعف «إسرائيل». إن حكم المفاعل النووي في العراق وفي سورية والمستوطنات تختلف عن حكم إيران. أزمات الماضي التي مرّت على «إسرائيل» والولايات المتحدة ستكون صفراً، قياساً بالأزمة التي قد تحدث إذا نُظر إلى «إسرائيل» على اعتبارها من أحرق الإرث الدولي للرئيس الأميركي الحالي.

إن مفارقة صيف 2015 من أصعب المفارقات التي تعرضت لها «إسرائيل». لا إجابات سهلة أو بسيطة، فالواقع المعقد والمركب من الكثير من الخطوط الحمراء والزرقاء قد يؤدّي إلى القنبلة المتكتكة.

هل حينذاك ستكون فرصة من أجل ايجاد حل معقول وتمنع الانفجار؟ هل يمكن شق طريق ثالثة؟ هل يمكن إرفاق ملحق لاتفاق فيينا يُحيد المخاطر وفي الوقت نفسه يمنع التصادم الأميركي ـ «الإسرائيلي» وجهاً لوجه؟

يجلس في البيت الابيض شخص مع مبادئ، جدّي ومهمّ، وهو صديق حقيقي لـ«إسرائيل» ولا يريد مواجهة مع اليهود. وفي القدس يجلس شخص مثقف وملتزم بالكامل بدولة اليهود، وهو لا يريد نشوء عاصفة من اللهب. العلاقة الآخذة في السوء بين الشخصين هي التي أدّت بنا إلى ما نحن عليه. وفي الأيام الأربعين المقبلة يجب علينا بذل الجهد الكبير للتوسط بينهما، واقتراح فكرة خلاقة ومنع الكارثة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى