انتفاضة 22 آب: تقييم أولي

معن بشّور

1 ـ إن ما جرى في وسط بيروت من انتفاضة شبابية بريئة عفوية عارمة لم تكن غايتها حلّ أزمة النفايات وحدها بل مواجهة كلّ أنواع النفايات السياسية والأخلاقية التي تطمر البلاد بأسرها، ولم يكن موقعها قلب بيروت الموزع بين ساحتين يتمّ اليوم تحويلهما إلى زواريب عبر التوحش العقاري وصمت المسؤولين والمقرّبين ، بل شملت كلّ لبنان، ولم تكن حركة فئوية أو مذهبية أو مناطقية، بل حركة شعبية لبنانية واسعة عابرة لكلّ الحواجز التي برع أهل الفساد في إقامتها بين اللبنانيين.

2 ـ إن ما رافق هذا الحراك الشبابي والشعبي الراقي والمبارك من شوائب لا يلغي أبداً جوهر هذا الحراك وأهدافه الساكنة في وجدان اللبنانيين، والمقيمة في عقولهم، والمعبّرة عن أوضاعهم المؤلمة وهم يرون القيّمين على أمورهم موزعين في أغلبهم بين حيتان تلتهم قوت أبنائهم وبين مسؤولين لا يملكون ذرّة إحساس بأوجاعهم، وإذا كان هناك من «مندسّين» بالفعل، كما يقول البعض، فالردّ يكون عبر القضاء خصوصاً أن كلّ حركة وسكنة للمحتجّين، كما لقوى الأمن، خلال الأيام الفائتة كانت مسجلة ومصورة.

3 ـ إن استخدام العنف من قبل العناصر الأمنية في مواجهة جموع الغاضبين، من الشباب اللبناني، لم يؤذ فقط ضحاياه المباشرين وقد بلغ عددهم بالعشرات، وبينهم حالات خطرة كحالة الطالب الجريح محمد قصير شفاه الله، بل شمل أذاه أيضاً صورة لبنان بأسره وأظهر أن تغوّل السلطة وأجهزتها الأمنية قد غزاه أيضاً، فيما كان اللبنانيون يفاخرون أشقاءهم العرب بالحدّ المعقول من الحريات العامة والخاصة واحترام حقوق الإنسان.

4 ـ إن الضمانة الرئيسية لعدم وقوع الحركة الشبابية في خدمة مخططات داخلية أو خارجية وأجندات مشبوهة، هو في أن تنخرط فيها كلّ القوى الوطنية والتقدمية والشعبية الأمينة على الثوابت الوطنية والقومية وتساهم في توجيه بوصلتها بالاتجاه الصحيح الذي انطلقت منه، بعيداً عن كل الحسابات الضيقة والأجندات المشبوهة فيما الابتعاد عنها يعمّق الهوة بين جماهير واسعة وبين قوانا الوطنية والمناضلة.

5 ـ كلّ القيّمين على هذا التحرك مدعوّون لتحديد المطالب وتركيز الشعارات والسعي لفتح ملفات الفساد المعروفة، والضغط على الحكومة من أجل إحالة هذه الملفات على القضاء المالي والجزائي وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة، وفي المقدّمة منها ديوان المحاسبة، من أجل أن ينال الفاسدون والمرتشون والمتورّطون في صفقات مشبوهة جزاءهم، ويتعرّف الرأي العام اللبناني إلى ناهبيه وسارقيه.

6 ـ إن أزمة النفايات، وغيرها من الأزمات تطرح على الحكومة أن تعيد النظر بقرار خاطئ اتخذ في نهاية القرن الماضي بإلحاق وزارة الشؤون البلدية والقروية بوزارة الداخلية، بما يضمن تطبيق الحدّ الأدنى من اللامركزية الإدارية وتقليص المركزية الشديدة التي تمثلها وزارة الداخلية بحيث تنصرف الهيئات البلدية والاختيارية إلى العمل البلدي والإنمائي بدلاً من انتظار رضى السلطات المركزية.

7 ـ إن تراجع الحكومة عن المناقصات المتصلة برفع النفايات بعد أقلّ من 24 ساعة على قرار اللجنة المختصة بهذا الملف، يؤكد أمرين في آن معاً، أولهما ارتباك في الأداء الحكومي، وثانيهما حجم الضغوط التي تواجهها الحكومة من أصحاب المصالح الضالعة.

8 ـ إن الرئيس تمام سلام الذي أبدى في مؤتمره الصحافي صباح الأحد تفهّماً لمطالب الشباب المنتفض والغاضب وتبرّماً من النفايات السياسية التي تحاصره، قد أثار احتراماً وتقديراً لدى العديد من الأوساط الشعبية والشبابية التي تطلب منه أن يكون رأس حربة مناهضة الفساد في البلاد، مستنداً إلى هذه الانتفاضة التي يقودها على العموم شباب «أوادم» وهو مصطلح طالما استخدمه الرئيس تمام سلام واعتبره شعاراً لحركته السياسية.

9 ـ إن انتفاضة 22 آب هي استمرار لكلّ حراك شعبي عابر للطوائف والمذاهب والمناطق عرفه اللبنانيون منذ عقود للخروج من محنة الاصطفاف الطائفي والمذهبي. وقد عرفه اللبنانيون مع تحركات هيئة التنسيق النقابية في السنوات الأخيرة، ومع تحركات الاتحاد العمالي العام وهيئات المجتمع المدني في أواسط التسعينات من القرن الماضي قبل الانقضاض عليها، ومع حركة السلم الأهلي ورفض التقسيم التي انطلقت في أواخر الثمانينات من القرن الفائت، والتي ساهمت في إنهاء الحرب والوصول إلى اتفاق الطائف.

10 ـ إن مقاومة الفساد بكلّ مظاهره وأشكاله وجذوره هو تحصين للمجتمع والدولة في وجه المخاطر التي تهدّدهما، كما هو دعم للمقاومة التي تتصدّى للاحتلال والفساد، بكلّ أشكاله، لأنّ الفساد والاحتلال هما متكاملان في منظومة واحدة، ولأنّ تسلل الأعداء إلى ضرب الروح الوطنية والمقاومة يتمّ عادة عبر تعميم هذا الفساد والنفاذ من ثغراته.

11 ـ دعم الحراك الشعبي المتصاعد بكلّ أشكاله وبكلّ مناطقه، وضرورة تحصينه من كلّ الشوائب والثغرات التي قد يستغلها متضرّرون لإفشال هذا التحرك، كما على ضرورة استفادة القيّمين عليه من كلّ الخبرات والتجارب والتحركات المماثلة السابقة.

المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى