إحراج الحالمين… وإخراجهم

نظام مارديني

فاجأ الإعلان الروسي بالتدخل ضد الإرهاب في سورية والعراق الجميع، ووضَع الولايات المتحدة ودول التحالف ودول الخليج أمام واقع جديد، وأمام حسابات من الصعب جداً تجاوزها، وربما ستكون مدخلاً لتشكيل حسابات مضادة، وتحالفات ستسبّب حرجاً للرهانات الأميركية والسعودية والتركية بشكل خاص، وستكشف الكثير من الخفايا التي تقف وراء تضخم ظاهرة الإرهاب في المنطقة وطبيعة الأجندات السرية التي تقف وراءها.

منذ أن بدأت الهجمة الشرسة للإرهاب الدولي على سورية والعراق وبدعم دولي إقليمي، لم تكن روسيا بعيدة جيوبوليتكياً ممّا يجري في هذه المنطقة، وإن كانت تنظر إليها من زاوية أكثر حذراً، وهذه النظرة لطالما ميّزت موسكو بمقدار من البراغماتية وأيضاً الركون إلى شرعة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولاعتبارات عديدة تتجاوز مساحة الجغرافية السورية باتجاه ما يجري من تفاعلات في منظومة العلاقات الدولية.

أرادت موسكو من خلال دخولها المباشر الحرب على الإرهاب، تغيير قواعد اللعبة في سورية من خلال إحراج الحالمين الدوليين والإقليميين وإخراجهم، وقد ساعدها في ذلك فشل الاستراتيجية الأميركية في إيجاد عناصر معتدلة في التنظيمات الإرهابية ولكنها مُنيت بالفشل، ووجهت فضيحة تسليم السلاح الأميركي إلى جبهة النصرة، الذي زوّدت به ما يُسمّى بالمعارضة المعتدلة، ضربة قاضية إلى ما تبقى من صدقية لدى الأميركيين في هذا الملف، ولعلّ قول أحد المستشارين السابقين في البيت الأبيض «وينث تود» إن «السياسة الروسية تجاه سورية تسهم في إعادة أميركا عن طريقها الخاطئ»، يشير إلى الفشل الذي تعيش تردّدات استراتيجيته واشنطن في سورية والمنطقة عموماً.

ندرك أن السياسة فنّ تحقيق الأغراض القومية، ولأنها أيضاً فن معقد لخدمة المصالح القومية، فهي تضع العلاقات الدولية في سياق أكثر فاعلية لخدمة تلك المصالح، وهنا مَن يراهن على حسابات القوة والضعف سيجد نفسه أمام وقائع من الصعب ضبط مساراتها، وهذا ما جعل روسيا أكثر تدبّراً لما يجري في المنطقة من تخندقات وصراعات، خصوصاً ما بعد الاتفاق النووي الذي دفع أميركا إلى وضع أجندات مع تركيا لاستخدام قاعدة انجرليك والتلويح بتقسيم سورية والعراق على أساس مذهبي وإثني، بهدف إيجاد واقع عسكري جديد أكثر تعقيداً في المنطقة، ما وضع روسيا أمام حسابات أخرى، ومعطيات تتطلب موقفاً حاسماً، وهذا ما حدث بالضبط.

لم يأتِ من فراغ، كلامُ كاترين الثانية إمبراطورة روسيا في القرن السابع عشر، عن أن «مفاتيح بيتي في دمشق».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى