عيد الجيشين اللبناني والسوري

ناصر قنديل

– في كثير من المواقف والسياسات يكتشف العائد إلى بطون كتب التاريخ أنّ المنتدب الفرنسي كان أشدّ فهماً وترفعاً عن الحسابات الضيّقة في تعامله، مع تقدير طبيعة وأهمية ما هو مشترك بين لبنان وسورية، من كثير من اللبنانيين الذين رضعوا حليب السياسة وتعلّموا ألف بائها في حضن الأمّ الحنون فرنسا ومن تبعهم أو تربّى على أيديهم. وأذكر أنني في مقال نشرته منذ أكثر من عشر سنوات في جريدة «النهار» حول العلاقة اللبنانية السورية، وكان سبباً في حوار مع الصحافي الكبير الراحل الأستاذ غسان تويني، حول مجلس المصالح المشتركة الذي أسّسه الانتداب الفرنسي، وجمع تحت رايته المصالح التي أصرّ على جعلها موحدة، ومنها المصرف المركزي والعملة الواحدة والبريد والبرق والهاتف وإدارة التبغ والتنباك. كنا متفقين على أنّ العلاقة بين البلدين تحتاج في زمن الوحدة الأوروبية والعملة الأوروبية، إلى ما هو أكثر من هذه المصالح المشتركة من دون تصوير ذلك مساساً بالسيادة، لأنّ الفرق كبير بين السيادة الوطنية والكيدية العنصرية والعدائية الانعزالية.

– لم يلحظ المنتدب الفرنسي في رسم المشترك والمستقلّ بين لبنان وسورية برلماناً موحداً بل برلمانين وحكومتين ورئيسي جمهورية وجيشين، باعتبارها الرموز السيادية مع العلم الخاص بكلّ دولة، لكن التاريخ الموحد لنشأة الجيشين اللبناني والسوري، أو النواة الواحدة للجيشين، سيبقى رمزاً لولادة مشتركة ومصير مشترك يرسمهما قدر الجيشين بمواجهة ذات الأعداء. والشاهد اليوم بائن وواضح بوقوف الجيشين في مواجهة خطر العدوان «الإسرائيلي» وخطر التمدّد الإرهابي. وتتسبّب الكيدية السياسية بمنعنا من أن نضيف إلى كلمة يقف الجيشان في وجه هذه المخاطر، كلمة معاً فيقفان بوجهها معاً، يتكاملان بالخبرات والقدرات والمخططات. وكلها ضرورات للنجاح يفرضها على دول متباعدة القتال ضدّ ذات العدو، فكيف عندما يجري الحديث عن بلدين جارين، لا يمكن لجيش أحد البلدين محاصرة الاحتلال أو الإرهاب في أحدهما من دون مشاركة جيش البلد الآخر.

– الذين يضعون النظريات والعقبات دون هذا التكامل بزعم الحرص على السيادة، هم أنفسهم الذين لم يتوقفوا عن شنّ حرب شعواء على الجيش اللبناني، رمز السيادة، وتطاولوا على أجهزته وقيادته وهددّوا مراراً بشق صفوفه وتحويله جيوشاً للطوائف والمذاهب. وهم أنفسهم الذين مدّوا يدهم للإرهاب وأوجدوا له التبريرات وقدّموا له البيئة الحاضنة، ووصلوا حدّ تبرير جرائمه وإيجاد الأعذار لها. وفيما لم يتورّعوا عن وصف الجيش بالعنصرية لم يتورّعوا في المقابل عن وصف الإرهابيين بالثوار، ويجب أن يعلموا أنهم مهّدوا الطريق بخطابهم لكلّ الجرائم التي ارتكبت بحق الجيش كمؤسسة أو التي طاولت ضباطه كأفراد بكسر هيبة الجيش وجعل التطاول عليه أمراً عادياً. والتطاول بالكلام على المهابة أولى الخطوات نحو استسهال التطاول عليها بالرصاص، كما فعل المجرمون الذي قتلوا الضابط المغوار ربيع كحيل.

– لا تنفصل الحملات الهادفة للنيل من الجيش اللبناني عن مشروع كبير يغزو المنطقة ويستهدف جيوشها من لبنان وسورية إلى العراق ومصر والجزائر، والنيل من الجيوش ليس حكراً على الإرهاب، ومن يروّج له تحت ذرائع ويختلق له الأعذار ويطلق لأجله دعوات التفهّم. فالجيشان العراقي والمصري الحليفان نظرياً للجيش الأميركي عرضة باستمرار لحملات أميركية للتضييق والنيل من المعنويات والتهوين من القدرات والتشويش على الإنجازات، بينما الجيش السوري في عين عاصفة الهجوم من دول الغرب، والجيش اللبناني الذي يحظى بالتهنئة والتقدير كلامياً يُحرم من أبسط شروط التجهيز للفوز بمعاركه ميدانياً.

– حماية الجيوش تشكل اليوم المدخل الذي لا بديل عنه لحماية الأوطان، ليس فقط لأنّ الجيش درع الوطن بوجه المخاطر، بل أيضاً فوق ذلك وقبل ذلك لأنّ المؤسسة الجامعة العابرة للطوائف والمناطق في زمن التفتت والعصبيات هي المؤسسة العسكرية والتمسّك بها وبتماسكها هو حفاظ على العمود الفقري لدولة واحدة ووطن واحد. والسعي إلى امتلاك الجيوش القوية هو العلامة على تطلع الشعوب لمكانة يُقام لها الحساب بين الدول. ويعرف اللبنانيون ويعرف السوريون أنّ جيشي بلديهما يشكلان اليوم من ضمن معادلة الجيش والشعب والمقاومة بوليصـة التـأمين في وجه المخاطر.

– في عيد الجيشين اللبناني والسوري دعوة إلى إبقاء مناقشة كلّ ما يتصل بالجيش فوق الكيدية السياسية، من مسؤولية تحصين وحماية الجيش إلى الحاجة لتكامل الجيشين. وفي العيد تحية للجيشين جنوداً ورتباء وضباطاً وقيادة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى