أزمة نفايات أم أزمة نظام

د.نسيب أبوضرغم

إن الأسئلة التي طرحتها أزمة النفايات في الآونة الأخيرة، تتجاوز حدود النفايات أصلاً وعلاجاً، إلى حدود النظام اللبناني الفريد من نوعه.

إن السؤال الأول الذي يطرح نفسه، هل يمكن أن تحصل أزمة نفايات كالتي حصلت في أي بلد من بلدان العالم؟ فأزمة النفايات عندنا، ليست في عدم رضى اللبنانيين عن طمر النفايات في محيط سكن كل جماعة منهم، بل الأزمة في رفض الطبقة السياسية بمعظمها الفاعل منها حل هذه الأزمة بغير طريقة الطمر، خصوصاً عبر بيع هذه النفايات لدول هي على استعداد لشرائها.

لو كان جوهر الأزمة تقنياً لكان الحل قريب التحقق، عملاً بالاقتداء بالدول كافة، ولكن الجوهر في مكان آخر.

تقدم الدول عادةً للمواطنين خدمات، هي بالأساس، حقوق للمواطن مع دولته، من حيث هو مُكلّف يدفع ضريبة ، فالتكليف هو طريقة تكوين المال العام، وبالتالي الخزانة العامة.

في لبنان، قام النظام السياسي المعمول به منذ قيام الدولة، وهو نظام المحاصصة الطائفية، قام بمسخ القاعدة المنوّه إليها، وحول ما هو حق للمواطن على الدولة، إلى خدمة يقدمها المتزعم الطائفي مقابل الولاء المستدام من المستفيد إلى الأبناء فالأحفاد، بعيداً من الدولة ومؤسساتها. إلا دورها في تقديم الخدمة لمن اختاره هذا المتزعم الطائفي أو ذاك.

إن الخلفية التي تتحكم بهذا السلوك، هي اعتبار الطوائف والمذاهب نفسها هي مالكة الوطن وصاحبة أمواله وأصوله ودولته، إذ ليس للمواطنة وفلسفتها السياسية-الاجتماعية أي وجود.

عندما تعطي الطوائف لنفسها هذا الحق، فهي فوق الدولة، لأنها تعتبر الدولة وموجوداتها من أسلابها التي ضمتها إلى ملكيتها بفعل رسوخ هذا النظام الفاجر.

وبناءً عليه، يمكننا أن نقرر، بأن سلوكيات الطوائف والمذاهب كافة مختصرة بالمتزعمين عليها هي محكومة بمنطق حق الملكية وملكية حقوق الدولة من قبل هؤلاء الأشخاص الذين لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين. كل التقديمات التي ينبغي أن يحصل عليها المواطن مجاناً لأنه قد دفع تكلفتها للدولة بالضريبة، كل هذه التقديمات ينبغي من جهة أخرى أن تكون مصدراً تمويلياً لهؤلاء المتزعمين يبيعونها للشعب من ماله مضاعفة، مرة لأنه دفع ثمنها مسبقاً غير الضريبة، ومرة لهذه المخلوقات وأنسالها التي ابتلي بها الشعب اللبناني منذ عقود مديدة.

لماذا نبيع النفايات وتكسب الخزينة العامة؟ لماذا لا نجمع نحن النفايات ونقبض ثمنها، وهي بكل الأحوال مصدر مستدام ويدر الملايين بشكل مستدام أيضاً، هذا ما يقوله هؤلاء المتزعمون لأنفسهم.

لنأخذ الغاز المخنوق في بحرنا، لماذا لم تسارع «الدولة» إلى استخراجه، لماذا تعرضه للنهب اليهودي، أليس من المفروض أن ينصب الجهد على ذلك، ونرفع عن كاهل اللبنانيين عبء الدين، الدين الذي صنعه هؤلاء أنفسهم.

لماذا لم يحصل ذلك، أليس لأن منطق المحاصصة الطائفية لم يستقم بعد بين هؤلاء أنفسهم، ناهيك عن تكرار فاجعة المياه التي انتهت باستشهاد الهندس عبد العال، والتي يظهر أنها تتكرر الآن في موضوع الغاز.

الأزمة ليست أزمة نفايات، إن أزمة النفايات هي مظهر من مظاهر أزمة هذا النظام، النظام الذي أثبتت التجربة التاريخية أنه لا ينتج إلا الأزمات والحروب.

لا ينتظر اللبنانيون حل أزمة النفايات إلا وفق قواعد نظام المحاصصة الطائفية. النفايات ثروة، يرفض أرباب هذا النظام إلا أن يجرى اقتسامها بينهم، لا أن تحل على القواعد المتبعة في الدول المحترمة.

ما يعني هؤلاء، كسب المال وسحبه من جيوب اللبنانيين بجمع النفايات، أما مكان طمرها فلا بأس أن يكون موزعاً أيضاً على ذات القاعدة، بعيداً من الأضرار والمصائب الصحية والبيئية، وما هم، أن يصبح لبنان من هذه الطريقة بعد مئة عام مكباً للنفايات بمساحة عشرة آلاف وأربعماية كلم2. لا يهم ذلك، طالما أن المخلوقات العجيبة وفروعها، قد انتفخت من مال اللبنانيين ثراءً ومن دمهم نفوذاً وسياسة.

أزمة النفايات وسواها من التي سبقت والتي ستأتي لا خروج منها إلا بتغيير هذا النظام الجائر أساساً. ألا يكفي أن نلاحظ كيف أن المشكلة في لبنان، تولد مشكلة، وتتحول إلى أزمة فمأزق، ألا يكفي ذلك ليقول الشعب كلمته، ويقيم نظامه المطلوب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى