استنجاد ليبيا يسقط ورقة التوت عن القوة العربية المشتركة

شاهيناز وزير

لنعد بالذاكرة قليلاً الى الوراء وتحديداً الى القمة العربية السادسة والعشرين التي اقيمت فعالياتها في مدينة شرم الشيخ المصرية في آذار الماضي والتي فيها صدر قرار بإنشاء القوة العربية المشتركة، فقد أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في بدايات ذلك الشهر عن الحاجة لإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب الذي يواجه الدول العربية، وأبدى الحضور تأييداً لهذا الاقتراح الذي تم إقراره في شكل رسمي في التاسع والعشرين من الشهر نفسه وجاء في البيان الختامي لتلك القمة «ان القادة العرب وافقوا على مبدأ انشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات وصيانة الأمن القومي العربي».

يذكر أن المملكة العربية السعودية بدأت توجه ضرباتها الى مواقع الحوثيين في اليمن قبل قرار البيان الختامي بأيام قليلة فيما يعرف بـ»عاصفة الحزم»، ولذلك فقد تضمن البيان ايضاً التأييد لتلك العمليات العسكرية وضرورة الاستجابة العاجلة لدعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. كما نذكر كيف تم التنسيق للمشاركة مع المملكة في الحرب على الحوثيين ب سرعة أذهلت الشعوب العربية، وتم تكوين تحالف عسكري ضم تسع دول عربية شاركت على الفور بمقاتلاتها وطياريها لتشن غارات عنيفة وبالغة التأثير على مواقع الحوثيين وما زال القصف مستمراً وبشراسة داخل اليمن حتى تلك الساعة.

الجدير بالملاحظة أن أولئك القادة الذين سارعوا لتلبية نداء المملكة العربية السعودية لمشاركتها في النيل من خصومها هم أنفسهم الذين لم يحركوا ساكناً حيال تساقط المدن العربية واحدة تلو الأخرى ولم تستفزهم مجازر تنظيم «داعش» بحق الأبرياء وهتكه الأعراض وتحطيمه الحضارات ونهبه الثروات، بل لقد ترك هذا الخطر الأكبر والسرطان المستفحل في ربوع المنطقة للغرب يقرر في شأنه ويتصرف نحوه بالطريقة التي يحددها والتي أثبتت مدى سطحيتها على أرض الواقع.

الآن وقد فقدت الحكومة الليبية السيطرة على انتشار ذلك التنظيم على أراضيها وأعلنت عدم قدرتها على مواجهته بمفردها وطلبت في شكل رسمي بناءَ على ما تم الاتفاق عليه المساعدة من جامعة الدول العربية وعقد جلسة طارئة على خلفية الأحداث الأخيرة في مدينة سرت والتي وصفها نبيل العربي بالإبادة لليبيين، إلا أن الغرب لم يتأخر في أن يملي أوامره على قادة الدول العربية عشية تلك الجلسة بالرفض الواضح للخيار العسكري وبالطبع ما كان على القادة العرب سوى الإذعان وإن تغنوا بالوعود سعياً لحفظ ماء الوجه.

والسؤال لما تتقاعس الدول العربية عن شن غارات جوية على مواقع التنظيم الإرهابي الذي يقتل الشعب الليبي ويهدد أمن شمال أفريقيا بأكملها؟ لا شك في أن نيران هذا التنظيم ستأكل الأخضر واليابس وستصل عاجلاً أم آجلاً لدول الجوار كمصر وتونس والجزائر فتحيلها لما آلت اليه ليبيا.

إن أردنا تقفي الاجابة فسنجدها بين طيات الشق الآخر من بيان المجموعة الدولية الستة والتي تبنت جامعة الدول العربية قراراتها على أساسه والذي تضمن طلباً «لتشكيل حكومة وحدة وطنية ليبية قادرة بالتنسيق مع المجتمع الدولي على ضمان الأمن في مواجهة الجماعات المتشددة».

يذكر أن الحكومة الليبية تعاني من انقسام بين كتلتين متعارضتين تسعى كل منهما لإقصاء الاخرى والانفراد بالسلطة ولا شك في أن هذا الأمر ألقى بظلاله على مواجهات القوات الليبية لتنظيم داعش، والحكومة المعترف بها عربياً ودولياً هي التي طلبت الإغاثة من الدول العربية لبلادها، ولا شك في أن تنظيم داعش خطر على جميع الأطرف ناهيك عن ممارساته بحق شعب ليبيا وثرواتها.

وهكذا تتضح الصورة ويبرز لنا ما ستستخدمه الجامعة العربية كمبررلمماطلتها في تقديم ما طلبته الحكومة الليبية من مساعدات عسكرية، فمهمة قادة العرب الحقيقية الآن – هذا إن أرادوا مساعدة ليبيا- ليست انقاذ الأبرياء من براثن ذلك التنظيم الوحشي الذي يصول ويجول في المدن الليبية بل في السعي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية والنجاح بتشكيل هكذا حكومة يُقاس بمدى رضا الغرب عنها بما يضمن ولائها التام له اضافة الى قدرتها على طرد اي منافسين في السلطة قد يعكرون صفو احتواء الغرب في شكل كامل لليبيا، فلا شك في أن الغرب لا يعنيه مطلقاً توحد ساسة ليبيا أو انقاذ شعبها من الذبح والتنكيل، هو فقط يقوم بمعاقبة ليبيا بوسائل عدة بدءاً من ترك تنظيم داعش ينتشر على أراضيها مروراً بحظر توريد الأسلحة لها وانتهاء بمنع الدول العربية من التدخل عسكرياً لنجدتها كل ذلك بهدف تحقيق أهدافه وهي الشرط الأول والأخير لأي مساعدات آتية. لذلك فكل يوم تتأخر فيه جامعة الدول العربية عن التحرك الجاد تجاه ما يحدث في الداخل الليبي على نحو مشابه ما نراه يومياً من غارات تحالف القوة العربية المشتركة في اليمن، فهو دليل ليس على التخاذل فحسب بل على التواطؤ مع الغرب في حصار ليبيا على حساب دماء شعبها حتى يتحقق ما يريده السادة في الغرب.

لقد اثبتت الجيوش العربية استعدادها للتحالف والقتال وسرعة الاستجابة في شكل مدهش – لما لها من باع طويلة في النوم العميق -، ولكن يبدو أن ذلك لا يحدث الا عندما تكون المملكة العربية السعودية هي القائد والعدو هو إيران حينها فقط يردد الجميع مبادئ القومية والاستقلال، وفيما عدا ذلك فلا نجد غير الركوع الدائم للغرب والسعي الى تحقيق ما يشتهى للمنطقة من خراب وتقسيم، وأما عن الشعوب العربية وحماية الابرياء من القتل والأسر والتشريد فلا حياة لمن تنادي، وما نشاهده الآن من سلبية تجاه استنجاد ليبيا خلاف ما شاهدناه من انتفاضة تجاه نداء المملكة السعودية، يسقط ورقة التوت عن حقيقة القوة العربية المشتركة التي تشدقت كذباً بصيانة الأمن القومي العربي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى