أبو خاروف لـ«البناء» و«توب نيوز»: التدخُّل الروسي يُنهي الفوضى الدولية

حاوره: سعد الله الخليل

منذ سقوط الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية، تستفرد الولايات المتحدة بالمشهد الدولي وتدير العالم، وفق نظرياتها السياسية والفكرية، المبنية على احتكار القوة الضاربة القادرة على تأجيج الحروب خارج حدودها، بأشكالها الناعمة والخشنة. فبين التدخُّل العسكري المباشر ودعم الاضطرابات لتفتيت مراكز القوة، تنوعت استراتيجيات واشنطن التي أقلقها الدور الروسي الفاعل والذي يبدو بداية النهاية لأحادية القطب الدولية، دور ترسمه موسكو بنجاح تظهر تجلياته في المشهد السوري بوقف مشروع إسقاط دمشق من بوابة مواجهة الإرهاب العالمي. الاستراتيجية الروسية وما تشهده الساحة الفلسطينية من تطورات شكلا محور الحوار المشترك بين صحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز» مع الأمين العام للجبهة القومية الفلسطينية للعودة الدكتور نبيل أبو خاروف.

أخطاء أميركية وفشل متكرِّر

ورأى أبو خاروف «أنّ التطورات الأخيرة على الساحة السورية التي تمثلت بالدخول الروسي المباشر على خط المواجهة مع الإرهاب على المساحة السورية، جاءت كتتويج لجهود إنهاء الفوضى التي اجتاحت العلاقات الدولية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي والتي شهدت أخطاء فادحة وسياسات عدوانية ارتكبتها الولايات المتحدة الأميركية التي اعتقدت أنها الوريث الشرعي، بعد نهاية حقبة من تاريخية امتدّت من الحرب العالمية الثانية حتى أواخر الثمانينات بسقوط الاتحاد السوفياتي ومجموعة الدول الاشتراكية».

ولفت إلى ظهور «أيديولوجيا على مسرح العلاقات الدولية أطلقها فلاسفة الفكر السياسي الأميركيين لحقبة أطلق عليها «نهاية التاريخ» تحدث عنها فرانسيس فوكوياما من أصل ياباني، بنهاية حقبة أيديولوجية وصعود أخرى، كما عبّر عنها هيغل مشيراً إلى نهاية الحروب «النابليونية»، بالانتصار على أوروبا»، مشيراً إلى «ما قاله فرانسيس عن نهاية التاريخ بمعنى انتصار القيم الرأسمالية سواء الاقتصادية ـ السياسية للولايات المتحدة الأميركية أو المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة».

مشروع فكري أميركي

وتطرّق أبو خاروف إلى الآراء التي طرحها صموئيل هنتنغتون عن التبشير بالصراع الحضاري القادم، بدل حوار الحضارات، معتبراً أنها «إشارات واضحة إلى أنّ الفكر السياسي الأميركي ينحو تجاه الهيمنة والقطب السياسي الواحد»، موضحاً «أنّ هذه التجليات وُجدت بشكلها الفجّ والمباشر في مشروع الشرق الأوسط الكبير ومشروع الفوضى الخلاقة اللذين تحدثت عنهما كونداليزا رايس عبر التدخل السافر في شؤون دول المنطقة وهو ما يؤكد أنّ التجليات لم تكن عارضة بل جاءت في سياق استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية، وصولاً إلى تحقيق أهداف محدّدة على رأسها المزيد من ربط الاقتصاد العالمي النفطي باقتصادها المركزي للحصول على المزيد من الرساميل لهذه العائدات. ترافق ذلك مع المزيد من التغيرات على الأرض تمثلت بنشر قواعد عسكرية في المنطقة، وقد لعب الفيلسوف السياسي برنارد لويس دوراً مهماً في التأثير على مسار سياسة المحافظين في واشنطن من الرئيس جورج بوش الأب مروراً بالابن وحتى عهد الرئيس باراك أوباما، تلك السياسة التي تمثلت بضرورة إحداث تفجير في مجتمعات الشرق الأوسط، موضحاً أنّ أفكار لويس لاقت رواجاً لدى المحافظين الجدد في سياساتهم تجاه الشرق الأوسط، بما ينسجم مع مشروع تقويض القومية العربية والوطنيات المنصهرة في بوتقة الفكر القومي». وأضاف: «الكيان الصهيوني زُرع لتدمير هذه الهوية القومية، وما جرى منذ الغزو العراق وصولاً إلى الحرب الكونية على سورية، يهدف إلى تدمير الوعي التاريخي والهوية كمقدمة لحماية المشاريع المتعدّدة للغرب وعلى رأسها الكيان الصهيوني وهو ما يُفسر التكامل بين الإرهاب الصهيوني والجماعات الإسلاموية المنبثقة عن الإسلام الوهّابي لتكون بديلاً للإسلام الحضاري».

إعادة اعتبار للعلاقات الدولية

ووضع أبو خاروف التدخل الروسي في سياق «الحدّ من البعد الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمركية وإنهاء تدخلها في شؤون الدول من دون مظلة الأمم المتحدة». وقال: «الحرب المُعلنة على سورية منذ خمس سنوات ليست تحت أي شرعية ولا تُصنَّف بأي شكل من الأشكال في إطار شرعي وهي حرب سعت الولايات المتحدة بتوجهاتها السياسية إلى جعلها امتداداً للحقبة الأميركية ليأتي التدخل الروسي في سياق إعادة الاعتبار إلى العلاقات الدولية والقانون الدولي وإلى القطبية المتعدّدة. وأضاف: الوقائع على الأرض السياسية والاقتصادية والعسكرية تشكل حضوراً مهماً في ساحة العمل الدولي ولا يمكن الاستمرار في الهيمنة على مجلس الأمن وتفجير مجتمعات الشرق الأوسط وكياناته السياسية». واستشهد أبو خاروف بخطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة وحديثه عن القوة الأميركية. وتابع: «في المقابل كان هناك خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث عن الشرعية الدولية وتفعيل دور المجتمع الدولي. كان واضحاً أنّ خطاب أوباما يدافع عن حقّ أميركا في استخدام القوة، في حين تحدث بوتين عن سعي إلى خلق علاقات دولية تحترم القانون الدولي وتحت مظلة الشرعية الدولية». ولفت إلى أنه «لا يمكن أن نصل إلى عالم متوازن متعدّد الأقطاب يقوم على احترام الشرعية الدولية وإعادة تقييم واقع العلاقات الدولية بعيداً من فكرة العمل القومي المشترك وهو ما يعطي روسيا والصين والمجموعة الدولية الأخرى التي انضمت عملياً إلى التحالف المضاد للإرهاب في سورية وسيحظى بإجماع دولي، قوة تنبع من ارتكازها على الشرعية الدولية». ورأى أنّ القانون الدولي «وُضع لتنظيم العلاقة بين الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، واحترام حقّ دول العالم كافة في التعبير عن نفسها، حسب ما ضمنه قانون الحماية الشعبية ومواد القانون الدولي المنظم للعلاقات الدولية».

الإرهاب في سورية متشعِّب المصالح

وأكد أبو خاروف «أنّ وجود الإرهاب في سورية يمسّ مصالح دول كثيرة وهو تحرك له علاقة بالمصالح الدولية، وروسيا أعلنت اليوم على ألسنة مسؤوليها وعلى رأسهم الرئيس بوتين أنّ الإرهاب الذي يستهدف سورية بدأ يطرق أبواب موسكو كما طرق أبواب بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق المجاورة لروسيا، حيث تدور بعض القوى في فلك السياسات الأميركية كما تفتعل المشاكل في الصين بتحريك المسلمين «الإيغور» لتحريك الإرهاب وإدخال الصين في متاهات عرقية تؤثر على السلم الدولي، كجزء من فلسفة السياسات الأميركية المتعاقبة بإعادة عسكرة العالم والهيمنة على الاقتصاد العالمي، ومن هنا تأتي محاولة التدخل في أوكرانيا والضغط على روسيا ونشر الصواريخ في أوروبا حيث ترى واشنطن أنّ من حقها أن تهيمن على العالم، بما تمتلك من عقيدة سياسية». وتابع: «روسيا تعلم مكانتها وتعي دورها جيداً وهي تملك من القدرات ما يؤهلها لأن تكون قطباً موازياً للولايات المتحدة الأميركية ومشاعر الروس القومية عالية وأي قومي روسي لن يقبل ولن يساهم في تنمية النزعة العدوانية الأميركية لتشمل النصف الثاني من العالم روسيا».

وفي الشأن الفلسطيني، أشار أبو خاروف إلى «أنّ صانعي الأيديولوجية في الكيان الصهيوني وجدوا أنها الفرصة التاريخية الأكثر ملاءمة لتنفيذ الجزء الثاني من مشروع بناء الدولة الصهيونية»، لافتاً إلى «أنّ هذا الكيان يجد نفسه أمام منعطف تاريخي، وعليه أن ينضم إلى جوقة الإرهاب الدولي التي تتمثل بالولايات المتحدة الأميركية وأعضاء حلف «ناتو» والرجعيات الخليجية العربية في ضرب وحدة الجغرافية والهوية للوطن العربي»، مؤكداً «أنّ جيوش الدول الثلاث ليبيا والعراق وسورية تمتلك عمقاً قومياً واستراتيجياً لدعم القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينة». وشدّد على «أنّ الكيان الصهيوني يسعى إلى الإجهاز على سورية بما تمثله من قيم حضارية ومن جغرافية سياسية، ما دفع بدول الجوار السوري ودول الخليج إلى استمداد شرعيتها من هذا الكيان اللاشرعي، وقد وجدوا أنّ تبنّي السياسات الصهيونية أقلّ كلفة من الحشد لأجل تحرير فلسطين».

مشروع طارئ

ولفت أبو خاروف إلى «أنّ المشروع الصهيوني مشروع طارئ على المنطقة والجغرافية والثقافة والفكر ومحكوم بالزوال، كمشروع عدواني يهدف إلى إنهاء وجود الشعب العربي الفلسطيني وهو ما يفرض في ظلّ هذا الاضطراب الدولي تفعيل القرارات الدولية حول فلسطين بما يمكن استثمارها إذا أُحسن استخدامها»، معرباً عن اعتقاده بأنّ «الفرصة سانحة لوضع بداية النهاية للكيان الصهيوني، لأنّ الوعي التاريخي لا يُجزأ». ولفت إلى «أنّ اتفاقية أوسلو جزأت الوعي التاريخي والقومي والذاتي للشعب الفلسطيني»، موضحاً «أنّ محاولات تشجيع هجرة الفلسطينيين من سورية إلى دول العالم هي محاولة لخلق واقع سياسي نابع من تدخل القوى الكبرى الاستعمارية».

ورأى «أنّ زمام المبادرة لا يزال في يد الصهاينة لعدم تحديد الأهداف الاستراتيجية»، متسائلاً: «هل الحركة الفلسطينية حركة تحرُّر أم حركة استقلال. وهو سؤال غير مطروح الآن ويجب أن يُطرح وبقوة في ساحة العمل الوطني الفلسطيني». ولفت إلى «أنّ الحراك الفلسطيني هو حركة تحرُّر ليس هدفها إجلاء الاحتلال من الضفة بل إجلاء الاحتلال من كامل فلسطين»، مشيراً إلى «أنّ وضع الميثاق الوطني شكل أرضية للإجماع الوطني الفلسطيني المفقود الآن، وقد أسّست اتفاقية أوسلو لحركة وطنية في الضفة والقطاع تنادي بالاستقلال عن الدور الصهيوني واعترفت بالرواية الصهيونية واليهودية للصراع، لذلك أقصت حقّ العودة معتبرة أنّ الصراع قد انفجر مع الموضوع الصهيوني 1967، لذا تمّ الحديث عن حلّ الدوليتين، بناء على الاعتراف بإسرائيل كدولة مقابل اعتراف إسرائيل بحقّ المنظمة».

بوادر انتفاضة

وفي الموضوع الفلسطيني أيضاً، رأى أبو خاروف «أنّ الضفة تنتفض ولكن هناك تنسيقاً مقدساً ودقيقاً بين قوات السلطة والاحتلال حيث يرفض رئيس السلطة رفضاً قاطعاً اللجوء إلى خيارات مواجهة المحتلّ، إلا إذا صعَّد الاحتلال من عدوانه على الشعب الفلسطيني، بالرغم من أنّ الشعب الفلسطيني يحاول أن يبني استراتيجيته على استعادة وطنه. محمود عباس موظف يأخذ راتبه من الدول المانحة والتي تمارس، بما فيها صندوق النقد الدولي، التدخل في كلّ صغيرة وكبيرة في الشؤون الإدارية». وأضاف: «لا يمكن السير في مشروع حركة التحرُّر الوطنية ما لم يوضع مشروع استراتيجي لا يتوقف عند بناء السلطة في الضفة الغربية وغزة بل يجب أن يشمل ضمان حقوق مليون ونصف فلسطيني في فلسطين التاريخية و6 مليون في الشتات تُمارس في حقهم عملية مخططة ومبرمجة لإلغاء حقهم في العودة، وما تشهده المخيمات في سورية ولبنان تأتي في سياق منظم لتهجير الفلسطينيين وتقديم التسهيلات لهم في تركيا عبر منظمات تسهِّل الهجرة ضالعة في المشروع المعادي للشعب الفلسطيني».

ورأى الدكتور نبيل خاروف «أنّ الانتفاضة الثالثة موجودة قائمة في وعي الناس وفي العمليات التي تعبِّر عن الغضب الشعبي الفلسطيني بعمقه الاستراتيجي، رغم أنها لا تمتلك القدرة على الخروج إلى الشارع لأنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تمنع قيام الانتفاضة، أما إذا رفعت أجهزة السلطة يدها عن الشارع الفلسطيني سنجد الانتفاضة تعم كلّ الضفة الغربية، فالشعب الفلسطيني متمسك بحقّ العودة وحقّ أهله وهناك العديد من الأسر التي لا تزال في الخارج».

كما أكد «أنّ الخيارات التاريخية يمكن أن تضع العملية النضالية للشعب الفلسطيني في سياقها التاريخي والواعي، ولا بدّ من تحديد طبيعة المشروع الصهيوني وتقييمه ورسمه مرة أخرى»، موضحاً «أنّ المشروع بدأ يتبلور سواء في الواقع المجتمعي الفلسطيني، بما يضمّ من طلائع مثقفة تواجه التعتيم على دورها الفكري والثقافي في بناء ثقافة سياسية ذات عمق استراتيجي لإدامة الصراع مع المشروع الصهيوني الواضح المعالم، أو عبر خلق محاور بعد تحطيم بنية الدول القومية في الشرق الأوسط والوطن العربي، إنتاج بنية مذهبية طائفية لا تقوم على فكرة الوعي المجتمعي الذي يضمّ كيان الدولة، بما يساهم في ترسيخ العقيدة الصهيونية التي تسعى إلى تفتيت بنية المجتمع العربي وهو برنامج ولادة الشرق الأوسط الجديد نفسه، وذلك عبر تحويل الفلسطينيين إلى مهاجرين، بما يضمن تذويب الهوية الفلسطينية».

بلورة المشروع الوطني

وطالب أبو خاروف بـ«بلورة مشروع يستند إلى رؤية تاريخية للصراع مع الصهيونية ينطلق من اعتبار أنّ حركة التحرّر الفلسطينية لا تسعى إلى إقامة كيان فلسطيني في الضفة والقطاع فقط، وأنّ البرنامج الوطني يجب ألا يتعارض مع حقّ العودة ولا عن فلسطين التاريخية، ما يضمن برنامج الإجماع الوطني الذي من الممكن إقامته والوصول إلى نقطة الإجماع عبر الاستفتاء الفلسطيني، بما يضمن إقامة الدولة المستقلة بعيداً من حلّ الدولتين الذي لم يعد ممكناً».

يُبثّ هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة مساءً، ويُعاد بثه الساعة الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» على التردُّد 12034

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى