سورية… المغامرة الروسية والانكشاف الأميركي

كتب بيل تورك في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية: في المعركة اليائسة ضدّ تنظيم «داعش»، كان أداء البنتاغون خطأ تماماً، فقد كان يستخدم الترميز باللون للدلالة على أهلية الجماعات المتمرّدة السورية المختلفة لتلقّي المساعدات الأميركية. ووفقاً لما جاء في «وول ستريت جورنال»، فإن بعض الجماعات كانت معروفة بالنقاط الخضراء، بينما أعطيت أخرى نقاطاً حمراء، ومجموعات أخرى نقاطاً صفراء. وهنا يكمن الخطأ. فقد كان يجب حفظ اللون الأخير للبيت الأبيض.

إنني لا أتّهم الرئيس أوباما بالجبن الشخصي. ولكنني، على رغم ذلك، أتهمه بأن لديه فائضاً من الحذر وعدم معرفة ما الذي يفعله. وقد لخص مسؤول تركي ذلك للجريدة بقوله: «قام الأميركيون بالترميز اللوني، وقام الروس بالغزو».

نعم، لقد قام الروس بالغزو، فأرسلوا طائرات حربية، ووحدات ممكننة وحتى قوات إلى سورية فبدأوا تنفيذ مهام بالقصف، وأصابوا على ما يبدو المتمردين الذين يسعون إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وليس هذا فقط بل وحدات «داعش» كذلك، كما وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمفاجأة هي أن بوتين كان يكذب.

يقول أوباما إن الروس دخلوا مستنقعاً، إنني أوافق، وعما قريب، سيُقتل الروس على الأرض. وربما يرسل بوتين بعد ذلك مزيداً من القوات لحماية القوات الموجودة هناك بالفعل، وبهذه الطريقة، فإن التزامه سيزداد، ومن الواضح. على رغم ذلك، إنه يدرك المخاطر، ويعتقد أن المسألة تستحق المغامرة، بعبارة أخرى، إنه يعلم ماذا يفعل.

وفي المقابل، تبدو الولايات المتحدة في حيرة، فقد دعا أوباما الرئيس الأسد إلىا لرحيل، لكن الأخير لم يفعل، وضخّت الولايات المتحدة ملايين الدولارات لتدريب المتمردين لقتال «داعش»، لا لقتال الذين يحاربون الأسد، إنها تختار من بين الجماعات المتمرّدة ولا يحالفها الحظ كثيراً، ولم ينتج «البنتاغون» سوى أربعة أو خمسة مقاتلين، بينما ذهب بعض ممّن درّبهم إلى العدو، آخذين عتادهم معهم، إن المؤسسة بكاملها تفسح المجال لمحاكاة ساخرة، إن لم يكن حقيقة، لقد فُقد 200.000 شخص في سورية بينما طُرد أربعة ملايين آخرين إلى خارج البلاد.

وزارة الدفاع الروسية قالت يوم 5 تشرين الأول إن القوات الجوية الروسية شنّت 25 طلعة جوية في سورية خلال 24 ساعة، وأصابت تسعة أهداف لـ«داعش» هناك، وأذاعت الوزارة ثلاثة مقاطع فيديو توضح القصف الذي أصاب أهدافاً في إدلب وحمص. إن سورية أضحت مسرحاً للرعب، وفي بداية الحرب هناك، كنت من بين أولئك الذين دافعوا عن تدخل الولايات المتحدة، والقيام بتسليح المتمرّدين، وإنشاء منطقة حظر جوّي لمنع مروحيات الأسد. لم أكن أريد إطلاقاً رؤية القوات الأميركية في البلاد.

لم يفعل أوباما شيئاً، وفسدت سورية، لقد وضع أوباما «خطاً أحمر» حول استخدام الأسلحة الكيماوية، ومنذ ذلك الوقت استخدم الأسد غاز الكلور، ولم يفعل أوباما شيئاً، وانهارت مصداقية الولايات المتحدة، وبدأت واشنطن حرباً جوّية ضدّ «داعش»، وألحقت بها بعض الخسائر، لكن الأمر سيكون أكثر فعالية لو كان هناك مراقبون على الأرض، وأوباما لن يفعل ذلك، أيضاً، هناك حاجة لإنشاء منطقة حظر جوي، ولم يفت الأوان للقيام بشيء، ومن خلال القيام بالشيء القليل، سمحت الولايات المتحدة للآخرين بالقيام بالكثير.

أحياناً، يتحدث أوباما وكأنه متسابق للحصول على لقب ملكة جمال أميركا، ويتعهد بالقيام بحملة من أجل السلام العالمي حال فوزه، وبهذه الروح، قال الرئيس مؤخراً في الأمم المتحدة إنّ «المَدافع وحدها لن تدحر داعش والأيديولوجيات لا تهزمها المدافع، وإنما الأفكار أفضل ـ وهي رؤية أكثر جاذبية وإقناعاً».

بيد أننا لدينا بالفعل أفكاراً أفضل، كيف نمنع تحول النساء إلى عبيد الجنس؟ كيف نمنع قطع رؤوس الأجانب؟ كيف نمنع ذبح أسرى الحرب؟ كيف نمنع تحطيم المواقع الأثرية القديمة؟ هذه ليست أفكاراً سيئة، وقد تم اختبارها لبعض الوقت، وفي الواقع، فإن بعضاً منها نبع من المنطقة.

إن أوباما يتحدث كثيراً، لكن «داعش» تحتاج إلى قتالها، إنها حركة فاشية ووضوح هدفها يجذب الضائعين والحائرين، الذين تدفق 20.000 منهم إلى سورية والعراق من جميع أنحاء العالم، إنهم يعرفون أفكارنا الأفضل، لكنهم رفضوها لمصلحة العنف، نحن بحاجة إلى قتلهم، وليس هناك من سبيل آخر.

لقد تكلفت الحرب التي تجنبها أوباما في سورية أرواحاً كثيرة، وأدت إلى قيام المهاجرين باجتياح أوروبا، وشوشت السياسة الأميركية وأعطت الفرصة للروس وأظهرت افتقار الولايات المتحدة للحزم، وتسببت في كثير من الألم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى