همزة وصل

نظام مارديني

في روايته الرائعة «عسل المرايا» للصديق نافذ أبو حسنة، ثمّة تفاصيل تشي بأنها تتحدث عن الواقع، فهو يصوّر الأرواح المعلّقة على جدران تقاعسنا أمام ما يبتكره أهلنا في فلسطين المحتلة، وكلما حاولنا الفرار من جحيم النار، كنا نصطدم بجدران هذا التقاعس. ولكن ومن موقعنا كمتقاعسين، جلسنا متفرّجين أمام هذه الأجساد الطاهرة وكأنّها الشمس تعمي نظرنا وعيوننا وتكشف ضعفنا وعيوبنا. هي أجساد تواجه بلحمها آلة العدو الجهنميّة، فنصرخ من جديد، ونستمر في الصراخ.

هل هي لعبة ضوء وصوت… أم أن الحقيقة أبت إلا أن تكشف عريَنا الماثل أمام طهارة الدم؟

عندما تصبح رؤية الشمس أمنية، تهمس بها أفواه مقيَّدة بكلمات مكبَّلة، تبدو المعاني مشتتة بين الحنين لتُنَسُّم عبق الحرية، والرغبة في الانعتاق من ظلمة ضعفنا المطبقة، وكأننا داخل زنازين بلا جدران رسمناها نحن ووضعنا أنفسنا داخلها، راسمين عبرها ملامح الحرية التي تأتينا من فلسطين وتصدمنا بثمنها الغالي من العرق والدماء وتدمير البيوت. ها هم يوثقون آهاتهم ومعاناتهم من خلال إطلاق انتفاضتهم الثالثة الأولى العام 1987 والثانية في 2000 .

ها هي نفحة تُمسِك بالحجر من جديد وبالسكين، وفاءً للدين، وإدراكاً للواجب… ومدادها شوق ينتظر ساعة الخلاص وحنين لقهر عتمة الاحتلال.

يقول الشاعر محمود درويش: «إننا ننسى أن السَجَّان هو، بصيغة ما، سجينٌ: إنه سجينٌ بلا أُفُق، ولا يحمل أيّ رسالة… أما السجين، فبالمقابل، يُغَنّي، وهو في أعماق نفسه يُحِسُّ بأنه أكثرُ حريةً من سجّانِهِ».

هل توجد نقاط مشتركة بين «التراجيديا» القديمة و«التراجيديا» الجديدة التي يسبّبها الاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين؟

لا شك في أن الآلِهَةَ عند الإغريق هي مَنْ يُقَرِّرُ، هذا هو القَدَرُ. المُؤَلِّفُ القديمُ يَصِف بَطَلاً تتكسَّرُ حركاتُه وكبرياؤه بسبب إرادة الآلِهَة، بينما ما يحدث الآن في فلسطين، شيء آخَر من البطولة. لا يوجد في مأساتنا قَدَرٌ، وإنما الرغبة في تغيير الأشياء هي التي تُحَفِّزُ الأفعالَ.

وها هو شاعر النهضة محمد يوسف حمود، يقول:

الجـرح يـنطـق يا فـمُ ودمُ الـفـدى يتـكـلـَّمُ

فاسـكت… فإنـّك، إن تكـلَّمتِ الزوابـعُ، أبـكـمُ

ماذا يـقول الحـرفُ في الشَّفَـتَيْنِ… إنْ قـالَ الـدمُ؟

ونحن نعيش عرس الانتفاضة وحيث القضية الفلسطينية هي المركز والانطلاقة لكل إبداع، فإن أهمية المقاوم الآن حتميةٌ لكسر مقولة رئيسة وزراء العدو السابقة غولدا مائير: «الكبار يموتون والصغار ينسَون».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى